شوارع الصويرة المغربية ترقص على إيقاعات كناوة

يتابع المغاربة والسياح على مدى ثلاثة أيام متتالية فعاليات مهرجان كناوة الذي تحييه فرق فلكلورية بأنغامها التي تشبه موسيقى الجاز والبلوز في شوارع مدينة الصويرة، التي اعتادات إحياءه منذ العشرات من السنين.
الصويرة (المغرب) - جابت فرق فلكلورية شوارع وأزقة مدينة الصويرة بجنوب المغرب مساء الخميس، إيذانا ببدء الدورة الرابعة والعشرين لمهرجان “كناوة” الذي يستمر حتى اليوم السبت.
وعلى اختلاف ألوان ملابسها التراثية وإيقاعات طبولها المدوية، انطلقت فرق فلكلورية تمثل فن كناوة وفنون تراثية أخرى كفن “عيساوة” وغيرهما من الفنون، من وسط البلدة العتيقة في الصويرة إلى وسط المدينة، وسط تصفيق وإعجاب سكان المدينة وزوارها الذين يتوافدون عليها بكثرة في هذه الفترة من السنة.
وبمشاركة موسيقيين قدموا من مختلف دول العالم، وبرمجة أربعين حفلا موسيقيا بتسعة فضاءات بمدينة الصويرة، تعد هذه الدورة باحتفال شعبي يحتفي بقيم التقاسم والفرح التي تميز هذا الموعد الفني.
وشهد حفل الافتتاح حضورا رسميا كبيرا تمثل في آندري أزولاي الرئيس المؤسس لجمعية “الصويرة موكادور”، ووزير الشباب والثقافة محمد المهدي بنسعيد، ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، وسلطات المدينة ومديرة المهرجان نائلة التازي.
وشددت التازي في كلمتها خلال افتتاح الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان على أنه “يعود بقوة ليكرس القيم الإنسانية التي ميزته دائما والمتمثلة في قيم التضامن والتعايش والإخاء”.
وكان المنظمون ارتأوا العام الماضي اعتماد صيغة “مهرجان متنقل” للمرة الأولى في تاريخ هذا الحدث، وكانت له محطات عدة بعد الصويرة هي مراكش والدار البيضاء والرباط.
وأشارت التازي إلى أن المهرجان “يعود هذه السنة (…) ليسحر الجمهور ويأخذه في رحلة الماضي والحاضر والمستقبل الواعد على نغمات السلام”.

وأعربت عن شكرها لسكان الصويرة التي تستضيف المهرجان منذ سنة 1998، بشغف ورحابة صدر وسمو أخلاق وكرم ضيافة.
وشهد اليوم الأول من المهرجان تنظيم حفل رئيسي بمنصة “مولاي الحسن” وسط المدينة، علت فيها لغة الموسيقى والإيقاعات على كل اللغات، حيث نجح “المعلمان” أو شيخا الفن الكناوي محمد وسعيد كويو في مزج إيقاعات ونغمات كناوة المتمردة مع طبول “أمكابا” من بورندي، وعازف السكسفون الأميركي جليل شاو مع الصوت الرخيم للفنانة المغربية سناء مرحتي، في فسيفساء جميل أكد مرة أخرى أن الموسيقى لغة مستقلة قائمة بذاتها.
وتفاعل الجمهور بفرح وانتشاء مع العرض الموسيقي الذي اختلطت فيه نغمات “القنبري”، وهي آلة موسيقية تراثية مغربية وترية تستعمل خاصة في موسيقى كناوة، مع “قراقب” كناوة، وهي آلة إيقاعية صاخبة تحرك بالأصابع، بإيقاعات الجاز.
ونجحت هذه التظاهرة الفنية المجانية على مرّ السنين في إبراز الفن الكناوي القديم وجعله معروفا من خلال الربط بينه وبين أنواع موسيقية أخرى كالجاز والبلوز، ومن خلال استقطاب شباب المدن.
وتحولت أنظار الموسيقيين والمهتمين إلى فن موسيقى كناوة التراثية، التي لها في الأصل ارتباطات روحية وعقائدية في بعض الأوساط المغربية التقليدية.
وأدرجت اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية عام 2019 موسيقى كناوة الصوفية، التي أدخلها إلى المغرب عبيد من أفريقيا جنوب الصحراء وحافظ عليها المتحدرون منهم.

ويرجع الباحثون أن هذه التلوينات الموسيقية أصلها من أفريقيا ولها ارتباطات بتجارة العبيد في القرون الماضية، حيث نقل هؤلاء الأفارقة موسيقاهم التي تتغنى بآلامهم وآمالهم في الانعتاق والحرية إلى بلدان شمال أفريقيا، التي شكلت مرافئ للتوجه نحو بلدان أوروبية وأميركا الشمالية بعد اكتشافها.
ومن أبرز محطات برنامج هذه الدورة حفلات لعازف الغيتار الكوبي في فرقة “بوينا فيستا سوشل كلوب” الشهيرة إيليادس أوشوا، والمغني الباكستاني فايز علي فايز وعازفة الريغي البلجيكية سيلا سو.
ويشمل البرنامج أيضا حفلات لمعلمين كناويين، من بينهم عبدالسلام عليكان مع عازف الجاز الألماني تورستن دي فينكل.
ويستمر المهرجان الذي توقف عامين بسبب جائحة كورونا حتى اليوم السبت.
وبالموازاة مع الحفلات والأنشطة الفنية، يعد المهرجان أيضا فرصة للتداول والحوار المنظم في إطار المنتدى الفكري الذي يعقد بالموازاة مع الحدث، والذي ستتمحور تيمته الأساسية هذه السنة حول “الهويات المتعددة وسؤال الانتماء”، من خلال نقاشات سيشارك فيها فنانون ومفكرون من مختلف الآفاق والبلدان.
ويتضمن برنامج المهرجان هذه السنة كذلك تنظيم ورشات موسيقية لفائدة الشباب والكبار بهدف مواكبتهم للاطلاع على التراث الكناوي المتميز، واكتشاف وتعلم موسيقاه والعوالم المرتبطة به من تاريخ وأدوات وإيقاعات، إضافة إلى تنظيم معرض “صحوة الذاكرة”، واللقاء مع فنانين من خلال فضاء اللقاء والنقاش “شجرة الكلام”.
وتأسس المهرجان في العام 1998، ويعد واحدا من أهم المهرجانات الموسيقية المغربية، إلى جانب مهرجان موازين إيقاعات العالم ومهرجان فاس للموسيقى الروحية.