سوداني يصنع روبوتات من الفقر والنفايات الإلكترونية

الشاب السوداني يعتمد بشكل أساس في صناعة الروبوتات على النفايات الإلكترونية التي يحصل عليها بثمن زهيد من الأسواق المحلية.
السبت 2023/03/11
لا مستحيل تحت الشمس

الخرطوم ـ بإمكانيات متواضعة وفي منزل طيني، يعكف الشاب السوداني معتصم جبريل على تحقيق حلمه بإجراء تجارب تكنولوجية لصناعة روبوتات، عبر إعادة تدوير النفايات الإلكترونية.

جبريل (22 عاما)، الذي يعيش في مدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، ترك مقعد دراسته الجامعية بسبب تردي أوضاع أسرته الاقتصادية، ورغم ذلك لم يتخل عن حلمه بصناعة روبوت.

طوال نحو عشر سنوات، يحاول جبريل، في مساحة ضيقة داخل منزل أسرته المشيد من الطين، تتويج حكاية إبداعه الملهمة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

ويتحدى جبريل الفقر بإنجاز أعمال يومية في السوق واكتساب بعض المال وتسخيره في شراء احتياجات مشروعه، أملا في أن يتم تبني حلمه من قبل أي رجل أعمال أو مؤسسة.

الشاب السوداني يأمل أن تتحسن ظروفه الاقتصادية ليعود إلى الجامعة لإكمال دراسته الأكاديمية في مجال الهندسة والبرمجيات

ويعاني السودان أزمات عديدة، بدءا من نقص السلع الأساسية والمستوردة، فضلا عن انخفاض قيمة العملة المحلية، إضافة إلى إجراءات الحكومة لرفع الدعم عن المحروقات بطلب من صندوق النقد الدولي في 2021.

بين فينة وأخرى، يطوف جبريل أحياء الخرطوم، حاملا أحد الروبوتات التي صنعها بيديه، لعرضها وشرح تفاصيلها الصغيرة للجمهور، ما أدى إلى انتشار قصته على نطاق واسع عبر مواقع وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول جبريل “صناعة الروبوتات حلم نشأ في مخيلتي منذ الطفولة، عن طريق مشاهدة أفلام الكرتون، وأحاول جاهدا تطبيق الخيال على أرض الواقع”. وأضاف “بدأت في صناعة الروبوتات قبل 9 سنوات، بعد أن شاهدت الكثير من أفلام الكرتون التي تتحدث عن المخترعين”.

وتابع “تقييمي الشخصي للعمل الذي أنفذه صفر في المئة من حيث الإنجاز، لكن إذا توفرت المعدات الجيدة من الممكن إنجاز الروبوت بنسبة 10 في المئة لاستخدامه في المطاعم والمستشفيات والأماكن الأخرى”.

ويعتمد الشاب النحيل بشكل أساس في صناعة الروبوتات على النفايات الإلكترونية التي يحصل عليها بثمن زهيد من الأسواق المحلية، لاسيما أن المكونات الأساسية تفوق مقدرته المالية.

لذلك يظل جبريل يبحث بشكل مستمر ومضن في أسواق الإلكترونيات على الإنترنت، عن أي أجزاء إلكترونية معروضة للبيع تناسب صناعته، لشرائها بأسعار مناسبة.

يقول “ليس في إمكاني تسييح المعدن أو تذويب البلاستيك على سبيل المثال، لكن أتعامل مع أشياء موجودة في حياتنا العادية بصورتها الراهنة للحصول على الناتج المطلوب، وأحيانا أقوم بإعادة تدوير المواد، ومعظم عملي يقوم على الحلول البديلة، لذلك نتائج الاختراعات تكون غالبا ضعيفة”.

هه

ويشهد السودان تذبذبا في وفرة النقد الأجنبي، ما يرفع كلفة الاستيراد وتحميل المستهلك فروقات أسعار الصرف، عدا عن ارتفاع الأسعار عالميا خاصة الوقود والغذاء.

وعن تأثير الظروف المعيشية على حلمه، قال جبريل “في المراحل الأولية، كنت أتحرك بحرية أكبر بعد الدراسة، وتوفير بعض المال من المصروف اليومي”. وأضاف “كنت أدرس هندسة إلكترونيات في جامعة السودان العالمية (خاصة)، التحقت بالدراسة لإيجاد طريقة تواكب بين الدراسة والعمل على المشروع”. وتابع “كثيرا ما كنت أنجز أعمالا حرة لتوفير المبلغ المالي لتسديد الرسوم الدراسية والجلوس للامتحانات”.

وأوضح “دخل الوالد والوالدة من عملهما ضعيف، لذلك تغيبت كثيرا عن الامتحانات بسبب العجز عن سداد الرسوم الدراسية، وفي نهاية المطاف وجدت نفسي مفصولا من الجامعة”.

جبريل يتحدى الفقر بإنجاز أعمال يومية في السوق واكتساب بعض المال وتسخيره في شراء احتياجات مشروعه، أملا في أن يتم تبني حلمه من قبل أي رجل أعمال أو مؤسسة

واستدرك بحزن “لكن حاليا أعاني ضيق المكان في المنزل، والظروف الاقتصادية المعقدة، والشغل البدائي، لكنني أعتبرها مجرد لمحة”.

لم يلتفت جبريل إلى سخرية أصدقائه في مقاعد الدراسة والحي، وواصل الليل بالنهار لإنجاز فكرته وتطبيقها على أرض الواقع.

وعن ذلك، قال “كنت وما زلت أعاني من سخرية الزملاء والأصدقاء في الجامعة عندما أبدأ في شرح مشروعي المتعلق بصناعة الروبوتات”. وتابع مستنكرا “يعتبرونها مجرد تفاهة، رغم شرحي المستمر لفكرة المشروع بالطرق الهندسية والتصاميم ثلاثية الأبعاد”.

ويضيف متحدثا عن المصاعب “لي صديق كثيرا ما يشتكي من المشاكل التي يواجهها بسبب بتر يده إثر حادث مروري، طرأت لي فكرة الاستعانة بذراع إلكترونية شبيهة بفكرة الروبوت، قمنا بالتجرية ولكنها كانت غير متطورة، عرضناها أملا في أن نجد جهة ما تقوم بتطوير المشروع غير أننا لم نوفق”. وأوضح أن “الروبوت بالنسبة إلى تقييمي الشخصي، هو أخطر من السلاح النووي، وبإمكانه تغيير حياة البشرية في المستقبل”.

ويأمل جبريل في أن تتحسن ظروفه الاقتصادية ليعود إلى الجامعة لإكمال دراسته الأكاديمية في مجال الهندسة والبرمجيات، وإنجاز مشروع في صناعة الروبوتات على أساس علمي، ومن ثم بدء البيع.

أما حلمه الكبير فهو أن يتجاوز صناعة الروبوتات، وبلوغ مرحلة صناعة “الصواريخ بالغة الدقة”، وتطبيق نظريته التي تقول “لا مستحيل تحت الشمس، وكل شيء ممكن بالعزيمة والإصرار”.

وختم بالتأكيد على أنه يرنو جاهدا إلى المستقبل بإكمال دراسته الأكاديمية، ويأمل في إيجاد رعاية من مؤسسات محلية أو دولية تتبنى مشروعه لتتويج قصة نجاحه والوصول إلى العالمية.

16