سوريون في حمص يداوون جراح الحرب بالفنون

معرض للرسم والتصوير والنحت يضيء درب السلام.
الخميس 2021/10/07
قصص موجعة بالألوان

كيف ينسى الناس مآسيهم والزمن لم يعد قادرا على هذه المهمة بعد أن نفد الصبر على ما خلفته الحرب الأهلية السورية من مآس وقصص موجعة مازلت تسكن ذاكرة السوريين، لكن يبدو أن الفن كفيل بهذه المهمة، مهمة التطهير من خلال التعبير عن المشاعر التي تؤرق البعض، فمشاركة المواجع مع الآخرين تخفف العبء كما فعل شباب في المعرض الفني الأخير في حمص.

حمص (سوريا) - بعد عامين من انقطاعها عن ممارسة هوايتها المفضلة، تمكنت الصيدلانية السورية ديالا دخيل (25 عاما) في نهاية المطاف من مواصلة رحلتها في الشفاء الذاتي من خلال الرسم.

عرضت ديالا، وهي من سكان حمص، أعمالها الفنية في معرض عبور بمشاركة 74 فنانا سوريا آخرين عُرضت أعمالهم التي تعبر عن معاناتهم في سنوات الحرب في المعرض الذي يقيمه ملتقى هارموني الثقافي في قصر الزهراوي بالحميدية في حمص.

بين أحضان حجارته السود القديمة وبنائه التاريخي احتضن قصر الزهراوي 130 عملا فنيا تنوع بين لوحات الرسم الزيتي والتصوير الضوئي والنحت، وتنوعت فيها الأفكار والآراء والأساليب والدلالات.

وأشار كامل عوض منظم المعرض إلى أن المعرض حصيلة تدريب استغرق 4 أشهر حيث انطلقت فكرة (عبور) من أن “الفن طريق للسلام” وأن بإمكان كل إنسان التعبير عن ذاته وشغفه في حال توافرت له المساحة الآمنة، ووجد من يؤمن به وبقدراته ويقدم له الدعم.

واستلهمت ديالا شغفها بالرسم من عشق والدها له، فنشأت وهي تتعلمه منه، لكن في عام 2013 تعرض للخطف ولم تسمع عنه ابنته شيئا منذ ذلك اليوم.

وقالت ديالا، “نحن نريد أن نوثق من خلال هذه الأعمال ما عشناه عن أيام الحرب. ومع أنه ليس من السهل على الواحد أن يصل إلى مرحلة مواجهة مشاعره والتعبير عنها، ولكن أنا بشكل خاص حاولت في هذه الأعمال التعبير عما عشته ورأيته في هذه الأزمة التي أرهقت كل السوريين”.

فنانون كرسوا وقتهم ومهاراتهم لإثراء تجربة المشاركين في المعرض للتعبير عن مشاعرهم
فنانون كرسوا وقتهم ومهاراتهم لإثراء تجربة المشاركين في المعرض للتعبير عن مشاعرهم

وأضافت “كنت أخاف من نسيان ملامح والدي، فرسمته، كان الأمر قاسيا في كل مرة أحاول فيها أن استرجع ملامحه التي أحبها فيه. كان الأمر صعبا جدا خاصة وأنني انقطعت عن الرسم لمدة سنتين لم أقدر فيها العودة إلى مرسمي. المكان الذي أحبه كثيرا ويربطني روحيا بأشياء كثيرة”.

ويقول النقاد إن هذه اللوحات الزيتية والمائية المعروضة، لا تكشف عن خيال جامح وفكر متقد وحسب، بل تكشف أيضا عن تقنية الرسم على الصور الضوئية لإضفاء بصمة غنية بالمعاني والدلالات لاسيما صور مشاهد الدمار للأبنية والشوارع التي أضاف عليها الفنان لمسات بسيطة أخرجتها من حيزها المألوف، إلى بعدها الحيوي التعبيري، كأن تشاهد صورة لبناء مدمر وعلى شرفته المعلقة يرسم شاب وفتاة وكأنها دعوة لإعادة الحياة إلى هذه البيوت والأبنية المدمرة، وفي لوحة أخرى نرى مقطعا من شارع مقفر يرسم بخطوط بيضاء بسيطة بعض الأولاد يلعبون، ودراجة هوائية وسيارة وإشارة ضوئية بألوانها الثلاثة.

