سياسة حمائية أميركية بعقلية الثلاثينات سترهق العالم

مشكلة واشنطن تكمن في أن وضع القرن الـ21 ليس هو نفسه في الثلاثينات، لم تعد التعريفات الجمركية عائقا أمام التجارة الحديثة.
الثلاثاء 2019/02/05
ترامب والدفع نحو سياسة المعاملة بالمثل

واشنطن – تواصل الإدارة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب خنق الخصوم التجاريين على غرار الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي بسياسة حمائية تلقى العديد من الانتقادات في الداخل والخارج رغم النجاح النسبي في إقناع شركاء واشنطن التجاريين بخفض التعريفات التجارية.

سجلت الولايات المتحدة نجاحات في إقناع شركائها التجاريين بخفض التعريفات الجمركية، لكن استراتجياتها الحالية في المقابل، تفشل في رؤية أن التعريفات الجمركية ليست أكبر عائق لصادراتها.

ومن المنتظر أن يواجه المصدرون صعوبات أكبر في وقت قريب، مع تركيز الولايات المتحدة على التعريفات الجمركية، حيث يتمكن المنافسون في كندا والاتحاد الأوروبي وآسيا وأماكن أخرى من الوصول إلى المزيد من الأسواق بفضل اتفاقات التجارة الحرة الشاملة التي تقضي على الحواجز غير الجمركية الأكثر أهمية.

وطرح تقرير “سترافتور” تساؤلا حول إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الثلاثينات لتحقيق فوز تجاري في القرن الحادي والعشرين؟

يهدف البيت الأبيض إلى زيادة سلطة الرئيس على التعريفات الأميركية، عبر مطالبة الكونغرس باعتماد قانون التجارة المتبادلة. وقد يرمز اسم مشروع قانون اتفاقيات التجارة المتبادلة نفسه إلى الفعل التجاري الوحيد الأكثر أهمية في تاريخ الولايات المتحدة، الذي وقعه الرئيس روزفلت في 1934.

 وركزت إدارة ترامب على زيادة الضغوط التجارية على البلدان الأخرى من خلال فرض مجموعة من التعريفات والتهديدات.

Thumbnail

وجلبت هذه التحركات بعض الدول إلى طاولة المفاوضات رغم أن إدارة ترامب لم تكشف طريقة الموازنة بين هدفها في السيطرة على التدفقات التجارية، وبين معالجة حواجزها المعاصرة، والتي لا علاقة لها بالتعريفات.

ومع ذلك، طالب ترامب بالمزيد من السلطة لزيادة التعريفات في إشارة إلى أن البيت الأبيض سيركز على الانتصارات السريعة قبيل انتخابات 2020.

وتكمن مشكلة واشنطن في أن الوضع في القرن الحادي والعشرين ليس هو نفسه في الثلاثينات، حيث لم تعد التعريفات الجمركية أهم العوائق أمام التجارة الحديثة.

ودفعت سياسات ترامب بقية العالم للسعي إلى إبرام اتفاقات شاملة تتجنب الاعتماد على التعريفات، لصالح معالجة حواجز غير اعتيادية أكثر أهمية. وطرح التقرير سؤالا آخر حول إمكانية أن تخاطر الولايات المتحدة بالخسارة، من خلال التركيز على الموازين التجارية الثنائية والتعريفات الجمركية وعرقلة الواردات؟

هنا يشير التقرير إلى أن مفهوم المعاملة بالمثل في التجارة كان قائما منذ قرون.

في حين أن اللوردات الإقطاعيين عرضوا ذات مرة الوصول إلى أسواقهم في مقابل الوصول “المتبادل” إلى سوق آخر، وذلك ما تفعله البلدان اليوم.

وبمرور الوقت، أصبح هذا المفهوم مرتبطا ارتباطا لا ينفصم مع مفهوم “الدولة الأعلى أفضلية”، حيث تقدم دولة ما أي تنازلات لشركائها على أساس مشروط أو غير مشروط. وتركزت بنود “المعاملة بالمثل” و”الدولة الأعلى أفضلية” عبر التاريخ على أمر واحد، وهو التعريفات الجمركية. ففي الحروب التجارية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان متوسط ​​معدلات التعريفة الجمركية في الكثير من الأحيان يتجاوز 50 بالمئة.

وعندما وقّع روزفلت على قانون التجارة لعام 1934، أنهى عزلة واشنطن الاقتصادية بعد الحرب وجعلها طليعة لتحرير التجارة في بيئة عالمية حمائية.

Thumbnail

وبذلك، عرضت واشنطن تحرير تعريفاتها الجمركية لأي دولة ترغب في فعل الشيء نفسه لواشنطن. وبحلول 1940، كانت الولايات المتحدة قد وقّعت صفقات مع 21 دولة. فبعد الحرب العالمية الثانية، ساعدت واشنطن في تكريس هذا المفهوم، مع الصفقات غير المشروطة في الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة، وفي منظمة التجارة العالمية.

