شفاء طفل من ورم دماغي نادر يثير آمالا كبيرة لدى الباحثين الفرنسيين

متحور نادر جدا يمكن الخلايا السرطانية من أن تصبح أكثر تأثرا بالدواء.
الأربعاء 2024/02/14
تقدم كبير في بحوث سرطان الأطفال

تماثل طفل يبلغ من العمر 13 عاما للشفاء من سرطان الدماغ، وهي حالة نادرة تفسح المجال أمام علاجات جديدة لأخطر أشكال أورام الدماغ لدى الأطفال. واكتشف الأطباء أن هناك خصائص بيولوجية للأورام تفسّر استجابة عدد من المرضى للعلاج بشكل أفضل من استجابة المرضى الآخرين الذين يخضعون للعلاج نفسه. وأشاروا إلى أن ورم الطفل كان متحورا نادرا جعل خلاياه السرطانية أكثر تأثرا بالدواء.

باريس - يعد الورم الدبقي الذي يصيب جذع الدماغ نادراً لكنّه قاتل، وأحد أخطر أشكال سرطان الدماغ لدى الأطفال، لكنّ حالة فريدة عالمياً لشفاء طفل منه باتت تثير آمالًا كبيرة في الأوساط البحثية الفرنسية.

فرغم التقدم الذي تحقق في علاج عدد من أنواع سرطان الأطفال الذي يحلّ يومه العالمي الخميس، يشكّل الورم الدبقي الدماغي الذي يصيب ما بين 50 و100 طفل ومراهق كل سنة في فرنسا تحدياً للطب.

ومع أن معدل البقاء على قيد الحياة خمس سنوات في حالات سرطان الأطفال بات يصل إلى 85 في المئة، فإن معالجة بعض هذه الحالات صعب، ومنها الورم الدبقي الجذعي الداخلي المنتشر.

ولا يمكن استئصال هذا الورم بعملية جراحية، وبالتالي يلجأ الأطباء عادةً إلى العلاج الإشعاعي الذي يساعد أحياناً في إبطاء المرض، لكنّ تأثيره يكون مؤقتاً. ولم يثبت أي دواء فاعليته إلى اليوم.

ويكون نموّ هذا الورم سريعا جدا بالفعل، ويؤدي عموما إلى وفاة المريض خلال فترة تتراوح ما بين تسعة واثنى عشر شهرا بعد اكتشافه.

إلاّ أن الطفل البلجيكي لوكا البالغ راهنا 13 عاما، تحدى كل التوقعات، إذ اكتُشِفَت إصابته بهذا المرض غير القابل مبدئياً للشفاء عندما كان في السادسة، ولكن بات يُعتبَر أنه شُفِيَ، إذ لم تعد علامات الورم تظهر في دماغه.

وقال طبيبه جاك غريل الذي يتولى إدارة برنامج أورام الدماغ في قسم سرطان الأطفال في مركز غوستاف روسي لمكافحة السرطان جنوب باريس في حديث لوكالة فرانس برس “لقد فجّر لوكا كل عدادات الحياة”.

الورم الدبقي الدماغي الذي يصيب ما بين 50 و100 طفل ومراهق كل سنة في فرنسا يشكل تحديا للطب

وروى طبيب الأطفال بتأثُّر أنه أبلغَ إلى والدَي لوكا قبل سبع سنوات بأن ابنهما سيموت.

يومها، انتقلت عائلته إلى فرنسا لتمكينه من تلقّي العلاج، وكان الطفل الصغير من أوائل المرضى الذين انضموا إلى تجربة سريرية لاختبار دواء جديد هو علاج استهدافي.

منذ البداية، تجاوبَ لوكا مع العلاج بشكل جيد جداً. وبيّنت نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي مرة بعد مرة للدكتور غريل أن “الورم اختفى تماماً”. ومع ذلك، لم يجرؤ، رغم هذه النتائج المعجزة، على اتخاذ قرار بإيقاف الدواء، إلى أن أدرك قبل عام ونصف عام أن الطفل نفسه توقف عن تناوله.

