شهادة جيمي أوليفر بتونس وأهلها

لربع قرن تقريبا وأنا أكرر على مسامع أصدقائي التونسيين أن المطبخ التونسي مميز كما هم أهله، وأن الأطباق التونسية هي الأفضل على المستوى العربي وشمال أفريقيا، هذا إن لم تكن الأفضل عالميا.
مع الأسف ضاعت جهودي سدى. هناك من كان لبقا واكتفى بالقول إني مبالغ، وآخرون قالوا إنني مجال. ولم يكن بينهم وبين وصف مديحي للأطباق التونسية بالنفاق سوى بضع همهمات غير مفهومة.
بعد هذه المدة الطويلة التي أمضيتها في تونس متنقلا بين مطاعمها، الشعبية والمتوسطة والراقية، لم تتغير قناعاتي بل ترسخت. وأستطيع أن أجزم بأنني اليوم خبير بالأطباق التونسية وتوزيعها الجغرافي والاجتماعي والثقافي.
ورغم قلة اهتمامي بالحلويات لأسباب قد تكون صحية أكثر مما هي متعلقة بالذائقة، أستطيع الادعاء، وهذا سيغضب أصدقائي في سوريا ولبنان، أن الحلويات التونسية تجاوزت حلويات المشارقة بباع طويل. ولنا بكعك الورقة بالنسري وعصيدة الزقوقو خير مثال ودليل.
الحديث عن المطبخ التونسي لا تكفي للإحاطة به زاوية في صحيفة، بل يحتاج إلى من يقدمه ويشرحه بكتب ومجلدات. فلكل طبق قصة ولكل شراب حكاية.
ولكن، أجدني مضطرا إلى الحديث عن المطبخ التونسي بعد أن تلقيت من صديقي اللدود حكيم مرزوقي، وهو خبير ليس فقط بالطعام التونسي والسوري، حيث أمضى معظم سنين حياته في دمشق، ولكن أستطيع الادعاء نيابة عنه بأنه خبير بالمطبخ العالمي. تلقيت من حكيم مقطع فيديو وقع تحت عينيه صدفة، يتحدث فيه الطاهي الشهير جيمي أوليفر عن المطبخ التونسي وعن أهل تونس.
شعرت أن حكيم الذي طالما أخفى ابتسامة ماكرة على طرف فمه، يريد أن يعتذر مني نيابة عن كل التونسيين، فشهادتي التي كانت بالنسبة لهم مجروحة، أتى من لا يأتيه الباطل، وأدلى بشهادته حولها.
من هو جيمي أوليفر، وماذا قال عن تونس وعن أهلها؟
نكتفي بالقول إن برامج الطبخ التي يقدمها على التلفزيون من أشهر برامج الطبخ بالعالم، وأنه استطاع أن يغير عادات الأكل لجيل كامل من الشباب، ويتابعه اليوم أكثر من 7 ملايين على فيسبوك، و9 ملايين آخرين على منصة إنستغرام، وتنتشر مطاعمه عبر دول العالم.
فماذا قال هذا الأسطورة الذي زار تونس العام الماضي حيث صور حلقات برنامج من ساعتين عن تونس وعن المطبخ التونسي، وألحق ذلك بكتاب.
يقول جيمي “إذا كنت من عشاق المطبخ الإيطالي (ومن ليس كذلك) يجب أن تعرف أن تأثيرات هذا المطبخ مستلهمة من التونسيين، ثاني أكبر شعب مستهلك للباستا (المعكرونة) بتنوعاتها”. وهذا يعود كما يقول إلى التنوع الثقافي العربي والأمازيغي والفرنسي والإيطالي في تونس.
وأنا أضيف إلى ما قاله جيمي، التأثير الأندلسي، الذي غاب عنه.
“تونس خطفت قلبي”، بهذه العبارة التي سيحملها فيما بعد كتابه عن تونس، ختم جيمي أوليفر حديثه.
شكرا لجيمي الذي سلط الضوء على تونس وأهلها. وشكرا لحكيم الذي أراد أن يعتذر، فاختار أن يعتذر على طريقة التونسيين دون أن يقول كلمة آسف.