شباب العرب يغرقون في الديون بين الاحتياجات الأساسية والرفاهية

تتعدد أسباب انتشار القروض بين الشباب في الوطن العربي بين الرسوم الدراسية ومتطلبات الحياة الأساسية لتتعداها إلى الكماليات والرفاهية بسبب نمط الحياة الذي يشجع على السلوك الاستهلاكي، لكن الديون والقروض تفاقمت وخرجت عن السيطرة بالنسبة إلى نسبة كبيرة من الشباب مع الأزمات المتلاحقة والتدهور الاقتصادي.
دبي - تسجّل ديون الشبان العرب الشخصية أرقاما قياسية في السنوات الأخيرة بالتوازي مع ارتفاع معدلات البطالة والصعوبات السياسية والاقتصادية التي تمر بها بلدانهم، وانعكست مباشرة على الشباب باعتبارهم الفئة الاجتماعية النشيطة والفاعلة في سوق العمل من جهة، ولأنهم الأكثر إقبالا على الرفاهية من جهة أخرى.
وتشير التقارير المحلية والدولية إلى أن أزمة كورونا ليست السبب الوحيد لظاهرة ازدياد الديون الشخصية للشباب، وإن كانت قد فاقمتها، إذ شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا لها في عدة دول وفي مقدمتها سوريا التي أنهكتها الحرب والتدهور الاقتصادي الذي يتواصل دون توقف، تليها الأردن ثم الأراضي الفلسطينية. وبحسب استطلاع حديث نشرته شركة “أصداء بي.سي دبليو” بالتعاون مع شركة الأبحاث الدولية”بي.أس.بي”، فقد أكد أن 35 في المئة من الشباب العربي يعاني من الديون الشخصية.
يقول الشاب الفلسطيني زكي (30 عاما) إنه أصيب باليأس والإحباط بسبب عدم قدرته على توفير التكاليف الباهظة للزواج فكان الملاذ الوحيد له الحصول على قرض من جمعية تنشط من أجل تيسير الزواج في غزة.
وهذه المؤسسة ومثيلاتها في غزة تقدم التسهيلات لمساعدة الشباب في تجهيز كافة مستلزماتهم الحياتية عن طريق الدفع بالتقسيط لمدة تصل إلى عامين، وقد ترهق هذه الطريقة كاهل الشباب بعد الزواج نتيجة عدم مقدرتهم على السداد، ما قد يجبر المؤسسات على التوجه إلى القضاء لاسترجاع أموالها، الأمر الذي قد يضيق الخناق على الزوج، ويتسبب في حياة زوجية بائسة ومليئة بالمتاعب.
ديون إجبارية
يضطر الكثير من الشباب إلى الاستدانة والاقتراض لمتابعة الدراسة الجامعية أو لإطلاق مشاريع صغيرة تتعثر هي الأخرى بسبب الأزمة المرتبطة بوباء كورونا، فكانت النتيجة أعباء إضافية وأقساطا متراكمة أرهقت الشباب ماديا ونفسيا.
ويشير الاستطلاع إلى ارتفاع نسبة الديون الشخصية لدى الشباب العربي في السنوات الـ5 الماضية، حيث بلغت ذروتها هذا العام مع تفشي جائحة كورونا.
وبحسب الاستطلاع، تعددت أسباب انتشار القروض بين الشباب في الوطن العربي، فالرسوم الدراسية هي السبب الأكثر شيوعا للاستدانة لدى الشبان في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ودول شمال أفريقيا، ويظهر أن الدين الشخصي ينتشر بين الشباب في سوريا بشكل أكبر، بنسبة ديون تبلغ 73 في المئة، لتتبعها الأردن بنسبة تبلغ 70 في المئة، ثم الأراضي الفلسطينية بنسبة تبلغ 65 في المئة.
ويتمتع الشباب في الكويت والإمارات والسعودية بأدنى نسب ديون في المنطقة العربية، حيث تبلغ نسبة الدين 4 في المئة في الكويت، و14 في المئة بالإمارات والسعودية، وأشار الاستطلاع إلى أن الرغبة في الحصول على السيارات أحد أكبر الأسباب الرئيسية للجوء الشباب الخليجي إلى القروض، إذ يتسابقون على اقتناء أحدث أنواع السيارات وأكثرها رفاهية.
ووصف 60 في المئة من الشبان في دول مجلس التعاون الخليجي أوضاعهم المالية بأنها “ممتازة”، وقال 57 في المئة في باقي الدول العربية التي شملها الاستطلاع إنها “سيئة للغاية”.