وأضاف الطبيب الذي بدأ فريقه بإجراء البحوث في شأن هذا السرطان قبل نحو 15 عاماً “ليس علمي أن ثمة حالة كهذه في العالم”.

ويركّز الباحثون حالياً على معرفة سبب تعافي لوكا، وكيفية تحويل حالته الطبية إلى مصدر أمل لمئات الصغار في المستقبل.

وما زال نحو عشرة أطفال آخرين شملتهم التجربة السريرية على قيد الحياة بعد سنوات من اكتشاف إصابتهم، وتجاوز متوسط عمرهم المتوقع العمر الذي تورده الإحصاءات، لكنّ أورامهم لم تختف كلياً.

ورأى الدكتور غريل أن زيادة متوسط العمر المتوقع تعود إلى “خصائص بيولوجية لأورامهم”، تفسّر استجابتهم بشكل أفضل من المرضى الآخرين الذين يخضعون للعلاج إياه.

ولاحظ طبيب الأطفال، وهو أيضا باحث في المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية، أن “ورم لوكا كان متحورا نادرا جدا”. وأضاف “نعتقد أن هذا المتحور هو الذي جعل خلاياه السرطانية أكثر تأثرا بالدواء”.

الباحثون يركّزون حالياً على معرفة سبب تعافي لوكا، وكيفية تحويل حالته الطبية إلى مصدر أمل لمئات الصغار في المستقبل

وفي تجربة قيد التنفيذ تجريها شركة “بيوميد” للأدوية وتقارن الدواء الذي تلقاه لوكا بعقار جديد واعد، لا يكتفي باحثو مركز غوستاف روسي بدرس التشوهات الجينية لأورام جميع المرضى، بل يصنّعون أيضا عضويات أورام (وهي نسخ ثلاثية الأبعاد من أورام المرضى تُعدّ في المختبر)، لفهم تركيبتها البيولوجية وكيفية تأثرها بالأدوية.

وقالت الأستاذة والباحثة المشرفة على هذا العمل ماري آن ديبيلي لوكالة فرانس برس “إن حالة لوكا تفتح أملا حقيقيا، وسنحاول مخبريا إعادة إنتاج التغيّرات التي رصدناها في خلاياه”.

عمليا، تسعى الفرق الطبية إلى أن تكتشف ما إذا كانت تغيّرات الحمض النووي التي ظهرت لدى لوكا، تؤدي أيضا إلى تقلّص أورام مرضى آخرين بمجرد “إعادة إنتاجها” لديهم.

وإذا تبيّن أن الأمر كذلك، ستكون “الخطوة التالية إيجاد الدواء الذي يُحدِث تأثير هذه التغيّرات الخلوية نفسه على الخلايا السرطانية”، بحسب ماري آن ديبيلي.

إلا أن الأطباء المتحمسين لهذا “المسار العلاجي” الجديد، ينبّهون إلى أن الأمر سيستغرق سنوات قبل التوصل إلى ما يمكن أن يكون دواء شافيا.

وأوضح جاك غريل أن “الأمر يستغرق في المتوسط ما بين 10 و15 عاما (…) وهو تاليا عمل طويل الأمد”.

ويظهر ورم جذع الدماغ الدبقي أو الورم الدبقي الجذعي الدماغي في منطقة جذع الدماغ، وتقع هذه المنطقة في الجزء السفلي الخلفي من الرقبة، وهي المسؤولة عن عدد من الوظائف الحيوية مثل البلع، والرؤية، والتوازن والقوة لذلك تعد الإصابة بأورام في هذه المنطقة مسألة خطيرة ويواجه الطبيب تحديات لعلاجه، ولكن هذا لا يمنع التعافي والشفاء.

