سوق تجارة الأعضاء أكبر من قدرة الدولة على حصاره في باكستان

تعد باكستان سوقا كبيرا لتجارة الأعضاء غير القانونية، بالرغم من الشكاوى المتكررة من قبل السلطات الطبية والمحلية التي لم تتمكن من منع هذه الممارسة غير القانونية وإحباطها بسبب الافتقار إلى سياسات واضحة نافذة للقضاء على هذه الظاهرة المتفشية. ودأب الأغنياء في باكستان على استغلال الفقراء عبر إقناعهم ببيع كلاهم مثلا مقابل مبالغ مالية تساعدهم في مجابهة أوضاعهم المادية وذلك في غياب الوعي واستفحال مافيا تجارة الأعضاء.
الأربعاء 2017/07/05
كوارث تتفرع من الفقر

إسلام أباد – داهمت السلطات الباكستانية هذا العام أحد مستشفيات مدينة لاهور، لتجد مجموعة من الأطباء يجرون عمليتي زرع كلى بشكل غير قانوني لمريضين من عُمان في وجود المتبرعين أيضا، وجميعهم كان فاقدا للوعي على طاولة الجراحة. وسمحت الشرطة للأطباء بإنهاء العملية وتم بعدها اعتقالهم مع مساعديهم والعُمانيين، في حملة قالت السلطات الباكستانية إنها تعتبر نقطة تحول في معركتها ضد الاتجار بالأعضاء البشرية.

وفي غضون دقائق بعد دخول أحد مراسلي “وكالة فرانس بريس″ الإخبارية لردهة المستشفى العام في العاصمة إسلام أباد، ساعده الموظفون في العثور على ما يسمى “بالوكيل” الذي أكد له وجود متبرع وعرض عليه تسهيل الحصول على موافقة الحكومة على عملية زرع الكلى، فقط مقابل 23 ألف دولار أميركي.

وتبقى تجارة الأعضاء في العديد من الدول دائما في الظل، أما في باكستان فكانت تلك الممارسات تجري بوقاحة وأمام أعين الجميع.

ووضع رجال الدين الموضوع برمته في إطار إسلامي، بحيث أجازوا التبرع بالأعضاء وفقا للقانون طالما أن هذا العمل سيكون تطوعيا، دون التعرض لأي نوع من أنواع الضغوط أو حتى بغرض ربح المال من خلاله.

ولكن نقص الوعي وانتشار الاعتقاد بأنه عمل يُحرّم على المسلمين فعله، زاد عزوف الراغبين في التبرع عن الأمر. ورأى المراقبون أن أغنياء باكستان كانوا يستغلون الملايين من الفقراء باستمرار بمساعدة مافيا تجارة الأعضاء. فتوفرت الكلى بتكلفة زهيدة جدا بالنسبة لبعض المشترين من دول أخرى مثل الخليج وأفريقيا والمملكة المتحدة.

ويقول الدكتور سليمان أحمد، ضابط مراقبة بهيئة زراعة الأعضاء البشرية التابعة للحكومة، “إن الأمر لا يُجدي نفعا. فحينما يدّعي المتبرع أنه يمكنه الحصول على موافقة الحكومة بسهولة، لا يوجد شيء آخر يمكننا القيام به”.

وأكد جميل أحمد خان مايو، نائب مدير وكالة التحقيقات الفيدرالية، أن الحملة التي شنتها السلطات المحلية في 30 أبريل الماضي بلاهور تعد بداية جديدة للحد من هذه الممارسات. وأفاد بأن سلطات المقاطعات كانت مختصة قبل ذلك بإنفاذ القوانين الخاصة بمثل هذه الوقائع كلّ حسب حدود مقاطعته، إلا أنه تمت إزالة تلك الحدود في شهر مارس الماضي ليُنقل زمام الأمور بأكمله لوكالة التحقيقات الفيدرالية للتحقيق في تلك الحالات.