وتحدثت ميار ملوحي (21 عاما) عما يعنيه الرسم بالنسبة لها، قائلة “الرسم أو الفن بشكل عام يعكس حياتي، فهو مثل الشباك العالي في غرفتك. يسافر بك إلى سماء صافية حتى لو كنت جالسا في غرفة مظلمة. يجعلك تشاهد من خلاله الدنيا كلها، هذا الشباك يكون في غالب الأوقات الصعبة ملاذا من الحياة والكثير من التفاصيل الموجعة التي نمر بها. من خلال الفن كنت أعبر عن أشياء كانت تصل لي ولو أنها لم تصل للكثيرين، لكنها كانت تخدمني نفسيا”.

ولفت عوض لوكالة الأنباء السورية (سانا) إلى أن عشرة فنانين كرسوا وقتهم ومهاراتهم في إثراء تجربة المشاركين الشبان بالنصائح والخبرات للتعبير عما يجول في خاطرهم، وليتمكنوا معًا من العبور بفكرهم إلى العالم.

وفي جانب التصوير الضوئي وثق خمسة وعشرون شابًا وشابة بعدستهم لحظات اختاروها لتبقى إلى المستقبل، حيث أشار عبدالعزيز الدروبي من المشرفين على قسم التصوير إلى أن الصور التي التقطها الشباب اختاروها لينظر العالم بأعينهم ولتبقى هذه الصور محفوظة في أذهاننا كما هي، وتسرد لنا حكايات كثيرة عشناها خلال السنوات العشر الأخيرة.

تقاسم المعاناة مع الآخرين يخفف من وطأتها
تقاسم المعاناة مع الآخرين يخفف من وطأتها

وبيّن أنه شارك بصورة لبائع خضار وفواكه يركن عربته بسلام في زاوية أحد الأحياء المدمرة الذي يشهد عودة أهله إليه.

و شارك عبدالسلام شبلوط بصورة تضج بالأمل لعائلة تتوسط طريقا على أحد جوانبه بيوت مدمرة وعلى الجانب الآخر مشهد لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في سورية.

وفي قسم النحت جسد ثلاثة عشر شابا وشابة بمنحوتاتهم روايات مروا بها في السنوات العشر السابقة لينقشوا التاريخ بأيديهم عابرين ومعبرين عما خالط أرواحهم، فلامسوا تراب الأرض بأيديهم وجعلوا منه فنا يروي قصصهم.

وقدم النحات خلدون شدود مدرب ومشرف بقسم النحت، عملا على شكل سفينة متهالكة غير قابلة للإبحار يجلس داخلها شخص محاولًا التجديف رغم الحبل الذي يقيد حركته.

وعلى جانب آخر من أركان القصر نثر أكثر من تسعة وثلاثين شابا وشابة فنهم بجميع ألوانه، واستطاعوا أن ينقلوا الواقع إلى ألواح قماشية ليخطوا بريشاتهم ألوانا تعبر عما مروا به في سنواتهم الأخيرة، وينسجوا لوحات من وحي خيالهم، ويشاركوا أفكارهم كما أحسوا بها.

واختصر وضاح منصور بلوحة تشكيلية رحلة سكان المدينة عبر سنوات الحرب، لكنهم لم يفقدوا الأمل بالعودة.

وشاركت ليندا ليوس بأربع لوحات جسدت إحداها مجموعة القوى المادية التي تتحكم بالإنسان بدءًا بالحبل السري عند الولادة وصولًا إلى المال والجشع والطمع التي تسبب الحروب والأزمات.

يشار إلى أن المعرض استمر حتى الرابع من أكتوبر الجاري. وقال عوض إن إقبال الجمهور عليه كبير، مشيرا إلى أن نحو ألفي شخص زاروه في يوم الافتتاح، وفي الأيام الموالية زارنا ما بين 500 و600 يوميا.

20