سيناريوهات من "خارج الصندوق" لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي

التمسك بمبادرة السلام العربية لا يزال حاضرا بقوة لحل النزاع.
الاثنين 2021/02/15
من يدفع قطار عملية السلام المتعثرة

الجمود المستمر منذ سنوات بشأن وضع قطار التسوية “الموعودة” للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على السكة، في ظل ضعف الدور الأميركي لحل تلك المشكلة المزمنة التي تبث الإحباط والتشاؤم في شرق أوسط شديد التوتر على الرغم من الآمال العريضة في أن تشكل “اتفاقيات أبراهام” نقطة بداية جديدة لإحلال السلام الشامل في المنطقة، تدفع إلى التفكير في إيجاد سيناريوهات بديلة من “خارج الصندوق” قد يرسم أحدها طريقا للتسوية الدائمة إذا ما حظي بدعم دولي قوي.

واشنطن – ظلت القضية الفلسطينية في صدارة الأجندة العربية لعقود طويلة، قبل أن يتم تفكيك الصراع العربي الإسرائيلي، وتحجيمه في أن يكون صراعا فلسطينيا – إسرائيليا نتيجة انشغال أغلب البلدان العربية بقضاياها الداخلية الأمنية والاقتصادية والسياسية بسبب تأثيرات “الربيع العربي”.

ومع أن البعض ينظر إلى “صفقة القرن”، التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وما تلاها من اتفاقيات لتطبيع العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، على أنها قد تكون منعطفا لرسم تسوية شاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة وأن واقعية إدارة الرئيس جو بايدن بشأن ذلك دفعتها إلى الإشادة بتلك الخطوة مع بعض التحفظات في كيفية تنفيذ الخطة.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد أكد الشهر الماضي أن بايدن لن يعود عن قرار إدارة ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس. وقال حينها إن الرئيس “يؤمن بأن التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في النزاع هي حل الدولتين”.

لكن ثمة باحثين أعدوا دراسة خلصوا فيها إلى أن الشكوك لا تزال تحوم حول حل الدولتين للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهو حل يهمن على الجهود الدولية منذ عقود، ما يدفع إلى التساؤل حول أي من البدائل، إذا توفر يمكن أن ينجح إن حظي بالدعم الملائم من جانب المجتمع الدولي.

بدائل لحل النزاع

  • استمرار الوضع الراهن الذي ظهر في أعقاب اتفاقات أوسلو عام 1993
  • تأسيس كنفيدرالية تنشأ بمقتضى اتفاق من دولتين (إسرائيل وفلسطين) أو 3 دول (إسرائيل والضفة الغربية وغزة)
  • ضم إسرائيل أجزاء من الأراضي التي استولت عليها أثناء حرب 1967 على أن يتمتع الفلسطينيون بحكم ذاتي
  • دولة واحدة تضم كل الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط أو معظمها

بدائل لتسوية الصراع

تحاول دراسة “بدائل في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني”، التي أعدّتها مجموعة من الباحثين المتخصصين في هذا المجال من مؤسسة البحث والتطوير الأميركية (راند)، توضيح البدائل الممكنة لتسوية هذه القضية، واستشراف الاحتمالات المستقبلية للصراع، بالإضافة إلى عرض الخيارات المتاحة لنتائج الصراع المتوقعة على المدى الطويل.

وشارك في إعداد الدراسة كل من الباحثيْن الاقتصاديين دانيال إيغل، وسي. روس أنتوني، والمتخصصة في تحليل سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، شيرا إيفرون، وريتا تي. كرم وهي كبيرة الباحثين في مجال السياسات، وماري فايانا كبيرة محللي الاتصالات، والسفير المتقاعد تشارلز رايس، الذي تتركز أبحاثه على اقتصاديات التنمية والتجارة.

ويعرض الباحثون خمسة سيناريوهات متوقعة مع تحديد مزايا تلك السيناريوهات المختلفة اقتصاديا وأمنيا للطرفين، وكذلك أهم الخسائر التي قد تلحق بالطرفين في حال عدم تنفيذ أي سيناريو، بالإضافة إلى توضيح أفضل سيناريو محتمل في مسار الصراع، خاصة في ظل التوترات الكبيرة بمنطقة الشرق الأوسط، وضرورة الوصول إلى حل في وقت قريب.

وقام الباحثون بمقابلات مكثفة في المنطقة لجمع بيانات كمية ونوعية في شأن إمكانية النجاح بالنسبة إلى خمسة بدائل هي، الوضع الراهن، وحل الدولتين، والكنفيدرالية، والضم، وحل الدولة الواحدة.

شملت الدراسة التعرف على آراء مفصلة لأكثر من 270 شخصا من فلسطينيي الضفة الغربية، وفلسطينيي غزة، واليهود الإسرائيليين، والعرب الإسرائيليين، في الفترة ما بين يوليو 2018 ومايو 2019.

ووفقا للدراسة فإن أول هذه البدائل هو استمرار الوضع الراهن الذي ظهر في أعقاب اتفاقات أوسلو عام 1993، وهي مجموعة من الاتفاقات التاريخية التي بدأت عملية سلام بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية. واتسم الوضع الراهن بحكم ذاتي محدود، وتحكم أمني إسرائيلي متزايد، وتوسع مستمر في عدد المستوطنات.

