سيلفي الهواتف الذكية لا يكفي

مقديشو - عشرات الشباب من هواة التصوير، يجوبون المنتزهات العامة في العاصمة الصومالية مقديشو، ليعرضوا على روادها مهاراتهم في التقاط الصور بكاميراتهم الرقمية.
صور يوثّق من خلالها الأصدقاء والعائلة والأحباب وجودهم بالمكان وذكرياتهم الجميلة، ويحصل مقابلها هؤلاء الشباب على مال يشكل دخلا يواجهون به البطالة، مستفيدين في كل ذلك من ارتفاع عدد المقبلين على زيارة المنتزهات، مع تحسن الوضع الأمني في العاصمة.
وزاد تحسّن الوضع الأمني من اهتمام سكان مقديشو بزيارة الحدائق العمومية والفضاءات العامة، حيث يقتنصون لحظات هدوء مع الأهل والأصدقاء، بعيدا عن روتين المنازل المغلقة، وترويحا عن النفس.
عبدالفتاح أحمد، أحد المصورين الذين يجوبون يوميا حديقة السلام في مقديشو، يعتبر أن “الحدائق العمومية في العاصمة باتت تشكل مصدر رزق بالنسبة إليّ وإلى البعض من المصورين الآخرين”. وأضاف أحمد “هنا، نعرض مهاراتنا في التصوير والعمل للزوار الذين يحتاجون إلى التقاط الصور في الحدائق الخضراء الجميلة”.
وتابع “مهاراتنا في التصوير باتت مهددة بسبب البطالة، لكن انتشار الحدائق أعاد لنا بصيصا من الأمل”. وأردف “نقضي معظم وقتنا في هذه الحدائق، لتلبية مطالب زوار لا يعودون إلى منازلهم دون صور جميلة سواء كانت تذكارية أو لمشاركتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
في ساحة حديقة السلام تشكّل الساحات الخضراء والأزهار الجميلة التي تتوسطها نافورة مائية، لوحة ساحرة تزيد من روعة وأناقة المكان، وتستقطب هواة التصوير ممن يجدون في ذلك خلفية رائعة لصورهم.
ياسمين عبدي علي وصديقتها، هما أيضا من عشاق التصوير الرقمي في الحديقة. كانت ياسمين تحث الخطى مسرعة نحو إحدى الزوايا المفضلة لديها في الحديقة، وفي يدها سلة صغيرة.
لوحات ساحرة في حديقة السلام تستقطب هواة التصوير كخلفية رائعة لصورهم
وبابتسامة لم تفارقها، قالت “ننتظر بفارغ الصبر قدوم نهاية الأسبوع، من أجل تخصيص ساعات في تفاصيل حياتنا، لالتقاط الصور وسط هذه الحديقة المصممة بشكل رائع”. ومضت قائلة “نعتمد على كاميرا رقمية في الأماكن الجميلة بدل استخدام كاميرات الهواتف المحمولة التي كنا نعتمد عليها كثيرا، حيث يختار المصور الزاوية المفضلة لالتقاط صور جميلة”. وبحسب رواد الحديقة، فإن سبب عزوفهم عن كاميرا الهواتف الذكية يكمن بالأساس في مشكل الإضاءة في الأماكن المفتوحة، ما دفع الكثير منهم إلى تفضيل الكاميرا الرقمية، فضلا عن عدم توفر الهواتف الذكية للكثيرين.
ديقة عبدي محمد إبراهيم اختارت قضاء يومها في الحديقة، طمعا في الاستجمام والهروب من صخب الشارع وروتين المنزل. تقول، وهي تنتظر مصورا أسرع باتجاهها لالتقاط صور لها، إن “أجمل الصور في هذه الحديقة هي تلك التي تجمع الأسر”. ولفتت إلى “أن كاميرا الهواتف لا تناسب الصور الجماعية، ولهذا أنتظر دوري للحصول على خدمات المصورين المحترفين”.
كما أشارت إلى أنها تحتفظ في هاتفها بالعديد من الصور التي تعكس يوميات قضتها في حدائق العاصمة مع أسرتها، لكنها هذه المرة تفضل الحصول على صورها مطبوعة، تفاديا لاحتمال خسارتها في حال تعطل هاتفها. أما في ما يتعلق بأسعار الصور فالأمر يختلف حسب الطلب، حيث يبلغ سعر 3 لقطات من الصور 12 ألف شلن صومالي (ما يعادل نحو نصف دولار)، بينما يناهز سعر الصورة الجماعية 16 ألف شلن صومالي، أي ما يعادل نحو 0.8 دولار. في إحدى زوايا الحديقة يعمل المصورون مثل خلية نحل؛ يقوم بعضهم بإرسال الصور إلى أصحابها عبر البلوتوث أو التطبيقات الحديثة، فيما ينهمك آخرون في طباعة الصور وتسليمها مباشرة لأصحابها.
ويقول أحمد نور -أحد المصورين- “الواقع مختلف تماما عما يتخيله البعض”. وأضاف “لقد بدأنا مشوار هذه المهنة المتواضعة، ونخشى غزو الهواتف الذكية التي كادت تزيح الكاميرات الرقمية في مثل هذه المجالات، بسبب إدخال تحسينات على هواتف آيفون الجديدة، التي تلتقط صورا عالية الجودة، لكن الأمر ما زال في صالحنا”.
ولفت نور إلى أن الطلبات فاقت قدرة المصور الواحد، ما اضطره ومصورين آخرين إلى تأسيس شركة “سويال” للتصوير داخل الحديقة، من أجل توفير خدمة التصوير للزوار.
وعن عدد المصورين الذين يعملون في الحديقة، قال إن عددهم يناهز الـ16. ووفق مصورين آخرين، في تصريحات متفرقة، ليست المنتزهات متنفسا للأسر والأصدقاء فحسب، إنما يرتادها أيضا خريجو الجامعات ممن يريدون التقاط صور جماعية. كما يقصدها أيضا المقبلون على الزواج لالتقاط صور والتنزه قبل موعد زفافهم، وينشرون الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويفضل بعض الزبائن الصور المطبوعة في الحدائق العامة، كونها الوسيلة القديمة لحفظ الصور، من خلال إنشاء ألبوم صور بدلا من حفظها في الهواتف، وهو ما يجعل الكثيرين يفضلون صور الكاميرات الرقمية.
وفي الوقت الذي تنتشر فيه الحدائق العمومية في العاصمة مقديشو، تنشط الأسواق المحلية لبيع الكاميرات الرقمية بمختلف أنواعها.