شاي الماتشا الياباني يغزو المقاهي العالمية

الماتشا يشتهر بقدرته على تعزيز التركيز دون التسبب في التوتر أو العصبية.
الخميس 2025/06/26
ذهب أخضر

طوكيو - تصطف طوابير طويلة أمام المقاهي التي تقدّم مشروب الماتشا في لوس أنجلس وطوكيو، في وقت يواجه فيه المنتجون اليابانيون صعوبة في مواكبة الطلب المتزايد على هذا النوع من الشاي الأخضر، الذي يشهد رواجًا متصاعدًا بفضل خصائصه الصحية المتعددة.

يُصنَّع مسحوق “ماتشا”، الذي يعني “شاي مطحون” باليابانية، من أوراق تينشا، وهو نوع من الشاي يُزرع في الظل خلال الأسابيع الأخيرة من نموه، مما يؤدي إلى تركيز النكهات والعناصر الغذائية.

بعد الحصاد، تُجفَّف الأوراق ثم تُطحن بين مدقتين حجريتين للحصول على مسحوق ناعم جدًا.

عرفت اليابان الشاي لأول مرة في أوائل القرن التاسع بعد استيراده من الصين، حيث استُخدم حينها لأغراض طبية. أما إنتاج الماتشا فقد بدأ في القرن السادس عشر في كيوتو، وارتبط لاحقًا بمراسم الشاي التي ابتكرها سين نو ريكيو.

في المقابل، لم يبدأ استهلاك الشاي الأخضر “الكلاسيكي”، المعروف باسم سينتشا، إلا بعد ذلك بقرنين.

توجد أنواع متعددة من الماتشا، تتراوح بين النوع المُخصَّص للطقوس التقليدية، والأنواع الأكثر توافرًا التي تُستخدم في الطهي وصناعة الحلويات.

اليابان عرفت الشاي لأول مرة في أوائل القرن التاسع بعد استيراده من الصين، حيث استُخدم حينها لأغراض طبية

تحتاج نبتة الشاي إلى نحو خمس سنوات لتصل إلى مرحلة النضج. وقبل الحصاد بثلاثة إلى أربعة أسابيع، تُغطّى النباتات بشبكة تقلل من كمية الضوء، مما يزيد محتواها من الكلوروفيل و”ل-ثيانين”، وهي جزيئة معروفة بتأثيرها المهدئ.

تُقطف الأوراق يدويًا، وتُزال السيقان، وتُبخّر لتجفيفها، ثم تُطحن ببطء على حجر، في عملية قد تستغرق ساعة كاملة لإنتاج 40 غرامًا فقط من الماتشا.

يقول ماساهيرو أوكوتومي، منتج شاي في منطقة ساياما شمال طوكيو: “للحصول على ماتشا عالي الجودة، يجب قطف الأوراق يدويًا، كما أن تظليل شجيرات الشاي — المعروفة باسم تانكاكي — يتطلب بناء هيكل معقّد من أعمدة وسقف لتصفية الضوء.”

ونظرًا لتعقيد هذه العملية، يُعد إنتاج الماتشا مكلفًا، وتبلغ تكلفته نحو ضعف تكلفة إنتاج سينتشا.

إلى جانب نكهته النباتية المميزة، يجذب الماتشا عشاق الشاي بفضل فوائده الصحية؛ فهو غني بمضادات الأكسدة، لا سيما الكاتيكينات، ويشتهر بقدرته على تعزيز التركيز دون التسبب في التوتر أو العصبية.

ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة اليابانية، يحتوي كوب من الماتشا في المتوسط على 48 ملغ من الكافيين — وهي كمية تقل قليلًا عن تلك الموجودة في فنجان من القهوة المصفاة، لكنها تعادل ضعف الكمية الموجودة في الشاي الأخضر التقليدي.

يقول شيجيهيتو نيشيكيدا، مدير مقهى “جوغيتسودو” للشاي في حي تسوكيجي بطوكيو:

“غالبًا ما يُنظر إلى الماتشا على أنه مفيد للصحة، لكنه يجذب الناس أيضًا من خلال ثقافة الشاي اليابانية المحيطة به: الطقوس، والوقت، والجانب الجمالي.”

