شغف المجتمعات الخليجية بالموضة يقود الشباب إلى عالم التصميم

صناعة الأزياء في الخليج باتت تمثل قطاعا متطورا وواعدا ويحظى بمنافسة قوية بين المصممين الشباب الموهوبين ويضعهم أمام تحديات الوصول إلى جمهور واسع اعتاد متابعة أحدث تصاميم الموضة العالمية.
دبي - عاما بعد عام ترتفع حمى المنافسة لدى شركات الأزياء على نيل ود منطقة الخليج العربي، فعندما طرحت دار “دولتشي آند غابانا” مجموعة عباءات أثارت كثيراً من الجدل بين من رأى أن الدار تلعب على وتر شغف المجتمع بالعلامات التجارية العالمية وبين معجَب بكون العباءة أخذت حقها من الاهتمام، لكن هذا الاهتمام فتح عيون الشباب العرب على مجال لطالما استحوذ على إعجابهم عن بعد.
وأصبح مصممو الأزياء الشباب أكثر حظاً ممن سبقهم في تجارب صناعة الأزياء نظراً لانفتاح دول الخليج على المجتمعات الأخرى وقبول المرأة الخليجية أحدث خطوط تصاميم الموضة.
وشكلت تصاميم العباءة أبرز سمات التوافق التي تتلاقى فيها ثقافة وعادات وتقاليد شعوب الخليج العربي في صناعة الأزياء التي تحظى برواج في الأسواق الخليجية بالإضافة إلى لفت انتباه المجتمع إلى أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية في الزيّ التقليدي والتعريف به بوصفه إبداعاً تراثياً يعكس الحس الفني والجمالي الذي يميز نساء المنطقة.
وفي الإمارات باتت أسابيع الموضة تقليدا رائجا يكشف عن أسماء العديد من المصمّمين الشباب في المنطقة، حيث نجح عدد كبير منهم في احتلال رأس قائمة الأفضل ممن يبدعون في تجديد تصاميم الملابس.
مصممو الأزياء الشباب أكثر حظاً ممن سبقهم في الصناعة نظرا لانفتاح دول الخليج على المجتمعات الأخرى وقبول المرأة الخليجية أحدث خطوط تصاميم الموضة
ويعتبر البعض ممن اتجهوا إلى هذه المهنة أن مجال تصميم الأزياء حالة خاصة جدا في الخليج، فالصعوبات متوقعة وضرورية لتأسيس بنية تحتية داعمة للمشاريع من ناحية التصنيع والتوزيع وأيضا الاستثمار المالي بشكل أهم. ويعتبر مجال تصميم الأزياء حديثا في المنطقة، لكن له تأثير واضح ومهم على تطور وتقدم المجالات الإبداعية التجارية بصورة عامة وتصميم الأزياء بصورة خاصة.
وتعكس أنشطة وفعاليات برنامج “عضوية مجلس دبي للتصميم والأزياء” المعني بتعزيز البنية التحتية لقطاع التصميم، جهود وتطلعات وسعي المجلس لاكتشاف مواهب المصممين الناشئين والشباب في المنطقة، وتطوير وصقل قدراتهم، ويتضمن معرضا خاصا بالمصممين الشباب، يضم تصميم الأزياء والمجوهرات والإكسسوارات.
وبوصفها الوجهة الأولى للمبدعين والمصممين في المنطقة، تمتاز دبي بصناعة أزياء نشطة تشهد باستمرار وصول مبدعين شباب يطمحون إلى الشهرة العالمية، ويزداد عددهم كل مرة بعد انتهاء معرض الأزياء في حي دبي للتصميم. وتستعرض هذه الفعالية تنوّع المواهب ومساعدة الناس على اكتشاف منتجات جديدة وملفتة للأنظار.
