صانع العود الوحيد في مدينة الباب السورية يتمسك بأوتار المهنة

سوريا تشتهر بصناعة آلة العود والعزف عليها وهذه الصناعة واحدة من الحرف اليدوية التي تحتاج إلى مهارة كبيرة.
الاثنين 2024/03/11
وفاء كبير للعود

الباب (سوريا) ـ يتمسك السوري حسان حمزة البالغ من العمر 68 عاما بمهنة صناعة آلات العود في مدينة الباب بريف محافظة حلب. ويعد حمزة صانع العود الوحيد في مدينة الباب، المطهرة من تنظيم “داعش” الإرهابي عبر عملية درع الفرات التي نفذتها تركيا في الشمال السوري عامي 2016 و2017. ويواصل حمزة مهنته في غرفة بمنزله حوّلها إلى ورشة للعمل بعد عودته من تركيا التي جاء إليها بغرض العلاج.

وفي حديث للأناضول، قال إنه في شبابه كان يدرس الأدب الفرنسي في الجامعة إلا أنه اضطر لترك الدراسة في السنة الثالثة والعمل في مجال الكهرباء ولف المحركات بسبب الظروف المادية لعائلته في تلك الفترة. وأوضح أنه تعلم العزف على العود في سن مبكرة، ونجح في صنع عود لنفسه عام 2000 دون تلقي أي تدريب في هذا المجال، وتفرغ بعد ذلك لصناعة آلات العود وبيعها.

ولفت إلى أنه أصيب بمرض السرطان عام 2013 وجاء إلى تركيا لتلقي العلاج، وتماثل للشفاء عام 2015 لكنه لم يستطع العودة إلى مدينة الباب بسبب احتلالها من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي. وقال إنه لم يكن هناك سوى “الخوف والظلام” في مدينة الباب عندما كان هناك “داعش“. وذكر أنه قرر العودة من تركيا إلى الباب عام 2021، وأن محبته لآلة العود شجعته على العودة.

◙ للعود السوري أنغام خاصة تميزه عن غيره من آلات العود
◙ للعود السوري أنغام خاصة تميزه عن غيره من آلات العود

وأفاد أنه يعاني من نقص المواد اللازمة لصناعة العود في المنطقة لكن أصدقاءه يرسلون له المستلزمات كالخشب والطلاء والأوتار من تركيا. وذكر أنه باع آلات عود، قبل اندلاع الحرب في سوريا، إلى زبائن في الكويت والسعودية والولايات المتحدة وكندا وإسبانيا والمغرب. وأوضح أن صنع آلة عود يتطلب منه شهرا على الأقل ويتغير سعرها بحسب المواد المستخدمة، حيث تبدأ الأسعار من 250 دولارا وتصل إلى ألف.

وأشار حمزة إلى أنه يبيع آلات العود التي ينتجها في الورشة إلى السوق المحلية، ولا يصدرها بسبب الحرب. ولفت إلى تراجع الاهتمام بصناعة العود في العالم العربي، داعيا الحرفيين إلى تعليم المهنة ونقلها للأجيال الجديدة. وبيّن أنه يمارس عمله وحيدا، قائلا إن هذه الآلة “يجب أن تُصنع بروح ويد شخص واحد“. وشدد على أن صانع العود “ينبغي أن يكون فنانا أيضا وإلا فإن ما ينتجه سيكون عود نجار بلا روح“.

والعود لدى السوريين ليس مجرد آلة موسيقية، بل هو جزء لا يتجزأ من تاريخهم وحاضرهم، وسيبقى كذلك في مستقبلهم، فحكايته في بلادهم تعود إلى آلاف السنين. وتشتهر سوريا بصناعة آلة العود والعزف عليها، فهذه الصناعة واحدة من الحرف اليدوية التي تحتاج إلى مهارة كبيرة، كما أن للعود السوري أنغامًا خاصة تميزه عن غيره من آلات العود.

