شابة فلسطينية ترسم القصص للأطفال المكفوفين

تيماء سلامة فنانة تشكيلية ترسم لوحات مجسمة يمكن للمكفوفين لمسها والإحساس بجمالها.
الثلاثاء 2022/11/22
تجسيم الصور

يستطيع المكفوفون القراءة والكتابة بطريقة برايل، لكن كيف لهم أن يبصروا القصص المصورة التي ينعم بها الأطفال في بداية حياتهم التعليمية، الشابة الفلسطينية تيماء سلامة التي درست الفنون الجميلة رسمت لهم قصصا مجسمة يمكنهم لمسها والإحساس بجماليتها.

غزة (فلسطين) - كيف يزور المكفوف معرضا تشكيليا؟ سؤال طرحته الفنانة الفلسطينية التشكيلية تيماء سلامة على نفسها حين شاهدت فتاة مكفوفة فى أول معارضها تقف أمام لوحة وتحاول محتارة معرفة كنهها.

منذ ذلك الحين قررت أن تعمل على تقنية جديدة تعتمد على رسم لوحات مجسمة يمكن للمكفوفين لمسها والإحساس بجماليتها طالما يمتلكون البصيرة، فكانت عينًا للمكفوفين لإبصارهم وتذوقهم اللوحات الفنية وقراءة القصص المصورة.

وبدأت تقضي ساعات طويلة في مرسمها الذي هيأته فى غرفة فوق سطوح بيتها، لا تمل من الجلوس، لتنتج لوحة مرسومة ومنحوتة تضم كلمات أسفلها تعبر عن محتواها بشكل مبسط.

وبدأت الشابة ذات الـ25 ربيعًا ترسم القصص المصورة واللوحات للمكفوفين وتعرضها عليهم، قالت، “بدأت العمل بعد أن تفاجأت بعدم وجود أي عمل فني لفئة المكفوفين في قطاع غزة، فحاولت التفكير في عمل فني يُمكن هذه الفئة من التفاعل مع قصص الأطفال”.

وتؤكد أنها “بحثت بدقة عالية عن القصص الشعبية التراثية التي سردتها النساء الفلسطينيات على مدار سنوات طويلة، وبقيت حاضرة حتى يومنا هذا، واكتشفت أن قصة الحطاب والشجرة مناسبة لمشروعي الفني الأول المخصص لذوي الإعاقة البصرية”.

وأضافت، “بدأت في رسم السكتشات واختيار عدد الصفحات، وصولاً إلى نحت الرسومات وصب القوالب”.

وبينت تيماء أن قصة الحطاب والشجرة يمكن إنتاج عدد لا محدود منها لفئة المكفوفين على عكس قصص أخرى لا يمكن عمل نسخ منها، مؤكدة قدرة المكفوفين أنفسهم على إنتاج هذه القصة من خلال صب القوالب والكتابة بلغة برايل.

وقالت، “بالرغم من أن العالم الفرنسي لويس برايل فتح الباب أمام المكفوفين لمعرفة القراءة عن طريق الحروف البارزة على الورق، ظلّت هذه الطريقة مقتصرة على القراءة، وبقي حرمان المكفوفين من التمتع بالفن التشكيلي، ومجاله الأبرز الرسم، حلماً بعيد المنال عن المكفوفين، وهنا عزمتُ على أن أخلق فناً جديداً يتذوقه المكفوفون من دون الحاجة إلى مساعدة الآخرين ليلمسوا جمال اللوحات”.

رحلة مليئة بالتحديات
رحلة مليئة بالتحديات

وأضافت “أفرح كثيرا عندما أراهم يفهمون لوحاتي وقصصي دون أي شرح من قبل الآخرين، وينسج خيالهم أفكارا لشكلها، فأستطيع أن أرى من تخيلهم مئات الأشكال للوحة واحدة”.

وما ساعد تيماء في إنجاز هذه الأعمال الفنية للمكفوفين هو دراستها في كلية الفنون الجميلة، إذ درست جميع أنواع الفنون، ومن ضمنها النحت، تقول “من  خلال تحويل الطين إلى فن ذي جمالية خاصة، قررت أن أُبدع في مجال فن النحت “الريليف” لأجسد لوحاتي بالرسم والنحت ضمن إطار يخرج عن المألوف، ويعطي قيمةً أكبر للوحاتي، والهدف الأسمى هو إنتاج فن للمكفوفين لدمجهم في المجتمع الفلسطيني، كونهم فئة راقية، ولديهم طاقة كبيرة من التميز والإبداع”.

وحول الصعوبات التي واجهتها أشارت تيماء سلامة إلى أن مجرد التفكير في إنتاج هذا العمل كان بمثابة رحلة مليئة بالتحديات، بالإضافة إلى أن انقطاع الكثير من المواد بعد فترة من استخدامها كان من أبرز الصعوبات، الأمر الذي جعلها تلجأ إلى مواد موجودة في الحياة اليومية مثل الطين والصلصال والجبس.

وأكدت سلامة أن طموحها لن يتوقف عند إنتاج هذه القصة وستواصل عملها في إنتاج المزيد لفئة المكفوفين، بالإضافة إلى طموحها للمشاركة في المعارض العربية والدولية.

وتستعد اليوم لتصميم حكاية جديدة، تتلاءم مع احتياجات ذوي الإعاقة البصرية من الصغار، وتقول إن عملها القادم حظي بدعم ثقافي من خلال منحة مقدمة من المركز الفرنسي الثقافي في غزة.

وأضافت، “إن القصة الفنية الثانية ستكون شيقة حتى للمبصرين، لأنها ستصمم بتقنية عالية تختلف عن سابقتها، ومواد مغايرة من الصلصال لاستخدامها في فن النحت، إضافة إلى تزويدها بخلاصة خبرات وتجارب سابقة”.

وبفضل الشابة الفلسطينية، أصبح الأطفال المكفوفون يمتلكون القدرة على تصفّح قصص كتبت خصيصا لهم، بلغة تمكنهم من قراءتها بسلاسة مطلقة، فيما بات باستطاعتهم تخيل أشكال أبطالها، من خلال تحسس مجسمات فنية تصف شخصياتهم.

20