شباب مصر يطالبون بإلغاء "شبكة الزواج" أو استئجارها

القاهرة - أمام اعتبار غالبية الأسر أن الذهب يمثل بعدا اقتصاديا واجتماعيا مهما، واشتراطهم أن تكون “الشبكة” بالعشرات من الغرامات وأحد شروط إتمام الزواج، انطلقت أكثر من مبادرة وحملة قومية خلال الأيام الماضية تدعو إلى تعديل ثقافة المجتمع حول “الشبكة”، وعدم جدوى هذا الشرط.
وتشترط أسر مصرية تزويج بناتها بإحضار العريس لشبكة ذات قيمة عالية، تليق بأسرته وأسرة الفتاة، وتختلف من المناطق الحضرية عنها في المناطق الريفية، ففي الأولى يتم الاتفاق على أن تكون “الشبكة” هدية من العريس لعروسه بشرط ألّا تقل عن مبلغ بعينه ودون سقف محدد، بينما في الريف يجري تحديد المبلغ.
كان متوسط سعر الشبكة للأسر المتوسطة يتراوح بين 15 إلى 30 ألف جنيه (من 1500 إلى 3000 دولار)، ومع ارتفاع أسعار الذهب أصبحت “الشبكة” تقدر بالغرام وليس بالمبلغ المادي، وتشترط أسرة الفتاة عدد غرامات بعينها على الشاب الذي يطلب خطبتها، حتى أصبح ثمن 100 غرام فقط بالأسعار الحالية نحو 4 آلاف دولار، بعدما وصل سعر الغرام الواحد إلى حوالي 50 دولارا.
قالت نهى محمد، وهي طالبة عمرها 20 عاما وعضو في حملة “لا للشبكة” التي دشنها عدد من الشباب والفتيات في جامعات مصرية مختلفة لتوعية زملائهم وأسرهم، إن هذه الثقافة أحد أسباب العنوسة، والمشكلة الأكبر أن أسرة الفتاة أصبحت تطلب من العريس ذهبا يرضي غرورها لتتفاخر به أمام عائلتها، ما يجبر الشاب على الاستدانة إلى حين إتمام الزواج، أو رفض الزواج نهائيا.
الكثير من الأسر المصرية تبحث عن مظهرها أمام أقاربها عندما يسألون عن قيمة الشبكة التي أحضرها العريس
ولا يسعى أصحاب حملات ومبادرات إلغاء الشبكة إلى تغييب هذه العادة بشكل نهائي، بقدر ما يهدفون إلى تحويلها إلى قيمة رمزية من الشاب وأسرته إلى الفتاة، كأحد أنواع التعامل مع الغلاء الباهظ في أسعار الذهب، وأن يترك المجال للفتاة لتقول رأيها في قيمة الهدية التي تريدها.
وفي عرف الكثير من الأسر المصرية، تقوم الفتاة ببيع الذهب بعد الزواج مباشرة لمساعدة زوجها في سداد ما عليه من ديون الزواج، ولا يحق لأسرة الفتاة في هذه الحالة أن تتدخل في رفض بيع “الشبكة”، ما يعني أن مسألة الفرحة بالذهب لا تطول، ومع ذلك تسبب مشكلات اجتماعية وأسرية واقتصادية لجميع الأطراف.
ولجأت البعض من الأسر في الوقت الحالي إلى حيلة “استئجار الذهب”، لتفادي سؤال الأقارب عن الشبكة وإحراج العريس، ومنعا لحدوث خلاف حول قيمتها، كأحد الحلول للحفاظ على بقاء ثقافة الشبكة لتظهر الفتاة أمام الناس وهي تتزين بالذهب دون أن ينكشف سر الاستئجار أمام الأقارب.
وفي اليوم التالي يعيد العريس “الشبكة” المستأجرة إلى الصائغ مرة أخرى، مقابل أن يدفع عن كل غرام نحو 50 جنيها (5 دولارات)، ويشترط الصائغ أن يشتري منه العريس “دبل الخطوبة” بسعرها الطبيعي.
أصحاب حملات إلغاء الشبكة لا يسعون إلى تغييب هذه العادة بشكل نهائي، بقدر ما يهدفون إلى تحويلها إلى قيمة رمزية
في السياق ذاته، قالت رشا حمدي مؤسس حملة “معا لإلغاء الشبكة”، إن الكثير من الأسر المصرية تبحث عن “مظهرها أمام أقاربها عندما يسألون عن قيمة الشبكة التي أحضرها العريس، ولا تبحث عن مظهر ابنتها إذا بقيت دون زواج لعدة سنوات، بسبب الشروط المفروضة على الشاب، مثل 100 غرام من الذهب بـ4 آلاف دولار، ومثلها للأخشاب وغيرها للزواج وشقة الزوجية تكون في منطقة راقية، وغالبيتها أمور شكلية لا تبحث عنها الفتاة ذاتها بقدر ما تريد زوجا يحميها.
وسألت “العرب” رشا حمدي عن سبب تأسيس الفتيات لهذه المبادرة، فأجابت “لأن الفتاة تتضرر من هذه الثقافة المرتبطة بالعادات والتقاليد، فالشاب قد يتزوج في أي سن، أما الفتاة إذا تجاوز عمرها الـ25 عاما فإنها تسمى عانس”.
وطالبت رجال الدين بممارسة دورهم في هذه النوعية من الحملات، لتغيير الثقافة الهدامة التي أصبحت تفاقم المشكلات الأسرية.
في المقابل، ترى سامية نوح، أستاذة علم اجتماع الأسرة بجامعة عين شمس، أن البعض من الأسر المصرية تنظر إلى الشبكة في صورة “التزام جاد من الشاب تجاه الفتاة، وهناك أسر تقيس مدى تمسك الشاب بالفتاة بقيمة المبلغ الذي سوف يتحمله في شراء الذهب، وكلها ثقافات يصعب تغييرها بسهولة، والمهم أن تقوم الفتاة نفسها بتغيير هذه الثقافة لدى أسرتها، وتبادر برفض الشبكة أو تحديد مبلغ لها، وإجبار الشاب عليها”.
وأشارت لـ”العرب” إلى ضرورة وجود حملات إعلامية ودينية ضد هذه الثقافة، فضلا عن دور المنظمات الحقوقية والإنسانية، باعتبار الزواج حقا أصيلا للإنسان لا يمكن أن يمنعه المال أو تعنت الأسر.
وختمت بأن الظروف الاجتماعية للشباب تزداد سوءا، بين البحث عن شقة للزواج وتكاليف شراء مستلزماتها، وفي النهاية لا يجني الشاب أو الفتاة سوى “العنوسة” نتيجة تعنت وتشدد الأسرة.