سيناريو فيلم "دون" يشفى من لعنة عمرها خمسة عقود

المشروع الذي وضعه الفرنسي أليخاندرو جودوروفسكي يباع بثمن فاق التوقعات.
الأربعاء 2021/11/24
نجاح الفيلم أحيا السيناريو القديم

تكرست عبر عقود من تاريخ السينما لعنة رواية “دون” التي فشل كثير من المخرجين في مقاربتها واقتباسها سينمائيا، ولعل أشهرهم الفرنسي المولود في تشيلي أليخاندرو جودوروفسكي، الذي كان من المخرجين البارزين في سبعينات القرن الماضي، وقد أخفق في مشروع اقتباس ضخم لهذه الرواية كرّس نفسه لإنجازه بين عامي 1973 و1977، لكن السيناريو الذي وضعه للفيلم عاد هذه الأيام ليشهد نجاحا باهرا.

باريس – بيعَ السيناريو المرسوم لمشروع الفيلم الذي كان المخرج الفرنسي المولود في تشيلي أليخاندرو جودوروفسكي ينوي اقتباسه من رواية “دون” في مقابل حوالي ثلاثة ملايين دولار خلال مزاد أقامته دار “كريستيز” في باريس الاثنين، وهو مبلغ أكبر بكثير من المتوقع.

وكانت الدار خمّنت هذا الكتاب الكبير العائد إلى منتصف سبعينات القرن الماضي والذي يعني الكثير لهواة الخيال العلمي “بما بين 25 ألف يورو و35 ألفا”، لكنه بيع لقاء 2.66 مليون يورو (2.99 مليون دولار) مع احتساب النفقات.

على غرار الرواية المقتبس عنها يغوص الفيلم في عمق المستقبل على بُعد الآلاف من السنين فيما يسمى بأوبرا الفضاء

نجاح السناريو الفاشل

لاحظت “كريستيز” أن “التخمين كان يفترض أن يأخذ في الحسبان واقع السوق التي تأثرت بالنجاح الجماهيري الذي يحققه راهنا فيلم ‘دون‘ للمخرج الكندي دوني فيلنوف”.

وعلى غرار الرواية المقتبس عنها يغوص الفيلم في عمق المستقبل على بُعد الآلاف من السنين لكننا نعود في ذات الوقت إلى جذرنا المكاني الماضوي الممثل في الصحراء، وعلى تلك البقاع المقفرة إلا من عصف الرمال سوف تتنازع الأقوام على ثروة نفيسة لا تقدّر بثمن، ألا وهي التوابل، على افتراض أنها مواد تشفي البشر وتمدّ في أعمارهم وتمنحهم طاقة استثنائية، وحتى أنه من دونها لا يمكن فتح ممرات لدخول الفضاء، ولهذا لن تستغرب نشوب الحروب والصراعات لوضع اليد على تلك الثروة الفريدة والتي تعيدنا إلى ثنائية البترول/ الصحراء لكن من خلال مقاربة أخرى.

وبعد نجاح الفيلم الجديد الذي ينهي سلسلة من اللعنات التي رافقت اقتباس الرواية سينمائيا سرعان ما أخذت قيمة العروض المالية لسيناريو المخرج الفرنسي ترتفع بعد انطلاق المزاد، ثم انحصرت المنافسة بين اثنين من المزايدين، وهما أجنبيان وشاركا بواسطة الهاتف، وانتهت المعركة إلى ترسية السيناريو على شار أميركي.

ويتضمن السيناريو المرسوم المعروف في اللغة السينمائية باسم “ستوريبورد” رسوما ومخططات لما كان يجب أن يكون فيلما سينمائيا، لكنه لم يرَ النور بسبب نقص التمويل.

وكان من المفترض أن يجمع فريق التمثيل الرسام الإسباني سلفادور دالي والنجم الفرنسي آلان ديلون والمغني البريطاني ميك جاغر والمخرج الأميركي أورسون ويلز.

وتولى تنفيذ هذه الرسوم نجم الشرائط المصورة الرسام الفرنسي موبيوس الذي توفي العام 2012 (واسمه الأصلي جان جيرو)، والرسام السويسري غيغر الذي ابتكر لاحقا الوحش الشهير في فيلم “إيليين” (1979) قبل أن يفارق الحياة عام 2014.

السيناريو المرسوم المعروف في اللغة السينمائية باسم "ستوريبورد" يتضمن رسوما ومخططات لما كان يجب أن يكون فيلما

وكان من المفترض أن يتولى موبيوس وغيغر الإدارة الفنية لهذا المشروع العملاق، وكان الهدف من السيناريو المرسوم “إثارة اهتمام شركات الإنتاج الأميركية الكبرى”، وفقا لدار “كريستيز”.

وأشارت “كريستيز” إلى أن “نسخا قليلة أخرى” متوافرة بحسب علمها من السيناريو المرسوم، “إحداها بيعت في مزاد علني قبل بضع سنوات، فيما يحتفظ جودوروفسكي بأخرى. أما الثالثة فمنشورة جزئيا على الإنترنت”.

