صاحب الأربعين إصابة

الأحد 2017/09/17

هو لاعب تنبأ له الجميع حينما كان في مقتبل العمر بمستقبل زاهر، بل وصل الأمر لدى البعض إلى درجة الحديث عن ميلاد أسطورة جديدة في عالم كرة القدم العالمية. قال عنه المدرب الألماني يورغن كلوب إنه لاعب استثنائي وفنان ساحر قادر بمفرده على قلب كل المعطيات في كل مباراة.

بيد أن لعنة الإصابات أصابت هذا اللاعب فشدّته إلى الخلف وأبقته في الخفاء، ففي كل مرة ينجح في التغلب على إصابة إلاّ وتعبث به الأقدار مجددا فتبعث له إصابة جديدة تكون أشد قسوة من سابقتها ليتحول هذا اللاعب إلى ما يشبه “المزهرية” متقنة الصنع لكنها قابلة للكسر بسهولة.

كل هذه المعطيات تتعلق بالنجم الألماني لنادي بوروسيا دورتموند ماركو رويس الذي تعاقد مع الإصابات منذ بروزه قبل عدة سنوات مع الفريق الألماني “الأصفر”، ففي كل مرة يتوقّع الجميع بأن يصعد إلى سلّم المجد ويكون من بين اللاعبين المميزين في العالم إلاّ وتعترضه الإصابات وتحيله إلى العيادات للتداوي، والأكثر من ذلك أنها حرمته من تحقيق أحلامه عندما كان في مقتبل العمر.

لكم أن تتصوروا أن لاعبا بلغ للتوّ سن الثامنة والعشرين تعرض لقرابة 40 إصابة خلال ثمانية مواسم فقط مع دورتموند، لكم أن تتخيلوا حجم المعاناة التي يعيشها رويس في كل مرة، ولكم أن تندهشوا أيضا من إصرار هذا اللاعب على العودة إلى الميادين في كل مرة أكثر إصرارا وقوة وعزما من ذي قبل.

إن التاريخ الحافل لهذا اللاعب فيما يتعلق بارتباطه الدائم مع الإصابات جعله من أكثر اللاعبين على مرّ التاريخ الذين تصدرت أخبار تعرضهم للإصابات العناوين الرئيسية أكثر من أخبار تتويجاتهم وتألّقهم، هذا ما حدث ويحدث إلى الآن مع رويس الذي يصاب بانتكاسة حادة كلما اعتقد أنه “طلّق” الإصابات دون رجعة.

صاحب الأربعين إصابة بدأت مسيرته بشكل مثالي منذ كان ينشط في أصناف الشباب مع بوروسيا، إذ لمع نجمه سريعا، فتمّ استدعاؤه للعب مع الفريق الأول ولم ينتظر كثيرا حتى أكد علوّ كعبه وموهبته الفذة، كان لاعبا فنانا ولديه لمسات سحرية، كان عكس بقية اللاعبين الألمان الذين يتميزون بالقوة البدنية والانضباط التكتيكي العالي، بل هو أشبه “بفراشة تحلّق عاليا بإبداع وسحر وحسّ مرهف”، كان يسجّل الأهداف الجميلة والممتعة، وغالبا ما يمتع كل مشاهديه بفنياته العالية ومهاراته الجيدة، لكن كيف السبيل إلى الوصول إلى المجد العالمي في حضرة الإصابات المتلاحقة والتي تعاقدت معه لأجل غير مسمّى.

على غرار عدد من اللاعبين الآخرين أطلق على رويس مسمّى “اللاعب الزجاجي”، ففي كل مرة يتمكّن من التعافي ويشارك في بعض المباريات إلاّ ويتعرّض إلى إصابة أشد خطورة تضطره للابتعاد عن الميادين لفترات طويلة.

لقد حرمته هذه اللعنة من المشاركة في بطولات قوية ومرموقة، ففي موسم 2013ـ 2014 قدم رويس مستوى رائعا في منافسات الدوري فاستدعاه مدرب المنتخب الألماني يواكيم لوف للمشاركة في تحضيرات “المانشافت” قبل التوجه إلى البرازيل، لكن من سوء حظه تعرض إلى إصابة لعينة أبعدته تماما عن الحسابات وجعلته يركن إلى الراحة لفترة طويلة.

بعد ذلك تماثل اللاعب للشفاء وشارك في عدة مباريات مع فريقه، وخلال موسم 2015ـ2016 لم يخاطر كثيرا وحاول قدر المستطاع مراوغة الإصابة حتى يكون جاهزا للمشاركة مع منتخب بلاده في بطولة أمم أوروبا التي أقيمت العام الماضي في فرنسا، لكن الإصابة ترصدته ولاحقته ثم أصابته قبيل الموعد الحاسم ليغيب بذلك عن البطولة.

لم يرم رويس المنديل ولم يستسلم، فقد ترك كل تلك الأوجاع المستمرة طويلا جانبا، وبدأ منذ الموسم الماضي في التخطيط للعودة من الباب الكبير، خاصة وأنه تمتع بكل سبل الراحة والعناية التي تضمن له عودة موفقة وناجحة للملاعب، وفعلا عاد “الساحر” ليمتع جماهير دورتموند بعطائه الغزير وأهدافه الجميلة، ففي إحدى مباريات الفريق الموسم الماضي سجل رويس أربعة أهداف كاملة وكان مستواه رائعا للغاية، نجا في أغلب منافسات ذلك الموسم من الإصابة، واعتقد أنه نجح في التغلب عليها هذه المرة، لكن هيهات..

ففي آخر مباريات الموسم الماضي خاض بوروسيا دورتموند نهائي كأس ألمانيا وكان من الطبيعي أن يكون ماركو رويس حاضرا في تلك المواجهة، خاصة وأنه كان يمنّي النفس بتحقيق لقب قد ينسيه تعب السنوات الطوال التي تعاقد خلالها مع الإصابات، غير أن هذا “الغول” الذي يخشاه دائما أطل عليه بوجهه المفزع الكئيب ليصيبه مرة أخرى ويبعده عن الملاعب لأكثر من ستة أشهر.

عاود رويس مرة أخرى عيادة الأطباء الذين باتوا يعرفونه جيدا ويعرفون مدى ارتباطه بالإصابات اللعينة والخطيرة.

قال بعض المقربين من اللاعب إنه فكّر في الاعتزال ووضع حد لهذه المعاناة واللعنة المستمرة، لكنه تراجع سريعا، بل وأظهر إصرارا قويا أكثر من ذي قبل على قهر الإصابات والعودة مجددا إلى الملاعب، فرويس ورغم أنه ربما “صنع من زجاج” إلاّ أن عزيمته القوية قدّت من فولاذ.

قال رويس الذي ينتظر أن يعود إلى الملاعب مقتبل العام المقبل، إنه سيكسر النحس هذه المرة، وسيشارك في مونديال روسيا، فحلم الطفولة لم يتحقق بعد، ومهما عاندته الإصابات فإنه سيذهب إلى روسيا حتى وإن كان على نقالة.

كاتب صحافي تونسي

24