شرم الشيخ.. جنة مصرية للغوص بين الشعاب المرجانية

شرم الشيخ - تبدو الأسماك وغيرها من الكائنات البحرية الأخرى، غير مبالية تماما بالعديد من الأفراد الذين يغوصون في أعماق البحر الأحمر يوما بعد يوم، وهم يحملون معهم معداتهم الثقيلة، وذلك في تباين شديد لإيماءات السائحين المبتهجة أثناء استكشافهم لعوالم مصر الخلابة تحت المياه الزرقاء.
ويقول أحد المصورين إن الغوص في هذه الغابات الساكنة الغنية بالألوان الجذابة، والتي تنتشر بها الشعاب المرجانية التي يبلغ عمرها مئات السنين، أشبه بـ”السباحة في حوض للسمك”.
وتقع البوابة الرئيسية لهذا العالم الآخر المبهر في شرم الشيخ، المركز السياحي الشهير الذي يقع على الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء، والذي كانت إسرائيل تحتله في يوم من الايام.
وبعد أن سحبت إسرائيل قواتها، قامت مصر سريعا بإقامة عدد كبير من الفنادق هناك، تقول عنها وكالة “أكسبيديا” لرحلات السفر على موقعها الإلكتروني، إن عددها يبلغ حاليا نحو 450 فندقا، يقع العديد منها بجانب مراكز الغوص، أو لديها مقدمون داخليون لخدمات الغوص، يعرضون باقات على الغواصين المبتدئين أو غيرهم من ذوي الخبرة، بالإضافة إلى الغطاسين الذين يستخدمون أنابيب التنفس (سنوركل).
حوالي ربع الشعاب المرجانية في العالم يعاني بالفعل من أضرار لا يمكن تعويضها، والثلثان مهددان بشكل خطير
وتحت أشعة شمس الصباح الدافئة، بينما يقوم أحد مرشدي الغوص، بجمع ضيوفه في الفندق، تنتظر العشرات من قوارب الغوص، التي تحمل أسماء مثل “كابتن مرجان” و”نيمو”، على أهبة الاستعداد. ويعتبر المكان هو بداية منطقة محمية رأس محمد التي تصفها منظمة الحفاظ على الطبيعة بأنها “جنة مصر تحت الماء”.
إنها واحدة من أفضل البيئات البحرية المحمية في العالم. وتعتبر الشعاب المرجانية هناك، وهي عبارة عن نظام بيئي معقد لعدد لا حصر له من الكائنات، الأكبر في أفريقيا، حيث تمتد لأكثر من 2000 كيلومتر، بداية من مصر ووصولا إلى السودان وإريتريا.
ويغوص السائحون وهم يحملون معهم أنابيب الأكسجين المضغوط الخاصة بهم، بينما يستشعرون حركة الأسماك الرقيقة حولهم. فأحيانا ما يجدون سمكة المهرج وهي تلعب معهم لعبة “الغميضة”. ثم يتفاجأون بثعابين “موراي”، التي يبلغ طولها مترا واحدا، وهي تتحرك في حركة متعرجة بين الصخور. ويتصادف مرور سمكة الببغاء ذات ألوان قوس قزح الجذابة، على طول قاع البحر. وتعتبر النجوم هناك هي الأسماك والسلاحف، التي يعتبر بعضها من الأنواع المهددة بالانقراض، كما تظهر الدلافين وأسماك القرش الحوتية في بعض الأحيان.
ومع ذلك، فإن مثل هذا المشهد المميز لا يكتمل إلا في وجود الشعاب المرجانية الرائعة، التي لا مثيل لها في أيّ مكان في العالم، بحسب ما يقوله الأستاذ أنديرس مايبوم، وهو باحث في مركز البحر الأحمر العابر للحدود الوطنية. ويصف مايبوم الشعاب المرجانية بأنها “أمل للبشرية”، لأنها قادرة على الصمود بشكل خاص في أوقات تشهد تغير المناخ.
