شط الحرية

في “مقلب الشراب” الواقعة في جهة غير محددة من جغرافيا البادية الليبية ، تدور الأحداث في إطار من البساطة إلى درجة السذاجة، من خارج الواقع ومن داخله، وعبر رسم كاريكاتوري جريء لجملة من القضايا والملفات والمشاغل والهموم اليومية لليبيين، حيث يجد المشاهد نفسه أمام من يتحدثون بالنيابة عنه في “شط الحرية”.
للموسم السادس على التوالي، يتابع الليبيون أحداث المسلسل الكوميدي الأكثر رواجا وانتشارا في تاريخ التلفزيون الليبي، ليجعلوا منها منطلقا للابتسامة ثم إلى الجدل والسجال والحوار حول الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي استطاع المؤلف والمخرج فتحي القابسي رصدها مع فريقه المكوّن من عدد من الفنانين مثل سليمان اللويطي، عبدالهادي بوخريم، خالد إبريك، إبراهيم منصور، عادل أبو شهبة، نجم فرج، وغيرهم.
بدأ إنتاج العمل في العام 2018 بجهود وإمكانيات خاصة من قبل عدد من الممثلين المسرحيين الهواة بمدينة أجدابيا، شرقي البلاد، ممّن كانوا يجمعون تبرّعات لتأجير الأجهزة التقنية، وفي العام الجاري 2024 سجّل «شط الحرية» أغلى سعر في سوق الإنتاج حيث اقتنته “قناة 218” بمبلغ ثلاثة ملايين دينار (حوالي 640 ألف دولار أميركي)، وهو يبث حاليا وللموسم الثاني على التوالي على قناة “المسار” بغطاء مادي كبير من قبل الرعاة والمعلنين الذين يجدون فيه أفضل مساحة تلفزيونية للتعريف بمؤسساتهم ومنتجاتهم.
يقدّم “شط الحرية” جملة من الاستنتاجات المهمّة من بينها أن الفن يحتاج في جانب كبير منه إلى التلقائية والصدق والتعامل الوفي مع المحيط الثقافي ومع الخصوصيات الاجتماعية، وأن أعقد الرسائل السياسية أو الفكرية يمكن أن تصل بسهولة إلى المتلقي إذا تم تغليفها بالابتسامة وترطيبها بالموقف الساخر، كذلك الذي يعتمد عليه سكان “مقلب الشراب” في تطرقهم للقضايا الليبية الشائكة كالانتخابات والفساد والمصالحة والتهريب والتدخلات الخارجية وغيرها.
تحول الفنانون الهواة المغمورون الذين ظهروا لأول مرة في “شط الحرية” قبل ست سنوات إلى نجوم بارزين في المشهد المسرحي والتلفزيوني الليبي، وهم اليوم نجوم مؤثرون في المجتمع، وكثيرا ما يسعى السياسيون إلى طلب ودهم والتقرب منهم وحتى التقاط بعض الصور معهم، والسبب أن أولئك الفنانين أصبحوا أكثر قربا إلى الشارع والشعب والأسرة الليبية من الرؤساء والوزراء والنواب. على الأقل لأنهم يظهرون على الشاشة ومعهم البهجة والطرافة والضحكة الصافية فيما لا يظهر السياسيون إلا ومعهم خطاب لا يصدقون فيه ووعود لا يوفون بها وقرارات لا يعلمون كيف سيكون مصيرها في اليوم الموالي.