سيدي بوسعيد التونسية توشح اليونسكو بالأبيض والأزرق

تسير مدينة سيدي بوسعيد التونسية بخطوات ثابتة نحو الانضمام إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو، وذلك بفضل ما تتمتع به من قيمة تاريخية وثقافية تجعلها أحد أبرز المعالم السياحية في تونس والبحر المتوسط.
تونس - تخطو القرية التونسية الساحرة سيدي بوسعيد، الواقعة على بعد 20 كيلومترًا شمال شرق العاصمة تونس، بخطوات ثابتة نحو الانضمام إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وتتمتع القرية بخصوصيات معمارية وثقافية فريدة، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الجذاب الذي جذب الزوار لعقود، وفقًا لما أعلنه الكاتب العام المكلف بتسيير شؤون البلدية محمد صالح عمراني.
وتشتهر سيدي بوسعيد بمنازلها البيضاء ذات الأبواب والنوافذ الزرقاء، التي تُعد رمزًا للجمال والهدوء. وتقع القرية على قمة منحدر صخري يطل على البحر المتوسط، مما يوفر إطلالات بانورامية خلابة. وتُعتبر نموذجًا فريدًا للعمارة العربية الإسلامية، حيث تجمع بين البساطة والأناقة، مع الحفاظ على الطابع التقليدي الذي يعكس هوية المنطقة.
وبدأت سيدي بوسعيد تكتسب شهرتها العالمية منذ عشرينات القرن الماضي، عندما زارها الفنان الفرنسي الشهير رودولف إرلانج، الذي أعجب بجمالها وسحرها وساهم في تسليط الضوء عليها كوجهة فنية وثقافية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت القرية مقصدًا للفنانين والمثقفين والسياح الذين يبحثون عن الهدوء والإلهام.
وتضم البلدة مجموعة من الأسواق التقليدية والمحال التجارية والفنادق والمطاعم الفاخرة والمقاهي، أشهرها “القهوة العالية” و”قهوة سيدي الشبعان”، وهي أماكن تعكس الثقافة والتراث التونسيين في فن المعمار وفي الصناعات التقليدية ما جعلها تستحق الزيارة لمن يبحث عن الهدوء والجمال الطبيعي والتراث الثقافي بعيداً عن صخب المدن الكبرى وهوائها الملوث.
وأفاد محمد صالح عمراني لوكالة تونس أفريقيا للأنباء بأنه من المتوقع الإعلان عن إدراج قرية سيدي بوسعيد على لائحة التراث العالمي لليونسكو بعد سنة ونصف السنة من تقديم الملف، أي في يوليو 2026، خلال اجتماع اللجنة الدائمة المتخصصة في إدراج المواقع ضمن قائمة التراث العالمي. وأكد أن هذا الاعتراف سيكون بمثابة تتويج للقرية، ما يعزز مكانتها على الساحة الوطنية والعالمية، ويمكّنها من الحصول على تمويلات إضافية وعناية فنية كتراث إنساني للأجيال القادمة، بالإضافة إلى جذب المزيد من السياح والمستثمرين.
ونظم المعهد الوطني للتراث وبلدية سيدي بوسعيد اجتماعًا يوم 18 يناير في مقر البلدية، بحضور خبراء ومسؤولين محليين وممثلي المجتمع المدني، لتوعية السكان بأهمية الترشح لقائمة التراث العالمي تحت عنوان “سيدي بوسعيد: موقع ثقافي وروحي متوسطي”، وفقًا لما ورد على الصفحة الرسمية للمعهد الوطني للتراث.
وأصدرت توصيات للمسؤولين المحليين والسكان بمواصلة جهود الحفاظ على القرية التاريخية، التي تُعد نواة الموقع المرشح للإدراج، مع الاهتمام بمحيطها. وأشار عمراني إلى أن إيداع الملف ستتبعه زيارة خبراء اليونسكو لمعاينة الموقع ومحيطه. كما ذكر أن أول نص قانوني صدر لحماية القرية كان في عام 1915، حيث تم تنظيم طرق البناء والطلاء بالأبيض والأزرق، مما يعكس العناية الخاصة التي حظيت بها سيدي بوسعيد منذ عقود.
وفي حال نجاح تسجيل سيدي بوسعيد ضمن قائمة اليونسكو، فإن ذلك سيفتح آفاقًا جديدة للقرية على المستوى الدولي. فبالإضافة إلى تعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية، سيسهم الاعتراف الدولي في جذب الاستثمارات اللازمة لتحسين البنية التحتية وخدمات السياحة، مع الحفاظ على الطابع الأصيل للقرية. كما سيعزز هذا الاعتراف الوعي بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي، ليس فقط في تونس، ولكن في المنطقة العربية بأكملها، كرسالة تُبرز دور التراث في تعزيز الهوية الثقافية والتنمية المستدامة.
وتفيد إحصاءات بلدية سيدي بوسعيد بأن عدد سكان القرية يبلغ حوالي 7000 نسمة، منهم 1200 يسكنون في القرية القديمة التاريخية. وتدرج منظمة اليونسكو مواقع على قائمة التراث العالمي بناءً على معايير محددة، تشمل قيمتها الثقافية أو الطبيعية أو المشتركة. وتضم تونس حاليًا تسعة مواقع مسجلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، منها مدينة تونس العتيقة، وموقع قرطاج الأثري، ومدرج الجم الروماني، وجزيرة جربة، وموقع دقة الأثري، ومدينة سوسة العتيقة، ومدينة القيروان العتيقة، ومدينة كركوان البونية، ومحمية إشكل الطبيعية.
وعلى الرغم من جمالها وسحرها، تواجه سيدي بوسعيد عددًا من التحديات التي تهدد هويتها المعمارية والثقافية، مثل التوسع العمراني غير المنظم وزيادة عدد السياح، مما قد يؤثر على البيئة الطبيعية والتراثية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن تؤدي الشهرة العالمية إلى تغيير طابع القرية التقليدي، مما يستدعي وضع خطط إدارة مستدامة لضمان التوازن بين التنمية السياحية والحفاظ على التراث.