سوق الحريم في الكويت بلا حريم

الكويت – لم يعد سوق واقف، أو سوق الحريم، يحمل الصفات التي التصقت به منذ زمن بعيد، فلا حريم يقفن وراء البسطات يعرضن بضائعهن البسيطة، ولا نساء يشترين منهن بعد أن انتشرت المولات والمحلات التجارية العصرية، ولم يعد يقف أحد هناك سوى من تبقى من أصحاب المحال من كبار السن، الذين ارتبطوا بالمكان، رغم ضعف الحركة التجارية في السوق.
وسوق واقف، أو كما يطلق عليه باللهجة الكويتية “واجف”، يعد من الأماكن الشعبية الشهيرة، ومن الأسواق القديمة، حيث كان عبارة عن أزقة ضيِّقة تجلس بها النساء والباعة المتجولون، لبيع مختلف أنوع السلع.
ويعرف أيضا بسوق الحريم، لأن جميع البائعات فيه من النساء الكويتيات، وكان عبارة عن بسطات أرضية وعلوية دون رسوم، حيث إن النساء البائعات ورثن المهنة من أمهاتهن سابقا وحتى البضائع المباعة فيه تعتبر تراثية وبدائية وبأسعار رمزية جدا.
وفي يناير سنة 2013 اندلع حريق ضخم التهم العديد من البسطات والمحلات في السوق، ثم وقع ترميمه وإقامة 66 بسطة حديثة لعرض السلع والبضائع.
وأعطت بلدية الكويت النساء الكويتيات اللائي يرغبن في العمل بالسوق تراخيص بإيجارات رمزية، لكن بعد فترة أصبح جميع العاملين في السوق من الجنسيات الآسيوية والأفريقية، مع أن العقد يشترط أن تعمل في البسطة كويتيات، وعلى ذلك تم سحب 65 رخصة بسطة، من أصل 68، حيث لم يتبقَ سوى ثلاث بسطات.
تقول أم أحمد التي تعمل في السوق منذ أربعين سنة إن العاملات من غير الكويتيات يساعدننا بالعمل، فيأتين صباحا ويقمن بصف البضائع فقط.
وتضيف، “أعمل بهذا السوق منذ حوالي أربعين عاما، وكانت أسعار التأجير في الماضي تكاد تكون منعدمة، وكان السوق مزدهرا ويأتينا الزبائن من كل أنحاء الكويت نبيع السلع التقليدية مثل الحناء الأصلية والتي تأتي من سوق الإحساء أو من البحرين”.
وعن تاريخ السوق قال الباحث في تاريخ الكويت يعقوب يوسف الغنیم “إن سوق واقف يقع في منطقة الدهلة بوسط مدينة الكويت بالقرب من أقدم أسواقها، ويوجد في زقاق ضیق تجلس فیه البائعات وتحیط به منازل قديمة أزيلت لتحل محلها أسواق جديدة”.
وأضاف قائلا لوكالة الأنباء الكويتیة (كونا)، “أن اسم سوق واجف يعني (واقف) حیث يلفظ حرف (القاف) باللهجة الكويتیة بحرف (الجیم) وذلك لوقوف زبائنه ومرتاديه أمام البائعات لشراء البضائعه.
وذكر، أن اسم سوق واجف “هو الاسم الذي نعرفه به منذ زمن طويل، ولكننا لاحظنا أن العدد الكبیر من الأجانب الذين وفدوا إلى الكويت فی ما بعد صاروا يسمونه سوق الحريم لعدم معرفتهم باسمه الحقیقي وهم بذلك يطلقون علیه تسمیة خاطئة”.
وأوضح أن هذا السوق يتمیز بأن أغلب من يتولى البیع فیه من النساء، ولئن كانت هناك بعض المحلات على جانبیه، فإن الأساس هو الجزء الأوسط منه حیث تصطف البائعات في صفین متخالفین يعطي أحدهما ظهره للآخر ويتجه أحدهما إلى الغرب، ويتجه الآخر إلى الشرق، ويشتهر السوق ببیع الملابس والمنسوجات التقلیدية من الثياب والدراعات والعباءات النسائیة والملافع والبوشیة والبراقع.
وأشار الغنیم إلى توافر بعض المواد الاستهلاكیة من الصابون واللیف وحجر الحف الأسود لدعك القدمین وكحل العین ومشط الخشب القديم وأدوات الزينة من الحناء و(الديرم) الذي يستخدم لصبغ الشفاه.
وقالت أم حسن والتي كانت بائعة بالسوق، “عندما تزوجت قامت أمي بتجهيزي من هذا السوق، حيث كانوا يبيعون الحناء والديرم وثوب العرس وجميع مستلزمات العروس، وأقول لأحفادي دائما إنني جهزت لعرسي من هذا السوق لأن له ذكرى طيبة في نفوس أهل الكويت”.
وورثت أم حسن البسطة عن والدتها وظلت تبيع فيها المنتجات لزبائن السوق من الجنسين وأغلبيتهم من النساء والعرائس، مضيفة، أن “كل شيء تغير الآن ولم يبق زمن الحريم الذي كان سابقا، بقيت القليلات والبقية من العمال والعاملات من الأجانب”.
وازداد عدد البائعات الآسيويات والصوماليات، واللاتي يصعب تحديد أعدادهن لهروبهن من مكان السوق في حال قدوم دوريات تفتيش تابعة لبلدية الكويت لمخالفة غالبيتهن لشروط الإقامة.
وعن خلو السوق من البائعين وخلو البسطات من النساء، قالت أم حسن إن قلة الإقبال على السوق تعود إلى انتشار الأسواق الشعبية والمجمعات التجارية، وإلى عزوف الفتيات عن ارتداء الثياب التقليدية وإتباعهن الموضة العصرية.
وتوقفت بسطات سوق واقف عن العمل وخلت من السلع، إلا ثلاثا منها فقط يديرها آسيويون وقفوا وسط بضائع مكدسة لا تجد من يشتريها.