شاب عراقي يطوع اللغات الأجنبية في الخط العربي

يترجم الخطاط العراقي الشاب طه دخان عشقه لفن الخط إلى مشروع طموح يحوّل من خلاله الحروف إلى تحف ولوحات فنية، حيث ابتكار خطا جديدا يجمع بين الطابع العربي والآسيوي، ويطمح إلى تطوير أنواع جديدة من الخطوط العربية، مستوحاة من خطوط تقليدية متنوعة.
بغداد - ابتكر شاب عراقي يمتلك قدرة فريدة على تحويل الحروف إلى تحف، خطا جديدا يجمع بين الطابع العربي والآسيوي، ليضيفه بذلك إلى قائمة الخطوط العربية المُهجنة. ويعشق طه دخان الخطوط بكل تنوعاتها، وقد جذب انتباهه الخط الصيني أو الياباني بشكله الغريب، فأراد أن يمزج الثقافتين الشرق آسيوية والعربية معًا.
وكانت الفكرة تتجلى في مخيلة الخطاط العراقي منذ مطلع العام 2015، وذلك بعد انضمامه لجمعية الخطاطين العراقيين، وبدأ في تنفيذ الحروف بمنتصف 2017 وأطلق الخط رسميًا في عام 2019، وفق قوله. واستثمر طه بطريقته ساعات بحث طويلة من أجل تصميم هذا الخط، مشيرا إلى أنه “لم يزر اليابان أو الصين يوما ولم يتعلم لغتيهما خاصة وأنهما تكتبان بالفرشاة".
وتواصل دخان كذلك من أجل اكتمال خطه مع فنانين يابانيين وصينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتعلم منهم كيفية كتابة كلماتهم وحروفهم. وأطلق طه تسمية "نيهو – عربي" على خطه، مستخدما مقطعين، حيث تعني "نيهون" (اليابان) باللغة اليابانية. وقد أخذ المقطع الأول "نيهو” دون حرف النون ليتوافق لفظه مع اللفظ الذي يليه "عربي". وبالتالي، يكون معناه “الخط الياباني العربي" (نيهو – عربي).
ويرى دخان أن أحد مميزات هذا الخط هي أنه "يلهم الناظر بأنه ياباني أو صيني، ولكن بعد التركيز يصبح واضحًا أنه قد كتب بحروف عربية"، موضحا "أول كلمة كتبتها كانت 'حرية' بخط نيهو – عربي، تعبيرا عن الحرية التي وجدتها في هذا الخط الجديد". ولا يتوقف طموح الخطاط الشاب عند هذا الحد، بل يستمر في جهوده لتطوير أنواع جديدة من الخطوط العربية، مستوحاة من خطوط تقليدية متنوعة مثل الخط المسماري والآرامي والهندي.
كما يقوم بنشر بعض أعماله التي اشتقت من تلك الخطوط، حيث يطمح إلى نشر الثقافة العراقية من خلال عدسة فنية، وبدأ في نشر أعمال اقتبسها من الخط الآرامي القديم بفرعه المندائي، حيث يعمل على تكييفها لتتناسب مع الذوق العربي المعاصر. وأطلق دخان نوعين من الخطوط الآرامية العربية الجديدة، وسماهما “ناصوريا” و”دهبا”، يمكن إضافتهما إلى الخطوط المستخدمة في الطباعة الحديثة.
ويعتبر الخطاط جميل محمد في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن “ما يفعله طه، هو ابتكار وخلق جديد في عالم الخطوط العربية الواسع، ورغم كلاسيكية هذا الفن خاصة العربي منه، إلا أن الكثير من الموهوبين تمكنوا من اجتياز مراحل الإبداع بإضافة خطوط جديدة”، مضيفا أن “خط طه ينفع استخدامه في الشركات الإبداعية، لأنه حديث للغاية”.
ويتابع “لم أشهد طوال مسيرتي في عالم الخطوط، خطا هكذا، ما يميزه أن طريقة كتابته واستخدامه تكون عمودية، أي كما طريقة استخدام الخط الياباني، وتحمل نفس الرسوم والخطوط، وهذا يتطلب موهبة عالية، وإبداعا، وذكاء”، لافتا إلى “أننا نطمح أن نرى خطوطا جديدة من قبل طه، تثري اللغة العربية".
واستطاع طه “دمج حضارتين مختلفتين كليا، بكلمة واحدة، وهي العربية واليابانية، فليس من السهل أن يجتمعا، لكنه استطاع فعل ذلك من خلال اللغة، وجعل الكلمة جسرًا يربط بين عالمين”، وفق تعبير محمد. وشغل طه دخان حياته بفن رسم الكلمات وتحويلها إلى لوحات فنية منذ صغره.
وقال دخان لوكالة الأنباء العراقية إن معلمة فنون التربية “هي من اكتشفتني، حيث كانت تطلب مني تقليد اللوحات بالخط الكوفي الفاطمي، وعندما كنت أرسمها لم أكن أعلم كيف يعمل هذا الفن، أي أني كنت أرسم ما أراه ويكون جميلا”. ومن هنا بدأت رحلة طه، حيث أصبح يشعر بأن الخط العربي هو لغته الفنية، وبدأ يتجول في المساجد ويستوحي فن الخط العربي من أغلفة الكتب، لافتا “أصبحت أقلِّد هذه الأعمال رسمًا وليس فقط كخط، وكانت هذه بداية رحلتي في عالم الخط الفني”.
وأوضح “في بداياتي استخدمت جميع الأدوات المتاحة مثل قلم الرصاص والحبر، ولكن مع التطور، اضطررت لشراء أدوات مخصصة للخط العربي، ثم بدأت في صنعها بنفسي في المنزل، باستخدام الحبر والورق والأقلام، حتى أصبح كل شيء في غرفتي يرتبط بالخط، هو من صنعي”. وأكد “تعلمت الخط العربي بمفردي بعدما كانت لديّ معرفة محدودة، حيث بحثت بشكل مكثف واقتنيت الكتب والمفكرات المتعلقة بالخط العربي، وبدأت في دراستها بجهد فردي”، مضيفا “بعد ذلك، تعرفت على مدرسين متخصصين في هذا الفن وطلبت منهم النصح”.
وفي بداية التجارب يواجه الخطاط العراقي صعوبة من أجل إنضاج الخط، وأن تكون لديه قواعد يمكن اتباعها حتى يتمكن من العمل عليها فيظهر الخط بوضوح، مشيرا “لديّ معرفة بأنواع الخطوط العربية كلها. ومع مرور الوقت، أصبحت أتقنها جميعًا”.