"سوق يناير".. أبعاد اقتصادية وثقافية تكرس مكاسب البعد الأمازيغي في الجزائر

ولوج الأسواق الإلكترونية يضاعف فرص ترويج وتسويق المنتوج والتراث المحلي.
الثلاثاء 2024/01/16
مكاسب بعد عقود من النضال

بعد عقود من النضالات السياسية اكتسبت احتفالات الأمازيغ في الجزائر بعدا وطنيا ورسميا، ما يسمح لهم بإبراز مخزونهم الثقافي والفني المحلي إلى مختلف محافظات البلاد. ويترجم "سوق يناير" في كل عام مكاسب البعد الأمازيغي في الجزائر.

الجزائر - تحول "سوق يناير" إلى موسم اقتصادي وتجاري وثقافي اجتاح مختلف الربوع الجزائرية، مجسدا بذلك المكاسب التي حققها البعد الأمازيغي في البلاد بعد عقود من النضال السياسي، فمن تيزي وزو إلى وهران، كانت مناسبة السنة الأمازيغية فرصة لتنشيط الحياة الاقتصادية والتجارية، عبر أسواق ومعارض لتسويق وبيع المنتوج الأسري والريفي الذي تعرف به المناطق الأمازيغية.

ويشكل “سوق يناير” الذي افتتح خلال الأسبوع الجاري بساحة “مبارك آيت منقلات” (محطة الحافلات سابقا) بتيزي وزو، بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة (12 يناير)، والذي سيدوم أربعة أيام، فرصة تسويقية هامة للتجار وفضاء يعكس أصالة وثراء التراث الوطني.

وتحولت ضاحية المحطة القديمة بمدينة تيزي وزو، التي توصف بـ"عاصمة القبائل"، إلى لوحة فنية في الهواء الطلق، بعدما اكتست شكلا فسيفسائيا، امتزج فيها التراث التقليدي والمنتوج الاقتصادي الريفي والأسري، القادم من مختلف ضواحي وبلدات المحافظة، من أجل التسويق والترويج لما تزخر به المنطقة.

وكان رأس السنة الأمازيغية التي ترسمت منذ سنوات في الجزائر بموجب بند دستوري، فرصة لترويج المخزون التراثي والفني المحلي في مختلف ربوع البلاد، وكان أيقونة الأغنية الأمازيغية لونيس آيت منقلات، في واجهة الناشطين بتنظيمه حفلا كبيرا في القاعة البيضاوية بالعاصمة، أتحف جمهوره بما جادت به قريحته لعقود من الإبداع الفني والموسيقي.

بعد عقود من النضالات السياسية اكتسبت احتفالات الأمازيغ في الجزائر بعدا وطنيا ورسميا، ما يسمح لهم بإبراز مخزونهم الثقافي والفني المحلي إلى مختلف محافظات البلاد. ويترجم "سوق يناير" في كل عام مكاسب البعد الأمازيغي في الجزائر.
◙ عيد "يناير" أخذ صبغة رسمية مكملا بذلك أحد أضلاع الهوية الجزائرية بعد عقود من النضالات السياسية

واللافت أن عيد “يناير” المصادف للثاني عشر من شهر يناير، بعدما ظل مجرد تظاهرة معزولة، أخذ صبغة وطنية ورسمية، مكملا بذلك أحد أضلاع الهوية الجزائرية بعد عقود من النضالات السياسية، وباتت الحكومة تنظم تظاهرات رسمية لإحياء المناسبة، تنضاف إلى الزخم الشعبي والمستقل الذي بعث أجواء مميزة في مختلف ربوع البلاد.

ويبدو أن الناشطين المحليين صهروا البعد التراثي المحلي بالمنتوج الاقتصادي الحرفي والريفي الذي تزخر به المنطقة، من أجل إخراج صورة متكاملة عن الهوية الأمازيغية، حيث حضرت الحرف اليدوية من الفضة والحلي إلى جانب "الجبة" والزي القبائلي والأواني والفخار، ومختلف المنتوجات الزراعية المحلية، كالتين والعسل والزيت والزيتون.. وغيرها من المنتوجات والإبداعات المحلية.

وعكس سوق تيزي وزو عبر مختلف أجنحة العرض ثراء التراث الوطني المادي واللامادي، فيما اكتست المنتجات الحرفية التقليدية لمسة من الحداثة دون المساس بأصالتها، وترجمت المنتوجات الزراعية العلاقة الوثيقة والرمزية بين الفرد الأمازيغي وبين الأرض، كما أبانت عن قدرات كامنة لصهر الاقتصاد والثقافة من أجل تحقيق عائدات معيشية للعائلات، وتخرج التراث من دائرة الاتكال على الريع إلى الرأي العام.