والبديل الثاني هو حل الدولتين، وهو البديل المفضل لدى المجتمع الدولي منذ عقود. ويشمل هذا الحل إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، وتكون الحدود على أساس حدود ما قبل 1967 مع تبادل للأراضي لتعويض أراضي الضفة الغربية التي ستحاول إسرائيل من خلالها الحد من إزالة المستوطنات، وكذلك إقامة بنية مواصلات لضمان حرية حركة الفلسطينيين داخل دولتهم الجديدة، وإصدار قرار بشأن وضع القدس، والتوصل إلى طريقة مقبولة من الجانبين بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين.

أما البديل الثالث فيتعلق بتأسيس كنفيدرالية بمقتضى اتفاق يكون إنشاؤها من دولتين (إسرائيل وفلسطين) أو ثلاث دول (إسرائيل والضفة الغربية وغزة) مستقلة وذات سيادة تتعاون في ما بينها بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك عن طريق حكومة فيدرالية واحدة.

ويتعلق البديل الرابع بالضم، حيث تقوم إسرائيل بمقتضاه بضم بعض الأجزاء من الأراضي التي استولت عليها أثناء حرب 1967، ما يزيد من حجم أراضي إسرائيل، وفي ظل هذا البديل يحتفظ الفلسطينيون بحكم ذاتي مثل الوضع الراهن حيث تكون لهم السلطة على القضايا المحلية والأمن الداخلي، رغم أنه من المحتمل أن تكون الأراضي التي سيمارس الفلسطينيون فيها السلطة غير مترابطة ويهيمن عليها عدد ضئيل من المراكز الحضرية.

ويقضي البديل الخامس الخاص بالدولة الواحدة بأن تكون هناك دولة واحدة تضم كلّ أو معظم الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. وتختلف الاقتراحات المتنوعة لحل الدولة الواحدة بالنسبة إلى افتراضاتها في ما يتعلق بالطابع الديمقراطي للدولة الجديدة وما إذا كانت ستشمل غزة.

الحل الأقرب إلى التطبيق

Thumbnail

لم يحظ أي من هذه البدائل بالقبول من أغلبية الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء – مع أن حل الدولتين هو البديل الأكثر قبولا للتطبيق سياسيا وينسجم مع مبادرة السلام العربية – رغم أن كل الفئات الأربع التي شملتها الدراسة أبدت شكوكها تجاهه.

وكان الوضع الراهن هو البديل المفضل من جانب اليهود الإسرائيليين ولكن قوبل بنفور شديد من جانب الفلسطينيين. أما البديل المفضل لدى فلسطينيي الضفة الغربية فقد كان حل الدولتين، بينما كان تفضيل فلسطينيي غزة لحل الدولة الواحدة أكثر بدرجة طفيفة من حل الدولتين.

وتبرز بيانات الدراسة عدم الثقة العميق والعداء الشديد لدى كل جانب تجاه الآخر. وأوضح عرب إسرائيل والفلسطينيون أن كل البدائل منحازة لصالح اليهود الإسرائيليين.

ومن الصعب تخيل حدوث تغيّر فى الاتجاهات الحالية وما يمكن أن تحققه ما لم تظهر قيادة قوية وشجاعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والمجتمع الدولي، لديها رغبة في تحقيق مستقبل أفضل للجميع.

وأوصت الدراسة بأنه نظرا إلى احتمال أن يكون عدم الثقة بمفهومه الواسع هو أكبر عقبة أمام تحقيق السلام، فإن المشاركة الدولية التي تغرس التفاؤل والحماس لتحقيق السلام بين جميع الأطراف أمر ضروري، وينبغي أن تشمل ضمانات أمنية واقتصادية وإجراء حوار عام لتوجيه وتطوير التفكير بشأن البدائل المحتملة وتداعياتها.

ويشير الباحثون إلى أنه لن يكتب النجاح لأي بدائل للوضع الراهن دون حدوث تحوّل في السياسات المحلية والدولية، والوضع الراهن، رغم نتائجه طويلة الأمد المحتملة، هو الخيار المفضل لدى يهود إسرائيل حاليا، ومع ذلك فإن هناك تأييدا قويا لحل الدولتين منهم.

من الصعب تخيل حدوث تغيّر فى الاتجاهات الحالية وما يمكن أن تحققه ما لم تظهر قيادة قوية وشجاعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والمجتمع الدولي، لديها رغبة في تحقيق مستقبل أفضل للجميع.

ومن المرجح أن يكون التعريف بأنواع الحوافز التي يمكن توفيرها محليا ودوليا، لتشجيع الإسرائيليين على الاستعداد لاستكشاف حل الدولتين، أمرا مهما لنجاح ذلك البديل. وذكرت الدراسة أيضا أنه من المرجح أن يكون تقديم ضمانات دولية للفلسطينيين أمرا ضروريا لأي حل سلمي للصراع.

ومن الممكن أن يؤدي تنوير الإسرائيليين والفلسطينيين إلى اتخاذ القرار بصورة أكثر واقعية، فقد صرح بعض المشاركين في الدراسة أن المناقشات الثرية خلالها أتاحت لهم اتخاذ قرار أكثر استنارة في ما يتعلق بالبديل المفضل لديهم، وذكروا أن هذه المناقشات أدت إلى تأييدهم لبديل مختلف في نهاية المطاف.

ومن ثم، فمن المرجح أنه من الضروري أن تكون هناك حملة معلومات أوسع نطاقا بشأن القضايا الشائكة في الصراع، بما في ذلك المجالات الملموسة للتعاون مثل المياه والطاقة، وشبكات الطرقات.

ومع ذلك ستكون هناك حاجة ملحة إلى مزيج من الضمانات الاقتصادية والأمنية بالنسبة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء حتى يتمكنوا من التوصل إلى حل سلمي للصراع.

7