شهادات ضرورية

الدكتور ناجي صبري الحديثي وزير الخارجية العراقي الأسبق حالة دبلوماسية نادرة. المقابلة التي أجراها مع قناة الجزيرة تكشف أوجها مختلفة من هذه الحالة. كنت شاهدا على بعض مما حدث في تلك الأشهر الصعبة من عامي 2002 و2003.
كان د. ناجي يتفاوض مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في فيينا. كان صيفا حارا. بكرمه وبحكم معرفته بالمدينة، حيث كان سفيرا، أعطانا بعضا من وقته بعد لقاء مع أنان كان محبطا للجميع.
حمل الوفد العراقي الكثير من الوثائق. تعامل العراقيون باحتراف مع ملف نزع السلاح. كانت ملاحظتي الأولى التي رددتها كثيرا أن الموضوع ليس تقنيا ولا يحل باستمرار معالجة بنود العلاقة مع المفتشين. المشكلة بين العراق والغرب، والولايات المتحدة تحديدا، سياسية. وليس من طريق إلى معالجة أزمة سياسية بإجابات تقنية.
رد د. ناجي بأنهم "لا يريدون الحديث معنا. نريد أن نثبت للعالم أننا على حق. وليس من سبيل الآن إلا مخاطبة الأمم المتحدة من هذه الزاوية".
قلت له حينها "معركة خاسرة. الأمر انتهى منذ أشهر".
رد بشجاعة الواثق "ماذا تريد أن نفعل. نستسلم؟".
خيار الاستسلام لم يكن واردا. تستسلم لمن وعلى أيّ أساس.
كانت الحرب قريبة على الأبواب، وأخذ جورج بوش العالم إلى أزمة من الصعب الخروج منها.
ما بدأ حربا على الإرهاب صار حروبا عالمية مصغرة وأكبر.
رسم د. ناجي صورة مؤلمة لتلك الأيام العصيبة من تاريخ بلده. ليس من السهل أن ترى بناء ينهار. الخسارة الشخصية تحدث بحوادث وأزمات. لكن نكبات الشعوب لا نعرف كيف تتم مداواتها.
ردود الفعل على كلمات د. ناجي كانت مؤثرة.
بعد سنوات حين التقينا بالصدفة في دمشق، استعدنا تلك الأوقات الصعبة من تاريخ البلد، ووجدت د. ناجي كما عرفته متماسكا وموضوعيا ولم تضع بوصلته كما يقول المثل.
النسخة الأولى من تاريخ تلك المرحلة تم تسجيلها الآن. شهادة د. ناجي صبري الحديثي مهمة وردود الفعل لا تقل أهمية. ربما من الضروري على معاصري تلك المرحلة أن يتأكدوا من تسجيل شهاداتهم كما فعل.