وقال أفشين مولوي، الباحث بجامعة جونز هوبكنز، في تعليق على النتائج التي أوردها المسح، “الشبان العرب.. يريدون ببساطة حكومة لائقة ووظيفة لائقة وفرصا لائقة وتعليما لائقا”.
ويبدو أن المشكلات الاقتصادية المستمرة قد تفاقمت مع تفشي كورونا، حيث قال 20 في المئة من الشباب المشاركين في الاستطلاع إن شخصا ما في أسرهم فقد وظيفته بسبب الجائحة، وأشار 30 في المئة إلى ارتفاع ديونهم الأسرية، وقال 72 في المئة إن الجائحة زادت من صعوبة إيجاد الوظائف.
أرقام مقلقة
كشف المعهد العربي للتخطيط في مصر عن زيادة معدلات البطالة منذ بداية الأزمة إلى أواخر شهر مايو الماضي، ليبلغ عدد الذين فقدوا وظائفهم 824 ألف موظف، وتوقع المعهد الرسمي استمرار ارتفاع العدد ليصل إلى 1.2 مليون عامل، إذا استمرت الأزمة إلى نهاية السنة الجارية.
وفي الجزائر أعلن الديوان الوطني للإحصاء عن “أرقام مقلقة” مع اقتراب نسبة البطالة من 15 في المئة في شهر يوليو الماضي، بعدما ثبتت النسبة عند 11.4 في المئة في نهاية عام 2019. وأما بالمغرب فكشفت المندوبة السامية للتخطيط عن ارتفاع معدّل البطالة من 8.1 في المئة إلى 12.3 في المئة خلال العام الجاري، مع تزايد عدد العاطلين بنحو نصف مليون شخص.
وأفاد معهد الإحصاء الحكومي في تونس عن ارتفاع معدل عدد العاطلين عن العمل إلى 18 في المئة خلال الربع الثاني من العام الجاري، مقابل 15.3 في المئة في الربع الأول.
وفي منطقة هي الأعلى عالميا في معدلات بطالة الشباب بنسبة أكثر من 26 في المئة وفقا لمنظمة العمل الدولية في تقرير لها عن الوطن العربي، يبحث عدد متزايد من الشباب عن فرص عمل في غير الوظائف الحكومية ووظائف القطاع الخاص، ويفضلون بدلا منها العمل بشكل مستقل أو لصالح عائلاتهم 23 في المئة مقابل 16 في المئة في عام 2019.
وحلت نتيجة “إيجاد فرص العمل” في المرتبة الثانية بين أهم الأولويات لتحقيق التقدم في المنطقة، حيث أعرب 9 من كل 10 شباب أي بنسبة 87 في المئة، عن شعورهم بالقلق إزاء البطالة، وأعرب قرابة نصفهم فقط، 49 في المئة، عن ثقتهم بقدرة حكوماتهم على معالجة هذه المشكلة.
وقال سونيل جون، رئيس شركة “بي.سي دبليو الشرق الأوسط”، ومؤسس “أصداء بي.سي دبليو”، “كدراسة مستقلة، دأب استطلاع أصداء بي.سي دبليو لرأي الشباب العربي باستمرار على تقديم رؤى قائمة على الأدلة حول آمال وإحباطات الشباب في العالم العربي. وفي ضوء الاحتجاجات الشعبية والانخفاض الحاد في أسعـار النفط الذي أدى إلى عجز حاد في الميزانيات الحكومية، توضح هذه الدراسة الصلة بين سوء الإدارة الحكومية ونقص الفرص؛ كما تؤكد على حاجة الكثير من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى التركيز على عائد الشباب أو المخاطرة بفقدان جيل من ألمع شبابها”.
ويفكر 2 من كل 5 شبان عرب في إطلاق أعمالهم التجارية الخاصة في غضون السنوات الخمس المقبلة، وتبدو روح ريادة الأعمال هذه أكثر حضورا بين شباب دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 55 في المئة.
وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي”اتخذت حكومات المنطقة إجراءات لدعم شبكات أمان اجتماعية ملائمة من شأنها حماية الأسر والمحتاجين، وتوفير إعفاءات ضريبية مؤقتة ومخصصة وإعانات وتحويلات لصالح الشركات للصمود أثناء محاولة السيطرة على الوباء. كما تم اتخاذ تدابير إضافية تركز على تطوير برامج محددة تُعنى بالمحافظة على شبكات التوظيف، وتوفير التدريب اللازم لتسهيل العمل عن بعد، ودعم عملية إعادة توزيع الموارد البشرية، وتكثيف دعم الشركات الصغيرة والناشئة، والتي تعتبر جهة التوظيف الرئيسية للشباب”.
