سوريا والعلاقة الثلاثية للأمم المتحدة

سوريا لاتزال دولة فاشلة تتطلب إعادة التفكير في كيفية الاعتماد الأفضل للأنشطة الإنسانية والإنمائية لتخدم الشعب السوري.
الثلاثاء 2024/09/24
دور الأمم المتحدة في سوريا بحاجة إلى التعديل

دمشق- تشتد الحاجة إلى نقلة نوعية تمس الاستجابة الإنسانية في سوريا مع تضاؤل الموارد، حيث عاد إلى الواجهة الموضوع القديم المتمثل في العلاقة بين العمل الإنساني والتنمية والسلام، المعروفة باسم العلاقة الثلاثية، ما يطرح تساؤلات: هل يمكن أن تكون هذه العلاقة الثلاثية الآلية التي تُمكّن من إنقاذ الاستجابة الإنسانية المضطربة وربما حتى العملية السياسية؟.

ويقول المحلل والمستشار في شؤون الشرق الأوسط والمتخصص في الشأن السوري مالك العبدة في تقرير نشره موقع سيريا إن ترانزيشن (سوريا في طور الانتقال) إن العلاقة الثلاثية بقيت مصطلحا رنانا في أوراق الإستراتيجية والاتصالات العامة لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والحكومات المانحة منذ أن قدمها أنطونيو غوتيريش خلال 2016.

ويضيف العبدة أن العلاقة الثلاثية تؤكد مبدئيا على ضرورة تعزيز الروابط بين الأنشطة الإنسانية والإنمائية والمساعي من أجل إحلال السلام. لكن اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات التابعة للأمم المتحدة والجهات المانحة الفردية لم تقدّم أي توضيح لهذا التعريف الغامض. ويرى أنه لم تتوفر بذلك خارطة طريق لكيفية تفعيل العلاقة الثلاثية. وكان هذا أمرا متعمدا من بعض النواحي.

يبقى إحلال السلام الركيزة الأكثر غموضا في العلاقة الثلاثية، رغم كونه المفتاح الوحيد لإنهاء الأسباب الأساسية التي تغذي الأزمة الإنسانية. وعرّف النهج السائد حتى الآن إحلال السلام على أنه مزيج لمختلف المهام التي تشمل استعادة الهياكل الأساسية، ودعم الأعمال التجارية الصغيرة، وبرامج التعليم، وتعزيز التماسك الاجتماعي.

إحلال السلام يبقى الركيزة الأكثر غموضا في العلاقة الثلاثية، رغم كونه المفتاح الوحيد لإنهاء الأسباب الأساسية التي تغذي الأزمة الإنسانية

ويقال إن “تمكين” المستفيدين يمرّ عبر تحملهم لدور في تنفيذ البرامج الإنسانية بدلا من أن يكونوا متلقين سلبيين للمعونة. ونصادف هنا كلمة رائجة غير معرّفة بدقة، وهي “المعالجة المحلية”. وهي تهدف إلى منح الجهات الفاعلة المحلية المزيد من الصلاحيات والكفاءة.

ويدعي معظم الممثلين أنهم رواد العلاقة الثلاثية والمعالجة المحلية. ولكن هذه المعالجة المحلية ظلت تعني عمليا حتى الآن تولي المسؤولين التنفيذيين جمع ملاحظات السكان المحليين ومعالجتها بصفتهم تلك. ولا يزال منح السكان المحليين تمويلا مباشرا أو سلطات اتخاذ القرار، أمرا نادرا. وظل هيكل السلطة الأساسي كما هو في مجمع المساعدات الإنسانية رغم العلاقة الثلاثية والمعالجة المحلية.

ويعود ذلك أساسا إلى أنه لا رغبة لدى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية في إعادة النظر في نمطها الاقتصادي، كما أنه لا رغبة لديها في مواجهة قضايا سياسية شائكة. كما أننقل السلطة المالية وسلطة اتخاذ القرار إلى الجهات الفاعلة السورية منح السلطة السياسية إلى المنظمات غير الحكومية السورية و/أو “هياكل الحكم المحلي” التي تشكل، شاءت أم أبت، جزءا من صراع أوسع.

ويكمن منطق العلاقة الثلاثية الحالي في أن مزيج أنشطة المعونة يمنع المزيد من تصعيد الصراع، ويعزز التماسك الاجتماعي، ويخلق مساحة للمصالحة المحلية، ويسمح للسلام بالظهور تدريجيا بطريقة شعبية.

وبما أن السلام الإيجابي في سوريا يبقى بعيد المنال، أصبح “الصمود” هدفا مؤقتا. ويجب هنا أن يصبح السوريون أكثر صمودا أمام ظروفهم المعيشية الكارثية وصدماتهم المستقبلية لتجنب المزيد من الأزمات الإنسانية والسياسية التي يغذي بعضها بعضا.

ووفقا لهذا النهج، يمكن إدراج جميع الأنشطة التي تساعد الموطنين ومجتمعاتهم، من المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية إلى استعادة الكهرباء، ضمن ركيزة بناء السلام في العلاقة الثلاثية.