واعتبر مشاركون في التظاهرة فرصة للعودة إلى الذات وإعادة الاعتبار للتراث المحلي، ولكل الأشياء الموروثة عن الآباء والأجداد، خاصة وأن التظاهرة أبانت عن قدرات لتسويق المنتوج المحلي المميز، والمساهمة في بناء اقتصاد يحقق عائدات إضافية للأسر وللخزينة العمومية.

وحسب العارض حسين خضير، من محافظة بسكرة، الذي عرض تشكيلة جميلة من تمور "دقلة النور" المشهورة، فإن طقوس الاحتفال بيناير في بسكرة (بوابة الصحراء الجزائرية) تدعى "باب العام"، وفيها تقوم العائلات بعدة مناطق من الصحراء، على غرار “تيط” وهي واحة بمنطقة تيديكلت، وأدرار وبني عباس وتيميمون، بإعداد أطباق الكسكسي.

وأضاف “يتم بنفس المناسبة تقديم ‘خبز الرقيق’، وهي فطيرة رقيقة مصنوعة من القمح والماء والملح، تسمى في ولايات أخرى من الجنوب بـ’ خبز القلة’ أو ‘أغروم إسديدن’، الذي يتم تحويله إلى فتات قبل سقيه بالمرق الأحمر المطهو باللحم، فضلا عن ‘المردود’، وهو كسكس ذو حجم أكبر بالدجاج، وتزيين الأطفال بالحناء وإشعال الشموع استبشارا بقدوم أيام مشرقة".

ومن محافظة بومرداس المجاورة، قدم العارض عبدالمالك يخلف تشكيلة متنوعة من الحبوب الجافة والكسكسي والمنتجات الريفية، لاسيما الخروب، الذي قدمه في أشكال مختلفة، كاملا ومسحوقا أو على شكل عسل.

◙ مشاركون يرون في التظاهرة فرصة للعودة إلى الذات وإعادة الاعتبار للتراث المحلي ولكل الأشياء الموروثة عن الآباء والأجداد

وأوضح أن ثمار الخروب الذي تشتهر به المنطقة، كانت تستغل منذ القدم لعلاج بعض الاضطرابات في الجهاز الهضمي الخاص بالإنسان والماشية على حد سواء. وبعد التخلي عنها لفترة من الزمن، عادت منتجات الخروب إلى الواجهة حيث تجدد اهتمام سكان الأرياف بهذه الشجرة خلال السنوات الأخيرة، وأضحوا يعتنون بها، إما من أجل تحويل ثمارها بأنفسهم، مثلما هو الحال في عائلة يخلف، أو من أجل بيعها لمتعاملين في مجال تحويل هذه المادة وتصنيعها.

ولفت إلى أنه إلى جانب استغلالها في المجال الطبي، يتم استغلال حبوب الخروب “اللب والبذرة” أيضا في مجالات أخرى مثل الصناعة الغذائية المرتبطة بإنتاج المضافات الغذائية (مخثر، مثبت، وغيرها) أو كبديل للكاكاو في مجال الحلويات والبسكويت والمنتجات المصنعة الأخرى. وشدد في تصريح له بأن “الخروب منتج محلي يساوي وزنه ذهبا”، علما أن بذور الخروب كانت حقيقة تستعمل في الماضي كوحدة قياس من طرف الصائغين، إذ أن قيراطا من الذهب يعادل وزن حبة واحدة من الخروب (200 مليغرام).

وفي عاصمة الغرب الجزائري (وهران)، بادرت غرفة الصناعة التقليدية والحرف بفتح نافذة في المتجر الإلكتروني لمنتجات الصناعة التقليدية لعرض عينات منها ، والتعريف بها لدى متصفحي المواقع الإلكترونية وللترويج لمهارات الحرفيين في مختلف نشاطاتهم خارج الفضاءات المغلقة.

وتزين المتجر الإلكتروني لمنتجات الصناعة التقليدية بحلة مميزة تعكس أجواء الأسواق التقليدية، وذلك من خلال عرض أنواع من المنتجات والمواد والحرف اليدوية والأطباق الشعبية، والألبسة التقليدية التي تعرض في “سوق يناير” للتعريف أيضا بهذه التظاهرة السنوية التي يلتقي فيها الحرفيون القادمون من مختلف ضواحي المحافظة وبلداتها.

وترى رئيسة جمعية “فضل الرحمان” ببلدية طفرواي غوماري صورية بأن “سوق يناير سواء في المواقع الإلكترونية أو في الواقع يعد فرصة لتعريف الزوار بمهارات المرأة الريفية في صنع “عجائن سيدي الغانم” المشهورة بهذه المنطقة الريفية الواقعة بجنوب وهران والتي تعرف إقبالا كبيرا عليها من طرف المستهلك لتحضير الطبق المعروف بـ”مرقة الرقاق” الذي يقدم ليلة العام الأمازيغي الجديد.

7