ضرورة معالجة أسباب تجارة الأعضاء البشرية في باكستان التي تدر أموالا طائلة على الأغنياء ونخبة الدولة

ولا يزال جميع المعتقلين الـ16 في قضية لاهور وراء القضبان في الوقت الذي يستمر فيه التحقيق الذي من الممكن أن ينتهي بالحكم عليهم بقضاء عقد من الزمان داخل جدران السجن. وقال أحمد “من خلال هذه الحملة نود أن نبعث برسالة قوية إلى الخارج نقول فيها بأن باكستان لم تعد بعد اليوم ملاذا آمنا لعمليات زرع الكلى غير القانونية”.

ويشير الخبراء إلى أن هناك حاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية لهذه التجارة المتفشية. ويؤكد ممتاز أحمد، رئيس قسم أمراض الكلى في مستشفى بنازير بوتو الحكومي بمدينة راولبندي بباكستان “تعود هذه التجارة غير المشروعة بالفائدة على الأغنياء وطبقات النخبة في الدولة”.

ويفسر أحمد، عضو لجنة التحقيق الحكومية في تجارة الكلى، سبب عدم رغبة المشرّعين في تنفيذ العقوبات الخاصة بهذا الجُرم رضوخا لرغبة المستفيدين منه. لكن مسؤولي وكالة التحقيقات الفيدرالية تعهدوا بالقضاء على هذه الظاهرة غير الشرعية دون التمييز بين الطبقات الاجتماعية للجناة والمتورطين في تجارة الأعضاء البشرية.

ووفقا لتقارير معهد السند لجراحة المسالك البولية وزرع الكلى، وهو أكبر مركز إقليمي في عمليات زراعة الكلى ومقره كراتشي، يعاني حوالي 25 ألف شخص من الفشل الكلوي في باكستان سنويا، ولكن 10 بالمئة منهم فقط يتوجهون لوحدات “غسيل الكلى”، و2.3 بالمئة منهم فقط قادرون على إجراء عملية زرع الكلى.

ويوضح أحمد أنه “يأتي العديد من مرضى الكلى إلى المستشفيات الحكومية مصطحبين معهم المتبرعين بالكلى من أفراد عائلاتهم. ثم يتحولون فجأة إلى المستشفيات الخاصة عندما يعلمون أنهم يستطيعون شراء الكلى من هناك”. وساعدت زيادة معدلات الطلب على خلق سوق اعتبره فقراء باكستان من سكان المناطق الريفية فرصة لا تعوض لانتشال أنفسهم من براثن الفقر.

فنجد منهم من يعملون في المصانع والحقول وأفران الطوب، ويقترضون المال من أرباب العمل لشراء أدويتهم أو لتربية الأطفال، ثم يجدون أنفسهم غير قادرين على تسديد هذه الديون المتراكمة. فيجبرون على العمل في حلقة لا نهاية لها من الاستعباد، على أمل أن يجدوا الخلاص من ذلك من خلال بيع أعضائهم.

وتعاني بشرى بيبي من ألم شديد منذ أن باعت كليتها قبل سنوات. تبكي بهدوء، وتذكر كيف كان والدها بحاجة إلى المال للحصول على العلاج وتسديد القرض، لذلك اضطرت منذ 12 عاما إلى بيع كليتها مقابل 110 آلاف روبية. ووقع زوجها في نفس المأزق مع والده واضطر إلى أن يحذو حذوها، غير أن تلك الخطوة سببت لهما آلاما مزمنة، وهما رغم ذلك يكافحان من أجل العمل ورعاية أطفالهم. وتقول بيبي “لا أستطيع أن أنظف المنزل، يتحدث الناس عني عندما لا أستطيع إنهاء عملي”.

وتعيش بيبي وعائلتها في منطقة سارغودا الخصبة بمقاطعة بنجاب حيث يتم إنتاج أفضل محصول برتقال في باكستا، وهي منطقة تعج بالكثير من الأسر التي يتم اعتقالها لتورطها في تجارة الكلى، حتى أن أحد السكان يدعى مالك ظفر إقبال، بدأ يشكل اتحادا للدفاع عن حقوق المتبرعين.

12