وأضاف أزعور “دعونا نعمل معا على بناء اقتصادات أقوى بمعدل ازدهار أعلى. ورغم ثقل أعباء الجائحة عليهم، يحمل الشباب بين أيديهم مفتاح الانتعاش الاقتصادي والازدهار المتنامي لنا جميعا. فهم مكمن قوة المنطقة. وسيقود تحقيق آمالهم وتطلعاتهم بلا شك إلى إرساء دعائم مستقبل أفضل”.
الخريجون الجدد
شمل الاستطلاع 4000 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما من 17 دولة عربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع توزع العينة بين الجنسين مناصفة. وتم إجراء البحث على مرحلتين، حيث أجري الاستطلاع الرئيسي بين 19 يناير و3 مارس 2020 قبل أن يصل تأثير جائحة كوفيد – 19 إلى المنطقة؛ في حين تم إجراء استطلاع “نبض كوفيد – 19” في المرحلة الثانية بين 18 و26 أغسطس 2020 في ست دول عربية.
ويواجه الشباب الخريجون الجدد واقعا صعبا مقارنة بنظرائهم في الأعوام السابقة ليس في الشرق الأوسط وحده إنما في جميع أنحاء العالم، حيث سيدخل خريجو العام الحالي سوق عمل قد يكون الأشد قسوة منذ عقود، مع مستويات بطالة آخذة في الارتفاع، وقد قررت الشركات وقف التعيينات الجديدة، وحذر البنك الدولي من أن الاقتصاد العالمي على شفا ركود اقتصادي هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، وفق ما ذكر تقرير نشره موقع “بي.بي.سي”.
ونوه تقرير لمعهد الدراسات المالية بعنوان “وقت عسير للخريجين” إلى أن الطلاب الذين تخرجوا العام الحالي سيمرون بأوقات عصيبة. وذكر التقرير “قد نستدل من فترات الركود السابقة على أن فرص حديثي التخرج في العثور على وظائف ستكون أقل من فرص نظرائهم في السنوات الماضية، وقد يضطرون إلى قبول وظائف ذات أجور أقل مما كانوا يتوقعون”.
وأشار موقع “زيبريكروتر” للتوظيف في الولايات المتحدة إلى تهاوي عدد الوظائف الشاغرة الأكثر رواجا بين حديثي التخرج، بنسبة 77 في المئة في منتصف مايو، ولا يزال أقل بنسبة 61 في المئة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل وباء كورونا.
وأضاف التقرير أن سوق العمل الذي ينتظر خريجي العام الحالي، “قد يكون أشد صعوبة منه في الفترة من نهاية 2008 إلى بداية 2009، ما يدل على أن تبعات الأزمة الحالية ستكون أشد وطأة على آفاق التوظيف من تبعات الأزمة المالية لعام 2008”.
وخلص بحث أجراه موقع “ميلكراوند” للتوظيف في المملكة المتحدة إلى أن نسبة الخريجين الذين نجحوا في العثور على وظائف العام الحالي لا تتعدى 16 في المئة، في حين أن النسبة المعتادة في هذا الوقت تبلغ 60 في المئة من الخريجين.
وتقول كلير جينكينز، مسؤولة التوظيف بشركة “تيبل كراود تالنت” الناشئة في المملكة المتحدة، إنها لاحظت تراجعا كبيرا في جميع المناصب الشاغرة في مختلف المجالات، باستثناء التنمية والهندسة. وتفضل بعض الشركات تعيين الخريجين الذين يتقاضون رواتب أقل نسبيا مقارنة بذوي الخبرة. لكن هذه التعيينات في الغالب تكون بعقود قصيرة الأجل.
ولمست جينكينز أيضا انخفاضا في الرواتب بنسبة 10 في المئة تقريبا في مختلف المناصب. ومن المتوقع أن تظل الأجور منخفضة إلى أن يتعافى الاقتصاد من الأزمة. وذكر تقرير معهد الدراسات المالية أن هذا التراجع في رواتب حديثي التخرج “قد يستمر أمدا طويلا”.
ويقف هذا المشهد القاتم على طرف النقيض مع مشهد سوق العمل في يناير الماضي، حين كان الطلاب في السنوات النهائية في الولايات المتحدة على سبيل المثال يتطلعون إلى دخول سوق عمل لديه المقومات التي تجعله الأقوى منذ عقود.