سيناء خالية من الإرهاب: تطور عسكري لا يكتمل دون انجاز تنموي

القاهرة – أثارت العملية التي استهدفت رجال شرطة الأحد قرب القاهرة، وتبنّاها تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، وقبله تبنّاها تنظيم آخر يدعى “المقاومة الشعبية”، انتقادات حادة وجدلا واسعا وزادت من حالة الاستقطاب في الشارع المصري.
وكان محور الجدل بالأساس تقييم الأداء الأمني للقوات المصرية وصحّة التقارير التي تتحدّث وتكرّر، في أكثر من مناسبة، عن قرب اجتثاث عناصر تنظيم الدولة الإسلامية من سيناء، وسط التباس في استراتيجية مقاومة هذا التهديد الذي ما إن يهدأ حتى يعاود التصاعد مرة أخرى.
وكشف مصدر أمني مصري لـ “العرب” قرب القضاء على نشاط تنظيم داعش في سيناء بعد حوالي ثلاث سنوات من المواجهات العنيفة مع قوات الأمن في مصر. وسبق أن أطلق المسؤلون المصريون تصريحات مماثلة من قبل، لكن المصدر يؤكّد أن كل ما تم تداوله صحيح. وأضاف أن ما تبقى من تنظيم ولاية سيناء الذي يعد الفرع المصري من تنظيم الدولة الإسلامية أطلق قبل أيام ما يشبه “نداء الاستغاثة” لباقي الدواعش في المنطقة للحصول على دعمهم في مواجهة الهزائم المتتالية أمام الجيش المصري.
يفكّ هذا التطور الكثير من الألغاز المتعلقة باستمرار العمليات الإرهابية في سيناء من حين لآخر، ومحاولات نقلها خارج شبه الجزيرة، التي تعتبر المركز التقليدي للجماعات الجهادية في مصر والمنطقة عموما، عبر عمليات نوعية تتم على فترات في القاهرة.
ولفت طلعت مسلم، الخبير العسكري، إلى أن الأجهزة الاستخباراتية والأمنية نجحت بشكل كبير في توجيه ضربات عنيفة وقاصمة للتنظيمات الإرهابية في سيناء، وأوضح أن ما تم دليل على نجاحها في الاختراق ورصد شبكتها التنظيمية، وتوفير قدر كبير من المعلومات حولها.
|
وأنصار بيت المقدس أحد التنظيمات المنتشرة في سيناء، والتي تكثّف وجودها بعد 2011، منها تنظيم الرايات السوداء والجهادية السلفية والتكفير والهجرة وأنصار الجهاد وجيش الإسلام. وفي السنتين الأخيرتين، تكثّفت عمليات قوات الجيش المصري في سيناء بما أفقد هذه التنظيمات توازنها.
وعلمت “العرب” من مصادر أمنية مصرية أن أغلب مسؤولي المجموعات القتالية، أو ما يطلق عليهم “أمراء الحرب وحاملو الرايات”، من أصحاب النشاط الجنائي ما سهل مهمة التعرف عليهم لوجود سجلات سابقة لهم لدى الأجهزة الأمنية.
ومن العوامل الأخرى التي ساعدت على نجاح الأمن المصري في اختراق التنظيمات المتطرفة، استئجار الجيش المصري قمرا صناعيا أوكرانيا لرصد تحركات قادة الجماعات الإرهابية على الأرض في سيناء، كما اعتمد على أجهزة حرارية أميركية جديدة لرصد تحركاتهم الليلية.
واكتملت منظومة النجاح بعدما تمكنت وحدة الحرب الاليكترونية التابعة للجيش الثاني الميداني من اختراق شفرات الاتصالات بين الإرهابيين، حيث تم التوصل لمصدر أجهزة اللاسلكي الحديثة التي يستخدمونها من تركيا المتهمة بالتورط في دعم العمليات الإرهابية في مصر ودول أخرى.