وللسوريين وفاء كبير للعود، فهو يتنقل معهم أينما ذهبوا، يعلّمون العزف عليه ويتعلمونه، حتى في ظروف اللجوء والاغتراب. وفي نوفمبر الماضي أدرجت منظمة اليونيسكو صناعة العود السوري والعزف عليه على قائمتها للتراث الإنساني وأعطت شرحًا عن صناعته ونغماته. وهناك نوعان من العود العربي والتركي، والفارق الرئيسي بين الاثنين هو أن العود العربي يكون أكبر حجما من نظيره التركي، وذلك يعطيه صوتًا أعمق مقارنةً بالتركي الذي يعد أكثر حدة وارتفاعا.

صنع آلة عود يتطلب شهرا على الأقل ويتغير سعرها بحسب المواد المستخدمة، فالأسعار تبدأ من250 دولارا لتصل إلى ألف دولار
◙ صنع آلة عود يتطلب شهرا على الأقل ويتغير سعرها بحسب المواد المستخدمة، فالأسعار تبدأ من250 دولارا لتصل إلى ألف دولار

وتواجه حرفة صناعة الأعواد والعزف عليها مخاطر متنوعة منها ارتفاع أسعار المواد الأولية، وضعف التصدير، وتراجع أعداد الصناع، كحال أغلب الحرف التقليدية والتراثية في البلاد. ويحكي أنطون طويل صانع أعواد موسيقية عن الصعوبات، حيث تراجع شراء واقتناء الأعواد في العقد الماضي، وبالتالي تراجع الإنتاج. يردف متحسِّراً: “كنا نصدّر سابقاً إلى دول أوروبية، لكن شحن الأعواد وتصديرها بات مكلفاً“.

يذكر الصناعي أنّ بعض الحرفيين تركوا المهنة، وهاجر آخرون وأسسوا ورشاتهم الخاصة في دول الجوار أو دول غربية، مثل كندا والنمسا. ويضيف أن هناك ورشات بقيت في دمشق وحلب ومحافظات أخرى، إلا أنّ عددها غير معروف على وجه الدقة“. ويستعين صناع العود بالآلات في تشكيل الخشب وتصغيره حتى يتمكنوا من التعامل معه يدوياً، ويقولون عن ذلك إنّ “للعود اليدوي رونقا خاصا، فهو مميز بصوته وشكله، حيث تشعر كأنّ الصانع والعود أصبحا قطعة واحدة“.

ويعلّق طويل أنّ إدراج صناعة الأعواد والعزف عليها على قائمة “اليونيسكو” كان يُفتَرض أن يحدث منذ زمن، “لأن العود حرفة يدوية تراثية لها وزنها في التخت الشرقي، والموسيقى الشرقية بشكل عام، حيث كان الملحنون العرب يبنون لحن الأغنية عليه”، مشيراً إلى أن الآلة كانت “ستّاتيّة” (خاصة بالنساء) في البداية، حيث انتشر العود في أوساط السيدات في الحفلات والمناسبات.

ويعد العود الدمشقي نتاج بيئة بلاد الشام التي تتميز بحضارتها العريقة وطبيعتها الخلابة، ليكون انعكاساً للوسطية التي تتميز بها تلك البيئة الحضارية والطبيعية، ويعتبره صناعه من أجود الأعواد دون منازع، أسهمت في تطويره عقلية الصناع في سوريا، حيث انتقلت طريقة إنتاجه من عمل فردي إلى العمل في الورش، اقتناه كبار الموسيقيين والفنانين العرب، ويعتبر أحد حوامل التراث اللامادي في بلاد الشام عموماً وفي سوريا خصوصاً، لكنه تأثر بتداعيات الحرب والعقوبات وخاصة هجرة الكفاءات، إلا أن الحاضنة الكبيرة لتلك الصناعة خففت من تلك التداعيات.

◙ حرفة الأصول

16