Thumbnail

في عام 2023، أنتجت اليابان 4176 طنًا من الماتشا، مقارنة بـ1430 طنًا فقط في عام 2012.

وتُظهر بيانات وزارة الزراعة أن أكثر من نصف هذا الإنتاج يُصدَّر حاليًا إلى الولايات المتحدة، وجنوب شرق آسيا، وأوروبا، وأستراليا، والشرق الأوسط.

وتشتهر مدينة أوجي في كيوتو بمعبد بيودوين المُدرج ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو بالتجارب الفريدة في تقديم الشاي التي تجذب السياح، وهناك معلم آخر قريب يستحق الزيارة وهو “تايهوان”، منزل الشاي التابع لحكومة المدينة، والواقع مباشرة مقابل قاعة فينيكس الشهيرة في المعبد. ويحمل اسمه معنى “الصومعة المقابلة لفينيكس”.

يمكن للزوار الاستمتاع بتجربة فريدة من نوعها تتمثل في مشاهدة تحضير وتقديم شاي الماتشا.

يُحضَّر الشاي ويُقدَّم وفقًا لطقوس الشاي اليابانية التقليدية المعروفة باسم “السادو”، والتي تتضمن مجموعة من الخطوات الدقيقة. يرافق الشايَ نوعٌ من الحلوى اليابانية الموسمية، وتُقدَّم شروحات مبسطة عن خطوات الطقوس من قِبل خبير في فن السادو.

يُقدَّم الشاي في أكواب راكو المصنوعة يدويًا في كيوتو، والتي تُختار تصاميمها بعناية لتعكس روح الفصول — مثل الأكواب المزينة بحبات الأرز في أكتوبر، موسم الحصاد.

لتجربة هذه الطقوس، يجب الحجز مسبقًا. وبعد مشاهدة الخبير وهو يُحضّر كوبًا من الشاي، يمكن للزوار تذوق الحلويات وخفق الماتشا بأنفسهم.

يقدّم هذه التجربة خبراء من مدارس الشاي اليابانية المختلفة، من أبرزها مدرستا أوراسنكي وأوموتسنكي. وقد يلاحظ المتابعون لاختلافات الأساليب، الفروقات الدقيقة في التقنيات بين هاتين المدرستين.

Thumbnail

الطريق الرئيسي المؤدي إلى معبد بيودوين يعج بمحلات الشاي القديمة، والمقاهي، والمطاعم، ومحال الحلويات، ويكتظ بالسياح الذين يتجولون وهم يحملون الماتشا لاتيه، أو المثلجات، أو الحلويات المصنوعة من الشاي.

تتوفر منتجات الشاي بجميع أنواعه — أوراق سائبة، مسحوق، وأكياس — وبأسعار متفاوتة. كما تقدم العديد من المحلات معارض تعليمية مصغّرة لزوارها.

في نوفمبر 2024، أفادت صحيفة كيوتو شينبون أن الارتفاع الكبير في شعبية شاي الماتشا من مدينة أوجي بين السياح الأجانب أدى إلى نقص في المعروض، مما دفع بعض المتاجر إلى فرض قيود على كميات الشاي المسموح بشرائها لكل زبون.

يُعزى الانتشار العالمي الواسع للماتشا جزئيًا إلى شعبيته على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر ملايين الفيديوهات على منصات مثل “تيك توك”، و”إنستغرام”، و”يوتيوب”، تعرض طرق خفق الماتشا وتحضير مشروباته بوسائل جذابة.

تقول ستيفي يوسف (31 عامًا)، وهي زبونة في أحد مقاهي الماتشا في لوس أنجلس وتعمل في التسويق، “أشعر أن جيل زد هو من ساهم بشكل كبير في رواج الماتشا، مستعينًا بوسائل التواصل الاجتماعي كأداة رئيسية.”

ويُعزز من شعبيته تعدد استخداماته في الطهي وصناعة الحلويات، ما يجعله محبوبًا لدى جمهور أوسع من مجرد عشاق الشاي.

ويضيف نيشيكيدا، “بعض الزبائن يحبون ببساطة شربه، وآخرون يفضلون تحضيره بأنفسهم. وكثيرون يشترونه كهدية.”

ويتابع، “أنا شخصيًا مندهش من حجم هذا الانتشار.”

16