ويظهر الورم الدبقي الجذعي الدماغي لدى الأطفال ما بين عمر 5 و10 سنوات ، وهو من أكثر الأورام شيوعا لدى الأطفال، وقد يكون الورم حميدا أو خبيثا، كما أن علاجه يعتمد على عدة عوامل مثل نوع الورم، وحجمه، والمدة الزمنية منذ بدء ظهور الأعراض، وهل الورم ظهر لأول مرة أم عاد من جديد؟

تُعتبر أنواع معينة من أورام الدماغ، مثل الورم الأرومي النخاعي أو الورم البطاني العصبي، أكثر شيوعا في الأطفال

وتعد أورام الدماغ عند الأطفال عبارة عن كتل أو عمليات نمو لخلايا غير طبيعية تحدث في دماغ الطفل أو الأنسجة والبنى القريبة منه. ويوجد العديد من أنواع أورام الدماغ لدى الأطفال، بعضها أورام غير سرطانية (حميدة) وبعضها سرطانية (خبيثة).

ويعتمد العلاج وفرصة التعافي (توقعات سير المرض) على نوع الورم ومكانه في الدماغ ودرجة انتشاره وعمر الطفل وحالته الصحية العامة. ونظرا إلى التطور المستمر للتقنيات والعلاجات الجديدة، يمكن إتاحة العديد من الخيارات في مراحل مختلفة من العلاج.

وتختلف معالجة أورام الدماغ عند الأطفال إلى حد ما عن معالجة أورام الدماغ عند البالغين، لذا من المهم جدًا الاستعانة بخبرات أخصائيي الأطفال في طب الأعصاب والسرطان.

وتتنوع علامات وأعراض ورم الدماغ عند الأطفال تنوعا كبيرا، وتعتمد على حجم ورم الدماغ وموقعه ومعدل نموه. وبعض العلامات والأعراض لا يمكن اكتشافها بسهولة، وذلك لأنها تشبه أعراض حالات أخرى.

تتضمن بعض الأعراض الأكثر شيوعا لورم الدماغ عند الأطفال:

  • نوبات صداع قد تصبح تدريجيا أشد وأكثر تكرارا
  • إحساس بضغط متزايد في الرأس
  • القيء أو الغثيان غير المبرر
  • بدء مفاجئ لمشاكل بصرية، كالرؤية المزدوجة
Thumbnail

وتتضمن بعض العلامات والأعراض الممكنة الأخرى، تبعا لموقع الورم:

  • بقعة رخوة (يافوخ) أكبر في جمجمة الرضع
  • نوبات، خاصة عند عدم وجود تاريخ للإصابة بنوبات
  • حركة غير طبيعية بالعين
  • الكلام المتداخل
  • مشاكل في البلع
  • فقد الشهية، أو صعوبة الرضاعة عند الرضع
  • صعوبة في الاتزان
  • صعوبة في المشي
  • ضعف الإحساس في الذراع أو الساق أو انعدامه
  • الضعف أو التدلي في جانب واحد من الوجه
  • التشوش، والتهيج
  • مشاكل الذاكرة
  • تغيُّرات في الشخصية أو السلوك
  • مشاكل في السمع

وفي معظم الحالات، يكون سبب ورم الدماغ لدى الأطفال غير معلوم.

وتعد أورام الدماغ لدى الأطفال عادةً من أورام الدماغ الأولية، وهي أورام تبدأ في الدماغ أو في الأنسجة القريبة منه. وتنشأ أورام الدماغ الأولية عندما تحتوي الخلايا العادية على أخطاء (طفرات) في حمضها النووي. تسمح هذه الطفرات للخلايا بالنمو والانقسام بمعدلات مرتفعة والاستمرار في العيش في حين تموت الخلايا السليمة. وينتج عن ذلك وجود كتلة من الخلايا غير الطبيعية، التي تشكل ورما.

ويمكن لأنواع عديدة مختلفة من أورام الدماغ أن تحدث لدى الأطفال، والتي قد تكون أو لا تكون سرطانية.

ويكون سبب الإصابة بالورم غير واضح في معظم الأطفال المصابين بأورام الدماغ الأولية. ولكن تُعتبر أنواع معينة من أورام الدماغ، مثل الورم الأرومي النخاعي أو الورم البطاني العصبي، أكثر شيوعا في الأطفال. قد يزيد التاريخ العائلي من الإصابة بأورام الدماغ أو التاريخ العائلي من الإصابة بالمتلازمات الوراثية من خطر الإصابة بأورام الدماغ في بعض الأطفال، على الرغم من عدم شيوع ذلك.

16