ولا تقتصر أهمية هذا الحدث فقط على الاحتفاء بصالات العرض المحلية وحسب، بل تقديم طرق جديدة لتجربة أفضل الملابس الفاخرة والعصرية المصنوعة محلياً في المدينة، وبرزت أسماء لامعة من المصممين الشباب في السنوات الأخيرة، فقد انتقلت مصممة الأزياء السعودية أروى البنوي إلى دبي وأطلقت علامتها التجارية في العام 2015. وتتميز مجموعاتها بالأناقة والأنوثة وتشتهر بتصميم سترات جميلة ومريحة. وغالباً ما تظهر تصاميمها في حملات أبرز العلامات التجارية مثل “بيبسي” وفي المقالات الافتتاحية في مجلتي “فوغ” العربية و”هاربرز بازار العربية”.
مجال تصميم الأزياء حديث في المنطقة، لكن تأثيره واضح على تطور وتقدم المجالات الإبداعية التجارية بصورة عامة والأزياء بصورة خاصة
كما ارتادت ابنة حاكم الفجيرة مدية الشرقي كلية الأزياء الفرنسية “إسمود” في دبي وسرعان ما طرحت علامتها التي حملت اسمها بعد التخرج. ومنذ ذلك الوقت، اشتهرت علامتها في جميع أنحاء العالم وظهرت في مجلات “فوغ” الإيطالية و”غراسيا” و”هاربرز بازار” بفضل تصاميمها الجريئة. وقد لفت عددٌ من المشاهير الأنظار عندما ارتدوا تصاميمها الكلاسيكية والعصرية مثل زندايا وليزلي مان ونيكول شيرزنجر.
وساهم اهتمام الإمارات بالمواهب الشابة والإمكانيات البارزة في كل المجالات في رفد هذا القطاع بأهم المصممين الشباب إثر المبادرات الرائدة التي أطلقتها الدولة، وقد أعلن مركز الشارقة لريادة الأعمال “شراع” بالتعاون مع شركة التطوير العقاري “أرادَ”، عن فتح باب التسجيل في مسابقة لتصميم الأزياء تستهدف تمكين المصممين المحليين والمقيمين في الإمارات من إظهار مواهبهم وإبداعاتهم في عالم الموضة؛ حيث تتيح للمشاركين فرصة الحصول على الدعم والتوجيه من خبراء في مجال التصميم وعرض تصاميمهم المبتكرة أمام الجمهور المستهدف في أرقى المتاجر بإمارة الشارقة.
وتأتي المسابقة ضمن مجموعة المبادرات التي أطلقها “شراع” بالشراكة مع “أرادَ”، وسيحصل الفائز بالمسابقة على منصة مخصصة للبيع بالتجزئة مجانا لمدة ثلاثة أشهر في أول متجر لشركة “أرتال” بمنطقة “إيست بوليفارد” بالجادة في الشارقة، حيث يضم المتجر نخبة من العلامات التجارية المرموقة بالإضافة إلى فرصة التواصل مع الآلاف من رواد الأعمال والمستثمرين وخبراء منظومة الأعمال من خلال مشاركته في فعاليات الدورة المقبلة من “مهرجان الشارقة لريادة الأعمال 2023”.
وسيقدم “شراع” الدعم والتوجيه للمشاركين من خلال تنظيم برامج تدريبية ومسابقات بين المرشحين للفوز حول تصميم العرض التقديمي للأعمال المشاركة والتنسيق مع الفائز لوضع اللمسات الأخيرة على عرضه في مهرجان الشارقة لريادة الأعمال، بينما ستتولى “أرادَ” تقييم الأعمال المرشحة من حيث جودة العلامة التجارية والتصميم والشعار وإستراتيجية التسويق إلى جانب تقديم الدعم الاستشاري للفائز في مجالات التمويل ونماذج الأعمال التي تمكّن الفائز من تطوير مشروعه من خلال الاستعانة بخبراء الأعمال المتخصصين في “أرادَ”.
وتستهدف المسابقة المصممين وطلاب الجامعات المواطنين والمقيمين في الإمارات، الذين يبحثون عن فرصة لتحسين مهاراتهم وزيادة شهرتهم بين الجمهور سواء كانوا يعرضون أعمالهم وتصاميمهم على مواقع التواصل الاجتماعي ويرغبون بالوصول إلى جمهور أوسع أو يمتلكون موهبة التصميم ويحتاجون إلى نصائح من الخبراء حول كيفية إدارة أعمالهم والترويج لها.