ويشير التقرير إلى أن واشنطن شجعت الدول الأخرى على الانضمام إلى هذه الاتفاقيات لأغراض استراتيجية، مما فسح المجال للوصول إلى أسواق الولايات المتحدة (وأوروبا الغربية) لحصرها في النظام العالمي الذي تقوده واشنطن. ولكن منذ نهاية الثمانينات، لم تعد هذه الاستراتيجية قابلة للثبات سياسيا في أعقاب الحرب الباردة، مما ضخّم عجز الولايات المتحدة التجاري، وانحدار عدد وظائف التصنيع فيها.

وتعكس وجهة نظر ترامب حول المعاملة بالمثل تركيزه على العجز التجاري والتعريفات. وعلى عكس أسلافه، سعى إلى فصل الصفقات التجارية، بحجة أن مثل هذه المنظورات أضرّت بالعمال الأميركيين. وفي ما يتعلق بقانون التجارة المتبادلة، فإن المنظور العملي للبيت الأبيض هو الحمائية التجارية، وليس تحرير التجارة. ونتيجة لذلك، أصبح الأمر متمثلا في “خفّض في التعريفات الخاصة بك، أو سأرفع في تعريفاتي”. لذلك، سيسمح القانون بزيادة التعريفة الجمركية على سلع دولة أخرى إلى نفس المستوى الذي تفرضه تلك الدولة على نفس المنتج الأميركي.

في نهاية المطاف، تركز وجهة نظر ترامب المسيطرة على المعاملة بالمثل على التفاصيل، وكل ذلك في محاولة لضمان أحجام تداول متساوية في كلا الاتجاهين. وتشق التشريعات، لتقليل سلطة ترامب، طريقها الآن من خلال الكونغرس، مما يعني أنه من شبه المؤكد أن قانون التجارة المتبادلة سوف يكون ميتا لدى وصوله إلى هيئة التشريع، ومع ذلك لا يزال بإمكان ترامب استعمال وسائل أخرى لتحقيق المزيد من سياسته في المعاملة بالمثل. أما في ما يخص مستقبل المفاوضات التجارية فان متابعة هذه الاستراتيجية مهمة شاقة في عالم تحوّل منذ الحرب العالمية الثانية.

 فقبل الخمسينات، تركزت معظم التجارة الدولية على المواد الخام أو الزراعة أو بعض السلع الصناعية الخفيفة.

Thumbnail

ولم تكن شبكة التوريد عميقة، في حين أن الشركات العالمية متعددة الجنسيات موجودة، إذ كانت نشطة في عدد قليل من الصناعات والمناطق. وعلاوة على ذلك، كانت الهيئات التنظيمية الحكومية ضعيفة بشكل عام، ولم تمارس سوى قدر قليل من الإشراف على مسائل السلامة والصحة والبيئة.

في عالم كهذا، هيمنت التعريفات الجمركية على المفاوضات التجارية. اليوم، لم تعد الرسوم الجمركية القضية الرئيسية.

إن شبكات التوريد معولمة ومعقدة وعميقة. لقد أصبحت الشركات متعددة الجنسيات قادرة على حماية استثماراتها، في حين أصبحت المعاهدات متعددة الأطراف مهمة. وأصبحت العوائق التقنية أمام التجارة الناتجة عن الصحة والسلامة وغيرها من المعايير التنظيمية أكثر تطورا.

إن التجارة الإلكترونية، والخصوصية الإلكترونية، هما موضوعان رئيسيان في المناقشات التجارية، خاصة بين البلدان المتقدمة. ولكن إجبار البلدان على مواءمة هذه القضايا أمر صعب، لأنه يستلزم إجراء تعديلات على القوانين المحلية بشأن القضايا التنظيمية.

أما في ما يتعلق بالتجارة العالمية. لم تعد التعريفات مشكلة ففي 2017، بلغ متوسط ​​معدل التعريفة المطبقة 2.59 بالمئة، بينما بلغ متوسط ​​الاتحاد الأوروبي 1.79 بالمئة، في حين كان معدل الولايات المتحدة 1.66 بالمئة. وتوجد استثناءات، ويتضح من زيادة تعريفة الاتحاد الأوروبي على السيارات من الولايات المتحدة. لكن واشنطن تتقاضى على الشاحنات أكثر مما تفعله بروكسل. من خلال الخلاف على عدد من النقاط للحصول على تعريفة أقل لبعض الصناعات. يسجل السياسيون بالتأكيد بضع نقاط لصالحهم، لكن إجراءاتهم لا تقلل من الحواجز غير التعريفية. ومع ذلك، نجحت التهديدات الجمركية الأميركية في دفع دول أخرى إلى طاولة المفاوضات، على الرغم من أن المدة التي تعتزم واشنطن اتخاذها للتفاوض على صفقات جديدة لم تتضح بعد.

7