وإذ أبرزت “صعوبة معرفة العدد الإجمالي

للنسخ التي طُبعت” من السيناريو، رجّحت أن يكون عددها “ما بين عشر وعشرين”.

أوبرا الفضاء

Thumbnail

كانت لجودوروفسكي الذي تجاوز التسعين اليوم طموحات كبيرة لهذا الفيلم، هو الذي اشتهر بعدد من الأفلام التجريبية، منها “إل توبو” (1970) و”ذي هولي ماونتن” (1973). وذكّرت “كريستيز” بأن جودوروفسكي كان يسعى لفيلم تبلغ مدته “10 إلى 15 ساعة”.

ويعتقد خبراء في السينما أن أفلاما لاحقة مهمة من بينها “ستار وورز” (1977) و“إيليين” و“بلايد رانر” (1982) تأثرت بالأفكار التي كانت تتبلور لفيلم جودوروفسكي.

وشكّلت رواية “دون” الصادرة عام 1965 الجزء الأول من سلسلة روايات خيال علمي مرجعية للكاتب الأميركي فرانك هربرت، وأعادها إلى الأضواء هذه السنة الفيلم الذي اقتبسه منها المخرج الكندي دوني فيلنوف. وكان المخرج الأميركي ديفيد لينش أول من توصل إلى اقتباس الرواية سينمائيا، لكن فيلمه الذي عُرض عام 1984 مُنيَ بفشل تجاري.

وتدور أحداث رواية “دون” (كثيب) للكاتب الأميركي فرانك هربرت في المستقبل بعد أكثر من 20 ألف سنة، بعدما استقرت البشرية في عدد لا محدود من الكواكب الصالحة للسكن، والتي تدار من قبل الطبقة الأرستقراطية العظمى، والتي تدين بالولاء للإمبراطور شادوم الرابع، حيث يعيش إقطاعيو النجوم وطبقة النبلاء، ويسيطرون على كل الكواكب.

وتحكي الرواية قصة بول أتريدس الصغير، ولي عهد ديكو أتريدس الذي سيطرت أسرته على صحراء كوكب أراكيس، المصدر الوحيد لبهارات ودواء ميلانج، وميلانج هي المادة الأكثر أهمية وقيمة في الكون، ما يزيد من أهمية إقطاعية أراكيس.

وفي أجواء مثيرة تصور الرواية واقع البشر بعد الآلاف من السنين من عصرنا، حيث يتنافس ذوو النفوذ والسلطة والقبائل للسيطرة على بهارات ميلانج، وهي عبارة عن مزيج يطيل العمر ويوفر قدرة على توقع المستقبل. تُحصد هذه التوابل على كوكب من الرمال الملتهبة، موبوء بالديدان العملاقة الهائلة، وتطلق عليه تسمية “أراكيس” أو “دون”.

ومن خلال أول الأجزاء الستة من سلسلة “دون” وضع هربرت عام 1965 أسس “أوبرا الفضاء” التي أصبحت عملا رئيسيا في مجال الخيال العلمي، وكان له تأثير كبير وخصوصا في سلسلة أفلام “ستار وورز” (حرب النجوم).

Thumbnail

واجتذبت قصة الأمير الشاب بول أتريدس الذي أصبح نبي الـ”فريمن”، وهم شعب أراكيس، نحو 20 مليون قارئ اشتروا رواية الخيال العلمي التي أصبحت “الأكثر مبيعا والأكثر قراءة” في العالم، وكذلك أكثر رواية علمية “كُتبَ عنها أو دُرِسَت وخصوصا في إطار العمل الجامعي”، حسب توضيح الباحث في المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا رينو غيليمين، وهو أحد أبرز هواة “دون” في فرنسا وشارك في مراجعة ترجمة هذه الرواية التي أصبحت من كلاسيكيات الأدب العالمي.

ولاحظ أن ما تخيلته هذه الرواية “أبهر أجيالا من القراء”، كديدان الرمل، والعرق المعاد تدويره، أو الـ”بيتي جيسيريس”، وهي جماعة من المقاتلات القادرات على التأثير من خلال الفكر.

ولم يقف نجاح الرواية عند حد إلهام السينمائيين، بل كانت مصدر إلهام كذلك لبعض الأغاني الموسيقية وألعاب الكمبيوتر وسلسلة من الأعمال المعتمدة على نفس الأصل، والتي شارك في كتابتها كيفن أندرسون جاي وابن الكاتب براين هربرت بداية من عام 1999.

ويرى عشاق هذه الرواية فيها عملا رؤيويا تناول استباقيا ما أصبح لاحقا قضايا العصر كالاحتباس الحراري والنفوذ الكبير لشركات التكنولوجيا العملاقة المعروفة بـ”غافا” والأثر الواسع للتكنولوجيا.

14