وقالت إيمان بن شيبة مديرة إدارة التواصل المجتمعي في “شراع”، “تمثل صناعة الأزياء في دولة الإمارات قطاعا متطورا وواعدا ويحظى بمنافسة قوية من علامات تجارية عالمية، وهذا يضع المصممين الموهوبين أمام تحديات الوصول إلى جمهور واسع، ما يجعل من إتاحة فرص التوجيه وتقديم المشورة لهم عاملاً رئيساً في تنمية مشاريعهم، حيث يقدّم ‘شراع’ مسابقة التصميم كفرصة لضمان حصول المواهب الاستثنائية في مجال تصميم الأزياء على التوجيه والدعم اللازمين لتحقيق أحلامهم ضمن بيئة إمارة الشارقة الحاضنة للإبداع والابتكار وروح المبادرة لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار لهذه الصناعة”.
من جانبها قالت زينب سالم المديرة المؤسسة لـ”أرتال”، “يسعدنا ويشرفنا أن نكون جزءاً من هذه المبادرة التي تأتي تماشياً مع إستراتيجيتنا الهادفة إلى دعم قطاعات المجتمع المختلفة، والتي تشمل تمكين مصممي الأزياء الموهوبين ومنحهم الفرصة لتحقيق أحلامهم، ومن خلال هذه المبادرة نعمل على تعزيز أهمية صناعة الأزياء في دولة الإمارات التي سرعان ما أصبحت مركزاً عالمياً لهذا القطاع الحيوي”.
كما يعد “مهرجان الشارقة لريادة الأعمال” واحداً من أكبر الأحداث من نوعه في المنطقة، حيث استضاف خلال خمس سنوات أكثر من 18 ألفا و500 مشارك وما يزيد على 465 متحدثاً محلياً ودولياً، وكانت دورة عام 2022 هي الأكبر على الإطلاق حيث استقبل المهرجان على مدار يومين أكثر من 5900 من مؤسسي الشركات والطلاب وقادة الفكر الذين قدموا رؤى قيمة نحو تشكيل مستقبل أفضل وأكثر استدامة.
والشباب السعوديون لم يعودوا بعيدين عن هذا المجال إذ ازداد توجههم إلى هذه المهنة التي باتت صناعة قائمة بحد ذاتها، تشجعها إقامة أسابيع الموضة التي استضافتها مؤخرا البلاد.
وتمكنت نساء سعوديات من حجز مكانة لهنّ في خريطة عالم تصميم الملابس وخطوط الموضة، المضمار الذي يعتقد الكثيرون أن شهرته كانت حكراً على دول معينة دون سواها.
وهذه المهنة النوعية يرى فيها المصممون السعوديون سبيلاً لاختراق حواجز عدة في آن واحد، والبداية من كسر احتكار وهيمنة فكرة وصول المنتج الجاهز إلى البلاد.
واحتضنت الرياض “أسبوع الموضة” في أكتوبر الجاري لأول مرة، ليمثل حدثاً فريداً من نوعه في المملكة، ومحطة تاريخية في عالم الأزياء والموضة العالمية.
وأكدت هيئة الأزياء أن أسبوع الموضة في الرياض، الذي أقيم في الفترة بين 20 و23 أكتوبر، يقدّم منصة لدعم مصممي الأزياء السعوديين الصاعدين، ويمكّن أصحاب العلامات التجارية السعودية، من تكوين الروابط مع المشترين المحليين والدوليين.
وشهدت الفعالية 16 عرضاً للأزياء ودعت الحضور إلى خوض رحلة عاطفية وغامرة لاستكشاف الروح الفذة لقطاع الأزياء السعودي.
وعلى مر الأعوام الخمسة عشر الماضية، صنع آشي لنفسه اسماً في عالم الأزياء في باريس وعلى المسرح الدولي، ودخل التاريخ هذا الصيف بصفته أول مصمم سعودي يشارك في أسبوع الهوت كوتور في باريس، وتم قبوله رسمياً للانضمام إلى اتحاد الأزياء الراقية “هوت كوتور”.
