سيارات الليبيين المتهالكة سباق إلى الموت على طرقات رديئة

ليبيا تتقلد المركز الأول عالميا في حوادث المرور مقارنة بعدد سكانها الذي بالكاد يتجاوز ستة ملايين، جراء قلة الوعي والبنية التحتية السيئة والسيارات القديمة.
الجمعة 2019/04/05
القانون يحمي الجميع

حوادث الطرقات تعود إلى أخطاء بشرية دائما، حتى وإن كان السبب الرئيسي فيها خطأ ميكانيكيا أو تردّي أحوال الطرقات أو سوء حالة الطقس، لأن السائق هو من يحدد دخول مغامرة السفر أو التنقل بسيارة قديمة قد لا تصلح للجولان في أغلب الحالات، وهو من يقرر أيضا استعمال طرقات في حالة رديئة، كما الحال في ليبيا التي تعيش حالة من الفوضى شملت البنية التحتية، فتصدرت المرتبة الأولى على قائمة الموتى والمصابين جراء حوادث الطرقات.

طرابلس- في ليبيا، يسقط قتلى في حوادث السير، أكثر مما يسقط في النزاع المسلح… فالسيارات قديمة جدا، والبنى التحتية غير موجودة، ولا أحد يحترم قوانين السير. وتشبه حالة الطرق الليبية المتهالكة في استمرارها حالة الفوضى التي تعيشها البلاد منذ سقوط الزعيم معمر القذافي في 2011.

في مستودع على طريق السكة في وسط العاصمة الليبية، تتكدس مئات المركبات الآلية المتضررة نتيجة حوادث المرور والتي تشي بعمق المأساة، فبعضها يحمل آثار دماء على المقاعد، وتوجد في أخرى ملابس وأحذية تخلى عنها المصابون…

يقول محمد، أحد حراس المستودع “بعض السيارات محجوزة منذ عشر سنوات، لكون سائقيها تسببوا في حوادث أودت بحياة أشخاص على الفور، فأودعوا السجن بعد رفض ذوي القتلى منحهم التنازل”.

ويضيف متجولا بين صفوف طويلة للسيارات، “هذا المستودع تابع لإدارة المرور والتراخيص، تحجز فيه سيارات تسببت في حوادث المرور، لضرورة التحقيق وفي انتظار إجراءات قانونية للإفراج عن السيارة وتمكين مالكها من استعادتها”.

وبالإضافة إلى الخسائر البشرية، يمكن لحادث سير في ليبيا أن يكلف السائق الكثير، سواء كان هو المخطئ أم لا. فبموجب القانون الليبي، إذا تسبب شخص في مقتل شخص آخر عن غير قصد، يظل مسجونا، طالما أن أصحاب الحقوق لم يصفحوا عنه، أو إذا رفض دفع الدية. وفي بعض الحالات، تطلب العائلات مبالغ ضخمة عندما تريد أن يبقى السائق مسجونا.

حوادث قاتلة نتيجة أخطاء انتباه
حوادث قاتلة نتيجة أخطاء انتباه

وفي إحصائية لإدارة المرور في وزارة الداخلية جرى تسجيل 127 حالة وفاة، و185 إصابة بليغة جراء حوادث المرور خلال شهر يناير الماضي. وبحسب رئيس قسم المرور والتراخيص في مديرية أمن طرابلس العميد محمد الباروني هدية، بلغ عدد حوادث المرور في العام الماضي 4115، والضحايا 5668 ألفا، توفي منهم 2500 شخص، فيما وصلت الخسائر المالية إلى قرابة 29 مليون دينار (21 مليون دولار).

ويقول المتحدث باسم الإدارة العامة للمرور والتراخيص العقيد عبدالناصر اللافي، “باتت ليبيا تتقلد المركز الأول عالميا على مستوى حوادث المرور مقارنة بعدد سكانها” الذي بالكاد يتجاوز ستة ملايين.

وعدد القتلى في حوادث السير أكبر بكثير من عدد القتلى بالسلاح حيث لا يصل إلا إلى بضع مئات كل سنة في بلد يعيش حالة عدم استقرار أمني وأعمال عنف بين ميليشيات وعشائر ومجموعات مسلحة متنافسة. ويقول العميد هدية رئيس، “السرعة في الطرقات الرئيسية وعدم الانتباه يتسببان في أغلب حوادث المرور في ظل عدم احترام القانون”.