ويقول مايبوم عن الشعاب المرجانية هناك “لقد انقرضت منطقة البحر الكاريبي بشكل أو بآخر”، كما أن جزر المالديف التي تقع في المحيط الهندي تعتبر أيضا في “حالة سيئة للغاية”. وفي الوقت نفسه، يقع المثلث المرجاني الموجود حول إندونيسيا وجيرانها “تحت ضغط هائل بسبب التلوث ومياه الصرف الصحي”، بينما يؤدي ارتفاع درجة حرارة المحيطات حول العالم إلى التعجيل بعملية التبييض، ولا يمكن إيقاف ذلك عند الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا.
وتعتبر الشعاب المرجانية مهددة بالانقراض أيضا عند خليج العقبة. وفي هذه المرحلة، تكون لديها دفاعات فريدة ضد درجات الحرارة المرتفعة، حيث يرجع ذلك على الأرجح إلى العصر الجليدي الأخير قبل نحو 18 ألف عام، ثم انتشرت الشعاب المرجانية هناك ببطء فيما بعد. ونظرا إلى أن المناطق ذات درجات الحرارة المرتفعة تكمن في مسارها، فقد نجت الأنواع المقاومة للحرارة.
ويقول مايبوم، الذي كان يتواجد مع فريق العمل في خليج العقبة قبل بضعة أشهر، إن “هذا النوع من مقاومة الاحتباس الحراري غير موجود في أيّ مكان آخر”. وتشبه التكوينات الرائعة التي تشكلت في بعض الأحيان قبل أكثر من 50 مليون عام، الشجيرات المضيئة ومروج الزهور وحقول البروكلي والأدمغة المتحجرة.
ومن الصعب تصديق أن هذا النمو الدقيق والعتيق للشعاب المرجانية تحت سطح الماء يمكن رؤيته بمجرد التحرك بينها بعد ارتداء بدلة للغوص، ولكن هذا هو الواقع. وفي شرم الشيخ وفي دهب ونويبع ناحية الشمال قليلا، يمكن أن تبدأ تجربة الغطس بواسطة أنابيب التنفس والغوص في الأعماق سيرا على الأقدام من الشاطئ حرفيا.
وبحسب وزارة البيئة، توجد في مصر 209 أنواع من الشعاب المرجانية التي تشكل ملجأ للحياة البحرية، وتجذب الغواصين من كل أنحاء العالم.
في شرم الشيخ يمكن أن تبدأ تجربة الغطس بواسطة أنابيب التنفس والغوص في الأعماق سيرا على الأقدام من الشاطئ
إلا أن هذه الكائنات البحرية التي تتنوع ألوانها الزاهية بين الأحمر والأصفر والأخضر، مهددة بارتفاع درجات حرارة البحار الناتجة عن تغير المناخ. ووفق الصندوق العالمي للطبيعة فإن “حوالي ربع الشعاب المرجانية (في العالم) يعاني بالفعل من أضرار لا يمكن تعويضها، والثلثان مهددان بشكل خطير”.
كما يشير الصندوق الى أن 8 في المئة من الشعاب المرجانية في العالم اختفى في 1998، بينما ابيضت نسبة 14 في المئة منها في العشرين سنة التالية.
ويقول إسلام محسن، مدرب الغوص المصري البالغ من العمر 37 عاما، “أنا كغطاس يظهر أمامي بشكل واضح تأثير التغير المناخي على الشعاب المرجانية”، مضيفا “ما يحدث هو عملية ابيضاض للمرجان.. يعني يتحول لونه إلى الأبيض”.
وتشرح خبيرة التغير المناخي المقيمة في القاهرة كاثرين جونز أنه “عندما ترتفع درجة الحرارة يمتص المحيط المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج حمض الكربونيك، لذلك لا ترتفع درجة الحرارة فحسب، بل تتغير نسبة الحموضة أيضاً”.
وتضيف “عندما تصبح (المياه) أكثر حموضة، يصبح الأمر صعبا جداً على الحيوانات القشرية”. وتؤكد أن هذه الظاهرة بدأت منذ “سنوات عدة في البحر الأحمر”.