سيكون استسلام السعودية للإرهاب هو البديل

مَن ظنوا أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تُسجن في قمم حادث عرضي كانوا مخطئين، لا في تقديراتهم لموقع وحجم المملكة فحسب، بل وأيضا في فهمهم للمعادلات السياسية الدولية.
السعودية ليست دولة صغيرة. هي ليست جزيرة معزولة. كما أنها ليست ابنة اللحظة التي يُراد لها أن تشكّل تاريخا ملفّقا. السعودية دولة كبيرة بعلاقاتها الدولية المتشعبة سياسيا واقتصاديا وثقافيا. ما لا يُعرف من تلك العلاقات أكبر بكثير مما يُعرف. ذلك لأنها دولة لا تعتمد مبدأ الإشهار والتباهي والاستعراض.
في كثير من الوقائع التي كان لها تأثير كبير في مصير المنطقة كانت السعودية حاضرة بقوة. بل إنّ جزءا من تاريخ المنطقة لم يكن ممكنا لولا ذلك الحضور الذي كان عنصرا مؤثرا على المستوى الدولي.
لقد خُيّلَ للبعض بسبب الجهل وضعف الذاكرة وفقر الخيال وغياب الحكمة أن السعودية ذات الحنكة في سوق التعاملات السياسية ستفقدها عثرة غير مقصودة شيئا من خبرتها في التعامل مع المفاجآت التي يمكن اعتبار وقوعها أمرا متوقّعا وليس فيه ما يضرّ.
ما لم يعرفه ذلك البعض عن السعودية هو أنها واجهت في الماضي الكثير من الأوقات العصيبة، واستطاعت أن تخترقها وتخرج منها سليمة ومتماسكة وأكثر قوة. ذلك لأنها اعتمدت دائما لغة سياسية صعبة. ميزة تلك اللغة أنها لم تكن يابسة لتنكسر.
على المستوى العالمي كانت لغة السعودية نضرة وعملية، لذلك كان صوتها مسموعا دائما في المحافل الدولية وفي مراكز القرار. كل ذلك كان معروفا من غير الحاجة إلى أن يؤكده وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في تصريحاته الأخيرة.
غير أنّ ما هو معروف عالميا سعت أطراف مدفوعة من إيران وجماعة الإخوان المسلمين إلى التغطية عليه، من خلال وسائل دعاية صنعت وهما ينسجم مع رغبات مريضة وفقيرة الخيال، حاولت أن تقفز على الحقيقة لتربك من خلال أوهامها المشهد السياسي في المنطقة.
وكما أرى فإنّ التحوّل الشامل الذي تعيشه المملكة العربية السعودية الآن هو المقصود بتلك الحملة التي شاء منظموها أن ينشروا اليأس بين صفوف النخبة المثقفة التي وقفت مع ذلك التحوّل العظيم الذي شهدته السعودية وهي تمضي قُدما في اتجاه تحقيق رؤية 2030.
إنهم لا يريدون سعودية جديدة. وهو ما يعني أنهم لا يريدون عالما عربيا جديدا. فالسعودية اليوم هي رأس الرمح الذي يقاتل من خلاله العرب ظلامية إيران والإخوان المسلمين معا. وهي التي تفتح صفحة تنوير جديدة في التاريخ العربي. وهي التي بإمكانها أن تقدّم للعالم صورة جديدة عن الإنسان العربي المعاصر. هناك حرب معلنة على السعودية تخوضها إيران والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وهما طرفان لا يمكن الاستهانة بهما على مستوى الدعاية لما يمتلكان من تأثير شعبوي.
السعودية من جهتها تعرف أنها تخوض حربا صعبة داخل المنطقة وخارجها. فإذا كانت إيران عدوا، ليس لديه ما يُخفيه، فإن لدى “التنظيم العالمي للإخوان المسلمين” باعتباره عدوا الكثير من الأوراق التي يراهن عليها في حربه الشعواء ضد المنطقة.
لقد طوى ذلك التنظيم الإرهابي دولا تحت إبطه. وتلك دول تملك إعلاما ووسائل دعاية لا يمكن النظر إليهما بخفة. فمن خلال حرب الشائعات المستمرة التي تُشنّ ضد السعودية يتبين أنّ تلك الدول تملك من النظرة العدوانية لمستقبل التنوير في المنطقة ما يجعلها تقف عند المستوى نفسه الذي تقف فيه إيران، بل قد تتفوق عليها.
لذلك لا يُلام المرء وهو يتطلع إلى مستقبل عربي يعلو على الفوضى إذا دافع عن المشروع السعودي الذي يلتقي في نقاط كثيرة مع مشروع دولة الإمارات العربية المتحدة.
من غير ذلك يكون البديل إيرانيّا وإخوانيّا مشتركا. وهو ما يعني الاستسلام للإرهاب.