واستخدم الإرهابيون، أيضا، شبكة اتصالات إسرائيلية يمتد مجال تغطيتها إلى ما يزيد على 20 كم داخل سيناء، على أمل أن تبقى بعيدة عن إمكانية رصد الاتصالات عبر الشبكات المصرية.
لكن القوات المسلحة التي قامت عقب تولي الفريق أسامة عسكر القيادة الموحدة للعمليات العسكرية في سيناء بتغيير كافة أجهزة اللاسلكي لديها بأخرى حديثة روسية الصنع تمكنت من رصد وتتبع اتصالات قادة التنظيمات المتطرفة. وأمّنت تلك الأجهزة الحديثة التي تتمتع بموجات شديدة التعقيد يصعب اختراقها غطاء قويا للعمليات العسكرية للقوات المسلحة المصرية لتحقق العديد من النجاحات في الفترة الأخيرة.
يقرأ هاني الجمل، رئيس مركز الكنانة للدراسات السياسية والاستراتيجية، هذه التطورات مشيرا في تصريحات لـ”العرب” إلى أن واقع العمليات العسكرية في سيناء بين القوات المصرية والجماعات الإرهابية تغير تماما في الفترة الأخيرة. وحدد الجمل عاملين إضافيين لحدوث التغيير إلى جانب العوامل التي سبق ذكرها، هما: التنسيق القوي مع قبائل سيناء التي تحولت لدعم العمليات العسكرية للجيش المصري وقاومت تجنيد بعض أبنائها ضمن الجماعات المتطرفة كما كان يحدث.
ويتعلّق العامل الثاني بالتنسيق المصري مع حركة حماس التي تسيطر على غزة لضمان عدم تورطها في إيواء العناصر الإرهابية فضلا عن تسليم حوالي 12 قيادة لاذت بغزة.
منذ عام 2016 تم تسجيل تفوقا ملحوظا للجيش بداية من تصفية شحاتة فرحان المسؤول الأول عن خريطة التفجيرات في سيناء
وأوضح هاني الجمل أن عام 2016 منذ بدايته شهد تفوقا ملحوظا للجيش المصري بداية من تصفية شحاتة فرحان المسؤول الأول عن خريطة التفجيرات في سيناء، والذي يعد الساعد الأول لرئيس التنظيم في سيناء.
وقال إن هناك تخطيطا جيدا من الجيش لقطع خيوط التواصل بين التنظيم في سيناء وأعوانه في الخارج، لدرجة أن التنظيم الأم لم يعد يعلن تبعية ولاية سيناء له بسبب تكبده خسائر متلاحقة على الأرض.
تتسق هذه المعلومات مع بعض التقارير التي ذهبت إلى أن عشرات العناصر وبضع قيادات من تنظيم أنصار بيت المقدس فروا من سيناء إلى ليبيا خلال الشهور الثلاثة الماضية، بحثا عن ملاذ آمن بعد أن ضيّق الجيش المصري الخناق عليهم.
لكن، رغم هذا التقدّم الذي تحقق لفائدة الجيش المصري، يبقى الخطر قائما في ما لم يتمّ التعامل مع مسبّباته الرئيسية والتي يأتي على رأسها التهميش وغياب التنمية عن هذه المنطقة، بما يجعل تحوّلها إلى بؤرة توتّر أمرا سهلا، مقارنة بعملية تطهيرها من هذا الخطر.
وقال بعض المراقبين إن المساهمة الحكومية، وأيضا الخارجية، على غرار ما قدّمته السعودية، في تنمية سيناء تؤكد أن تنميتها تصب في صالح الأمن القومي العربي، وهناك بيئة تساعد على ذلك من خلال مد يد العون للحكومة لمساعدتها على التنمية، على غرار ما تم سابقا في مدينة شرم الشيخ جنوب سيناء، حيث تبرع الأهالي بأراضيهم للحكومة المصرية لتعميرها.