ويشتري الليبيون الوقود بسعر مدعوم، إذ يبلغ سعر لتر البنزين 0.10 دولار، ما يعني أنه أرخص من سعر الماء، وهذا ما يشجع عددا كبيرا من الأفراد على شراء سيارات بمحركات ضخمة لا تصلح لبنية تحتية متقادمة.

ويضيف قائلا من مكتبه في العاصمة، “المشكلة في تهالك الطرقات. منذ ستين عاما، لم تحظ بأي عمليات توسعة أو صيانة حتى تستوعب هذا العدد الضخم من المركبات”.

ويتابع، ““في عام 2010، وصل عدد السيارات المسجلة في طرابلس إلى 600 ألف سيارة، بينما في العام 2019، بات لدينا أكثر من مليوني سيارة. وإذا أضفنا السيارات الحكومية والنقل العام، يصل العدد إلى ثلاثة ملايين سيارة في العاصمة وحدها” حيث عدد السكان مليونان. ويتخطى عدد المركبات الآلية المسجلة في ليبيا 4.5 مليون سيارة، بحسب المتحدث باسم الإدارة العامة للمرور والتراخيص. ومنذ العام 2011، استغلّ عدد من التجار الفوضى السائدة في ليبيا لإغراق السوق بسيارات متدنية الثمن.

ويقول هدية، إن السلطات قررت للحد من هذه المشكلة، “تحديد عمر استيراد السيارات بسنة تصنيع لا تتخطى عشرة أعوام”، معتبرا أنه “قرار جيد سيخفف من الازدحام والحوادث”، كما قررت السلطات للمرة الأولى منذ سنوات، تخصيص موازنة لصيانة الطرقات.

ويشير اللافي، إلى مشكلة أخرى تتمثل في “عدم صيانة الطرقات والمناخ خصوصا في الشتاء عندما تتسبب مياه الأمطار في زيادة تشققات الطريق العام وحفر كبيرة”، مضيفا “هناك بعض الجسور التي تحتاج إلى صيانة مستعجلة، لأن عددا كبيرا منها بات غير صالح للجولان”.

كدس خردة شاهد على كمّ الضحايا
كدس خردة شاهد على كمّ الضحايا

وتقول الإدارة العامة للمرور، إنها نشطت أيضا حملات وبرامج توعوية. ويقول اللافي “ننشر حاليا دوريات على مدار 24 ساعة بهدف رفع الوعي المروري للمواطن”، معتبرا أنها “طريقة رادعة لكل من يخالف قواعد المرور، عندما يجد الشرطة باستمرار على الطرقات”.

لكن عناصر الشرطة هؤلاء يحاولون العمل من دون صرامة، خوفا من ردود عنيفة ضدهم في بلد ينتشر فيه السلاح بشكل كبير. وغالبا ما يكتفون بتنظيم حركة
السير.

في ميدان الشهداء بالعاصمة والذي يعد أحد أكثر المواقع اكتظاظا على مدار السنة، تصطف السيارات على جانبي الطريق وتتسبب في اختناق مروري هائل، الأمر الذي يتطلب نشر عدد ضخم من رجال المرور لتسهيل حركة السير.

ويروي أحمد رجب (35 عاما)، وهو سائق سيارة دفع رباعي من نوع “تويوتا”، تجربته المـُرّة مع حادث مرور تسبب له في إعاقة بإحدى قدميه. يقول “تسبب حادث شنيع لي بإعاقة؛ كنت أقود ليلا شرق العاصمة وكان الطريق مظلما، اصطدمت بعمود إنارة كان مائلا نحو الطريق السريع”.

وتابع أحمد وهو يركن سيارته بالقرب من رجل مرور بميدان الشهداء،”بعض الشباب لديهم قلة احترام لشرطي المرور لغياب الرادع القانوني (…)، لا نلوم فقط سائق المركبة الآلية لكون الطرقات متهالكة وتفتقر للخدمات مثل الإنارة والعواكس ولوحات التنبيه”.

وأَضاف، “شرطي المرور يجب أن يكون رادعا حقيقيا يسجل المخالفات دون تردد، لأنها الحل الأمثل للحدّ من حوادث المرور، القاتل الصامت الذي فتك بشريحة كبيرة من الليبيين”.

20