ومن المفترض أن يكون التنفيذ حساسا للنزاعات، ولكنه ليس سياسيا إلى حد كبير. ويقال إن النهج التصاعدي ممكن لأنه يمكن السلام من أن يزدهر من المجتمع المدني والمجتمعات المحلية دون أن يكون مشوشا بسياسات دبلوماسية المسار الأول (دبلوماسية ممثلين عن أجهزة الدولة الرسمية).

وتدعم العديد من المنظمات غير الحكومية السورية المشاركة في الاستجابة الإنسانية والإنمائية هذا النهج، لأنه يضعها مع المحاورين الرئيسيين ويبقيها نشطة. وتمكّن المقاربة الحالية للعلاقة الثلاثية الجهات الفاعلة الإنسانية من استغلال المفهوم لتضفي على بنية “المجتمع المدني” و”المجتمعات المحلية” دورا محايدا وبُعدا حالما ويبقى مقبولا على الصعيد السياسي.

ولنهج المصلحة الذاتية السلبي، الذي يتجنب المخاطرة، عواقب سلبية. وهو لا يعتمد الروابط بين ركائز العلاقة الثلاثية كما يجب، رغم كونها حيوية خلال هذه المرحلة التي تشهد ظروفا متدهورة في سوريا. ولا يمكن أن يعوض الاستثمار في “القدرة على الصمود” خسائر الصراع القائم، وانخفاض التمويل الذي تقدّمه الجهات المانحة، ومشاكل نظام الأسد المفترس الذي يمتص كل شيء حوله.

وستخسر العلاقة الثلاثية بسبب النهج المعتمد اليوم السباق مع الزمن حيث يُترك الجدار الناري المتعمد للمساعدات الإنسانية والمساعدة الإنمائية من سياسة المسار الأول المسرح السياسي، لأولئك الذين تكمن مصلحتهم في استغلال المساعدات لأغراض سياسية، سواء كانت وكالات الأمم المتحدة مدفوعة بتعظيم الذات وميولات بعض موظفيها الأيديولوجية، أو نظام الأسد الذي يحاول إنقاذ اقتصاده المتعثر بأموال الأمم المتحدة المستمدة من الغرب أو بعض المانحين الغربيين الذين يتبعون أجندات غير واقعية لعودة اللاجئين.

المفارقة تكمن في أن الجهات الفاعلة الإنسانية والسياسية ينتهي بها المطاف إلى إضعاف المبادئ الإنسانية وفعالية المساعدات، بدلا من تعزيزها

وتكمن المفارقة في أن الجهات الفاعلة الإنسانية والسياسية ينتهي بها المطاف إلى إضعاف المبادئ الإنسانية وفعالية المساعدات، بدلا من تعزيزها، من خلال مقاومة النظر إلى المساعدات الإنسانية والتنموية باعتبارها أفعالا سياسية بطبيعتها.

وليس نهج التعامل الحالي مع العلاقة الثلاثية (ما يمكن تسميتها “بناء السلام السلبي”) خاطئا بطبيعته. لكنه غير مكتمل. ولا يمكن أن يتوقع من الأشخاص الساعين إلى البقاء على قيد الحياة أن يشاركوا عاطفيا أو فكريا في خفض التصعيد الحقيقي وبناء السلام. وبينما تبقى الاستثمارات في الخدمات الأساسية وسبل كسب الرزق والتماسك الاجتماعي مهمة، لن تتجاوز كونها مجرد تدابير مستدامة للحياة إن لم تُرفق بطبقة إضافية من بناء السلام. ومن المؤسف أنها تعزز أطراف الصراع وتديمه.

ويجب استكمال نهج “بناء السلام السلبي” بما يُسمّى “بناء السلام الإستراتيجي”. وسيشمل ذلك تحديد أين تدعم المساعدات في بناء السلام وأين تضره، وأين تكون المشروطية مناسبة، وأين وكيف يمكن أن تساعد السياسة في تحسين فعالية المساعدات، وكيف يمكن استخدام المساعدات لتعزيز الأهداف السياسية والإنسانية الرئيسية مثل وقف إطلاق النار المستقر والتنمية الاقتصادية والتقارب بين مناطق النفوذ المختلفة في سوريا. كما ستشمل تدابير بناء السلام الإستراتيجية أنشطة تحقيق الاستقرار عبر المناطق، مثل استثمارات البنية التحتية في الموارد المشتركة مثل المياه والكهرباء، والبنية التحتية للتجارة عبر المناطق، وحلول المسائل المشتركة عبر المناطق في مجال التعليم.

أبرز صندوق المساعدات لشمال سوريا كيف يمكن أن يبدو نظام الحوكمة الشامل، حيث يكون للمانحين والمنظمات غير الحكومية الدولية والسورية رأي. ويجب أن يدفع المانحون الأمم المتحدة إلى هذا الاتجاه. ويجب أن تشمل المرحلة الثانية مشاركة سلطات الأمر الواقع وممثلي الجهات الفاعلة السياسية السورية، وبنظام تصويت متوازن.

وستكون النتيجة مؤسسة تقرر بتوافق الآراء كيفية توزيع المعونة والموارد الإنمائية، حيث سيعزز تفعيل العلاقة الثلاثية بهذا الشكل، كفاءة المساعدات ويقدم توجيها حاسما للتحول نحو مساعدة الإنعاش المبكر. كما سيمكن من اتخاذ خطوة حقيقية نحو الحكم الانتقالي، كما هو مطلوب بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254.

6