شهادات حية متنوعة تشرح آليات الصراع في "حروب للجزائر"

المسلسل الوثائقي يكشف شهادات حية وخفايا الحرب مع اختلاف "الدوافع" التي يراها الناس للصراع و"المفاهيم المختلفة" للجزائر.
الاثنين 2022/02/28
الذاكرة تخفي حكايات منسية عن الحرب

باريس- رغم مرور سبعة وستين عاما على حرب التحرير الجزائرية، إلا أنها لا تزال سببا رئيسيا في توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا، وهي أيضا سبب يدفع كلا البلدين إلى البحث في الأرشيف التاريخي والعسكري في محاولة لمصالحة ذاكرة الشعبين مع الماضي الأليم.

وحرب التحرير كما يلقبها الجزائريون هي الحرب التي خاضتها الدولة الفرنسية بين عامي 1954 و1962 في مواجهة “جبهة التحرير الوطني الجزائرية”، وانتهت بإعلان استقلال الجزائر بعد أن سقط فيها أكثر من مليون ونصف مليون قتيل، وذلك ما أعطى البلاد لقب بلد المليون ونصف المليون شهيد في العالم العربي.

وفي آخر خطوات مصالحة الذاكرة، من المقرر أن تعرض وسائل إعلام فرنسية في مطلع مارس المقبل مسلسلا وثائقيا يكشف شهادات حية وخفايا الحرب التي لا تزال نقطة سوداء في تاريخ البلدين.

رافاييل برانش: أردنا أن نروي الحرب من وجهات نظر عدة لإظهار التعدد في تجارب عيشها

ويقوم المسلسل الوثائقي “حروب للجزائر” الذي يتناول الصراع الاستعماري بين فرنسا والجزائر، على بحث غير مسبوق يتعلق بالذاكرة، إذ يتضمن أكثر من ستين شهادة من جانبَي البحر الأبيض المتوسط.

فبدعم من المعهد الوطني للمرئي والمسموع (إينا) في فرنسا، صوّر المخرج رافاييل ليفاندوفسكي والمؤرخة رافاييل برانش 66 شاهداً من آفاق مختلفة جداً في فرنسا والجزائر، في مقابلات تبلغ مدة كل منها نحو ساعتين.

وبلغت المحصلة بعد ثلاث سنوات من العمل 180 ساعة من المقابلات تُعرض كاملة بحرفيتها على الإنترنت اعتباراً من الثلاثاء على موقع “إينا”، ثم على المنصة التعليمية العامة “لومني” في العاشر من مارس.

وتشكل هذه الشهادات العنصر الرئيسي في المسلسل الوثائقي “حروب للجزائر” الذي أنتج بالاشتراك مع قناة آرتي الفرنسية – الألمانية، وتُعرض حلقاته الست التي تبلغ مدتها 52 دقيقة مساء الأول والثاني من مارس المقبل.

ويعرض المسلسل كل وجهات النظر، من المدنيين الجزائريين، أو فرنسيي الجزائر، أو المجندين والعسكريين المحترفين الفرنسيين الذين خدموا فيها، أو النشطاء من أجل الاستقلال في صفوف جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية الجزائرية، أو مقاتلي جيش التحرير الوطني، أو مثقفين وطلاب، أو موظفي الإدارة الفرنسية في الجزائر وأعضاء منظمة الجيش السري المعارضة للاستقلال، أو الحركيين (المنضوين كمدنيين لمساعدة الجيش الفرنسي) و”حملة الحقائب” الفرنسيين الداعمين لاستقلال الجزائر.

وواجه أبناء الحركيين الذين قاتل آباؤهم إلى جانب فرنسا إبان استعمار الجزائر (1830 – 1962) طوال عقود التخوين، ويجدون مصاعب جمة في طريقهم إلى تجاوز ماضي أجدادهم، نتيجة محرمات وأفكار وأحكام مسبقة عنهم. ويرغب أغلبهم في معرفة المزيد عن ماضي آبائهم وأجدادهم، لكنهم يواجهون تلقائيا الصمت الممنهج، ما تسبّب في إصابة العديد منهم بصدمات عاطفية عنيفة.

ويشرح المسلسل الوثائقي “حروب للجزائر” آليات الصراع بين عامي 1954 و1962، بواسطة تعليق صوتي للممثلة الجزائرية – الفرنسية لينا خضري يربط بين هذه الشهادات التي ترافقها صور ومشاهد أرشيفية.

☚ "حروب للجزائر" يتناول الصراع الاستعماري بين فرنسا والجزائر، إذ يتضمن شهادات من جانبَي البحر الأبيض المتوسط

وقالت رافاييل برانش “أردنا أن نروي الحرب من وجهات نظر عدة لإظهار التعدد في تجارب” عيشها.

ولاحظت أن “الحرب لم تبدأ بالضبط عام 1954 في نظر الناس في ذلك الوقت. فالبعض بدأت الحرب بالنسبة إليهم مع وصول الفرنسيين إلى الجزائر، وبالنسبة إلى الآخرين بدأت عام 1960”.

وأضافت أن الأشخاص الذين عايشوا هذه الحقبة التاريخية يجدون أحيانا صعوبة في فهم بعضهم بعضاً لأن تصوراتهم تختلف باختلاف ما إذا كانوا في وهران أو أوزيس أو ستراسبورغ.

من هنا اختير عنوان المسلسل بصيغة الجمع، تعبيراً عن هذا التعدد، ولإظهار اختلاف “الدوافع” التي يراها الناس للصراع و”المفاهيم المختلفة” للجزائر، على حدّ قول المؤرخة.

وعلى النحو نفسه، تبرز داخل المعسكرين الرئيسيين المتعارضين فروق دقيقة في الالتزام، سواء بين المجندين الشباب الذين جاؤوا للدفاع عن فرنسا في الجزائر وأنصار منظمة الجيش السري المستعدين لارتكاب اعتداء أو الشقاق بين الوطنيين الجزائريين حول رؤيتهم للجزائر المستقلة.

وقال المخرج رافاييل ليفاندوفسكي إن المفارقة في نهاية المطاف في نزاع بهذه الدرجة من العنف تتمثل في أن الجميع أكدوا أنهم يقاتلون من أجل الأرض نفسها.

وأضاف “هذا أكثر ما فاجأني مقارنة بالنزاعات الأخرى التي عملت عليها”.

وأكد المخرج أنه حرص على توفير “البيئة نفسها” خلال تصوير جميع من أدلوا بشهادات في المسلسل، من خلال اعتماد قواعد تصوير متطابقة، سواء أكانوا “في باريس أو الجزائر العاصمة أو في أعماق الجزائر”.

وحفل هذا العمل الضخم الذي عقدته قيود السفر المرتبطة بجائحة كورونا بمشاعر التأثر لدى كثر ممن أدلوا بشهاداتهم، وبينهم عدد كبير من كبار السن.

وقالت برانش “لربما كان في إمكان بعض الشهود أن يتحدثوا من قبل، والبعض الآخر لم يكن ليستطيع، أما البعض الآخر فتحدثوا لأنها ربما الفرصة الأخيرة التي قد تتاح لهم لذلك، مما زاد من درجة القوة العاطفية لبعض الشهادات”.

7