شباب فرنسيون يتخلون عن نبيذ بلادهم لصالح الجعة

مزارعون للكروم في بوردو، الأكثر شهرة في زراعة الأعناب بفرنسا، يدرسون فكرة تدمير مزارعهم هذا الخريف.
الخميس 2023/10/19
العادات الغذائية تغيرت

باريس - أصبحت فرنسا، بلد النبيذ والأجبان، تواجه مشكلة تتعلق بتغير الأذواق تجاه تناول المشروبات الكحولية، وفي دولة تزهو بإنتاج النبيذ الشهير من إقليم بوردو وأيضا النبيذ المعروف باسم روزيه بنكهة الفاكهة، يتزايد عدد الشباب الذين يفضلون تناول الجعة، وأحيانا يقولون إنهم لا يتناولون الكحوليات على الإطلاق، مما يمثل اتجاها جديدا يدفع بعض مزارعي الأعناب إلى اجتثاث أشجارهم الثمينة.

وأشار الاستطلاع السنوي الذي تجريه شركة سواين للتسويق إلى أنها المرة الأولى التي تتفوق فيها الجعة على النبيذ وبفارق ضئيل، كأكثر مشروب يلقى إقبالا في فرنسا. وقال الاستطلاع إن نسبة الرجال الذين يفضلون الجعة تزيد عن نسبة النساء، كما أن الطلب على النبيذ الأبيض يفوق نظيره الأحمر.

ومن ناحية أخرى قال 15 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إنهم لا يتناولون الكحوليات بتاتا، وهو اتجاه يسمُ إلى حد كبير الجيل الأصغر سنا. وأوضح 23 في المئة من المجموعة العمرية ما بين 18 و25 عاما أنهم لا يتناولون الكحوليات، بينما قال 10 المئة فقط من ضمن الفئة العمرية ما بين 50 و65 عاما إنهم لا يتناولون الكحوليات.

◙ صورة النبيذ في فرنسا تحتاج إلى تعديل
◙ صورة النبيذ في فرنسا تحتاج إلى تعديل

وظل استهلاك النبيذ يتراجع في فرنسا طوال سنوات، حيث انخفض بنسبة 70 في المئة خلال 60 عاما، من أكثر من 120 لترا للفرد سنويا إلى أقل من 40 لترا في عام 2020، وفقا لما ذكرته رابطة “فين سوسيتيه” لصناعة النبيذ.

ويرجع خبراء هذه الصناعة تراجع شعبية النبيذ إلى حدوث تغيرات في أنماط الحياة، فمثلا لم يعد هناك اهتمام بتناول الوجبات التي تصاحبها تقليديا كأس أو اثنتان من النبيذ، ولم تعد عائلات كثيرة تمرر إلى أبنائها ثقافة تناول النبيذ.

ومن ناحية أخرى يتزايد عدد الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم، مما يعني انخفاض استهلاك النبيذ الذي عادة ما يعد رابطا للتجمعات بين المعارف بدرجة أكبر من كونه مجرد مشروب، حيث يتشارك الأصدقاء في زجاجة نبيذ على طاولة العشاء.

وأكدت الرابطة أن صورة النبيذ في فرنسا تحتاج إلى تعديل، وقال صمويل مونتجرمو رئيس رابطة “فين سوسيتيه” إن المسألة ليست دعوة للفرنسيين إلى الإفراط في الشراب، ولكن “السؤال مختلف: هل نريد أن نرى النبيذ على موائدنا، أو نشاهده في المتاحف خلال الأعوام المقبلة؟”.

بينما يقول بيرنار فارجيه، رئيس اللجنة الوطنية للمهنيين في مجال النبيذ، إن “الكثير من العاملين في صناعة النبيذ يشعرون بتداعيات انكماش السوق، نتيجة تقلص معدلات الاستهلاك، وتعقد الأمر بسبب المنافسة الدولية الحامية، والتغيرات المناخية التي يشهدها العالم حاليا”. ويعرب فارجيه عن خشيته من أن يتخلى المنتجون عن هذه المهنة، ومن ألا تجد الكثير من مصانع النبيذ ورثة لها.

واتخذت المشكلة منحى ينذر بالخطر؛ حيث تدرس الكثير من مزارع الكروم في إقليم بوردو، الأكثر شهرة في زراعة الأعناب بفرنسا، فكرة تدمير المزارع الكائنة على مساحة 9500 هكتار هذا الخريف.

ومن بين مزارعي الأعناب قال أندريه فوجريه (65 عاما) لمحطة فرانس 3 التلفزيونية “أنا أعمل مع تجار النبيذ طوال 20 عاما لتصدير الإنتاج إلى أفريقيا وإنجلترا، غير أن المبيعات بدأت تتراجع”.

وتابع “ليست لدي خطة ما، سواء على المدى القصير أو المتوسط، وبالتالي قررت أن أزيل أشجار العنب، وتبين لي أن عادات تناول الطعام تغيرت، وأن الفرنسيين أصبحوا يتناولون كميات أقل من النبيذ الأحمر، وأن حصة الجعة في السوق تزداد”.

◙ استهلاك النبيذ تراجع في فرنسا حيث انخفض بنسبة 70 في المئة خلال 60 عاما من أكثر من 120 لترا للفرد سنويا إلى أقل من 40 لترا في عام 2020

ولمواجهة المشكلة أعلن وزير الزراعة الفرنسي مارك فيسنو أن الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية بالإضافة إلى رابطة هذه الصناعة تخطط لإنفاق ما يصل إلى 67 مليون يورو (70 مليون دولار) على إعادة هيكلة مجال النبيذ في بوردو.

وتشمل الخطة تقديم المعونة إلى المزارع التي تم قطع أشجارها، وأيضا دعم عملية إعادة زراعة المناطق التي كانت مزروعة سابقا بالأعناب. وتوجد حاليا 110 آلاف هكتار من الأراضي المزروعة بأشجار العنب في إقليم بوردو الكائن في الغرب الفرنسي.

وبالإضافة إلى تراجع الاستهلاك يعاني مزارعو الأعناب في فرنسا أيضا من تزايد فترات الجفاف، ونبهت وزارة الزراعة مؤخرا إلى أنه على المدى الطويل يتعين على صناعة النبيذ في فرنسا أن تعد نفسها للتكيفات الضرورية مع التغير المناخي، وتخطط الحكومة لمد يد المساعدة بوضع إستراتيجية في هذا الصدد.

ونصح معهد النبيذ الفرنسي مزارعي الأعناب بزراعة أنواع منها أكثر مقاومة للتغيرات المناخية، واتخاذ خطوات لجعل زراعة الأعناب محايدة مناخيا قدر الإمكان. ولكن هل تعني كل هذه التطورات أن صناعة الجعة في فرنسا آخذة في الازدهار؟ تشير أحدث الأرقام المنشورة إلى أن ذلك ليس دقيقا.

وتوضح الإحصائيات أنه يتم إنتاج ما نسبته 70 في المئة من الجعة المستهلكة في فرنسا، مع تزايد أعداد مصانع الجعة الكبيرة والصغيرة. وعلى الرغم من تزايد الإقبال على الجعة يأتي الفرنسيون في مؤخرة القائمة عندما يتعلق الأمر باستهلاكها على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث يستهلكون 33 لترا لكل فرد سنويا في المتوسط، وفقا للبيانات التي نشرتها رابطة منتجي الجعة الفرنسيين.

◙ جاهزون

16