واعتبر الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء بوراك شاكماك أن آشي صنع التاريخ بعد أن أصبح أول مصمم سعودي يدخل عالم الهوت كوتور، وبصفته قائداً بارزاً في عالم الأزياء السعودية، مؤكداً شعور الجميع بفخر لدعوته للحضور إلى المملكة والمشاركة في أسبوع الموضة في الرياض، الذي يشكّل إحدى أهم المحطات في الرحلة التاريخية لمدينة الرياض.

وكانت هيئة الأزياء قد أعلنت عن أسبوع الموضة في الرياض لأول مرة خلال مشاركتها في أسبوع الموضة في باريس للملابس الرجالية، وأسبوع الكوتور، الذي استعرض خلاله مصممون سعوديون تصاميم متنوعة أنجزوها خلال مشاركتهم في البرنامج التعليمي الذي تنظمه الهيئة “100 براند سعودي”، على غرار هنيدة الصيرفي التي تمكنت من تحقيق إنجازات جبارة على المستوى الإقليمي والدولي، وقد ارتدت الكثير من النجمات العالميات والعربيات قطعا فريدة من تصاميمها، ومحمد العشي الذي أصبح مؤخرا أول مصمم خليجي يعرض في “باريس هوت كوتور”.
ومن أبرز المصممين المشاركين في أسبوع الأزياء “دار عدنان أكبر للأزياء” التي تأسست عام 1970 على يد المصمم السعودي عدنان أكبر، ويصنّف من أبرز رواد عالم الموضة السعودي وتصميم الأزياء الراقية تحديدا، وقد صعد سلّم النجاح ووصل إلى العالمية، وكانت انطلاقته من شغف والدته بالموضة، الذي شكل مصدرا لإلهامه وقاده إلى عالم الأقمشة والتطريز وتزيين الأقمشة بالأحجار الكريمة.
كما شاركت المصممة السعودية أروى البنوي، بتقديم أزياء تناسب المرأة العصرية والعالمية الأنيقة، الجاهزة دائما للتنقل. وتهدف هذه العلامة إلى سد الفجوة بين الأزياء الراقية وملابس الشارع، كما تدعم تمكين المرأة وإيصال الثقافة العربية من خلال علامتها التجارية إلى العالم. ومن المشاركين أيضا المصممة إيمان جوهرجي، وهي مصممة سعودية أطلقت علامتها التجارية المتميزة عام 2018، ولدت العلامة من حاجتها الشخصية إلى عباية تسمح لها بالتحرك بحرية آنذاك.
وتُعرف جوهرجي بشغفها وفنها في الجمع بين جوهر ثقافتها والأقمشة والأسلوب المبتكر، كما تتميز بتصاميمها التي تجمع بين الأناقة وتسمح في الوقت عينه لمرتديها بالحركة والتمتع بالمرونة والراحة. وهذا ما جعلها تتميز في عالم التصميم والموضة.
ويتمتع قطاع الأزياء السعودي وفقا لتقرير “حالة قطاع الأزياء في المملكة العربية السعودية 2023″، بأكبر معدّل نمو متوقع من بين الأسواق عالية الدخل، فبين عامي 2021 و2025 من المتوقع أن تنمو مبيعات التجزئة لقطاع الأزياء السعودي بنسبة 48 في المئة لتصل إلى 32 مليار دولار، أي بمعدّل نمو سنوي قدره 13 في المئة.
وعلى هامش أسبوع الأزياء بالرياض الذي عكس جمال تصميم الأزياء وقوة التقنية، استقبل معرض “تَصَوَّر” الذي يقام بالشراكة بين وزارة الثقافة وشركة سناب شات زوراه ليستمتعوا بما يقدمه المعرض المميز من استكشافات لاستخدام تقنية الواقع المعزز في الجمع بين جمال تصميم الأزياء وقوة التقنية، في سلسلة من التجارب والفعاليات الرائدة.