سودانيون ميسورو الحال عالقون على الحدود المصرية

توفير التأشيرات للشباب يعرقل سفر الأهالي.
الثلاثاء 2023/05/09
حيرة العائلات على أطفالها

لا تفرق الحرب بين الأثرياء والفقراء الذين غالبا ما يدفعون الثمن باهظا، فالسودانيون من ميسوري الحال طالهم الأذى في رحلة فرارهم بعد أن علقوا في مدينة وادي حلفا الحدودية في ظروف سيئة بسبب تعطل التأشيرات لأبنائهم الشباب بسبب كثرة الطلبات.

وادي حلفا (السودان) - بعد أن نامت أسبوعا في ظل شجرة بفناء مسجد في مدينة وادي حلفا السودانية استبدّت الحيرة بداليا حسن، فهي إما أن تعبر الحدود إلى مصر أو تنتظر إلى أن يحصل ابنها البالغ من العمر 18 عاما على تأشيرة.

وعلى مقربة من المدينة الحارة الصحراوية الترابية ثمة عائلة تشمل ثلاث شقيقات حوامل وجدة تتنفس بواسطة أسطوانة أكسجين ويتبادلن جميعا الأدوار للنوم على أسرّة مستأجرة إلى حين حصول محمد البالغ من العمر 16 عاما على تأشيرة مصرية.

فوسط أمواج النزوح بسبب الحرب في السودان، فرّ الكثيرون من ميسوري الحال السودانيين من الخرطوم وانطلقوا في رحلة مكلفة وشاقة على الطريق إلى الحدود مع مصر التي تبعد 720 كيلومترا إلى الشمال.

وعلى الرغم من أنه يمكن للنساء والأطفال وكبار السن دخول مصر بحريّة، وإن كان ذلك يحدث كثيرا بعد الانتظار لأيام في ظل ظروف صعبة على الحدود، فإنه يتعين على السودانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و50 عاما التقدم بطلب تأشيرة.

ظهور سوق سوداء للتأشيرات في وادي حلفا حيث يمكن للمتقدمين بطلب تأشيرة دفع 400 دولار لتسريع الإجراءات

وأدت هذه اللائحة إلى حالة من الازدحام في وادي حلفا التي تبعد 25 كيلومترا جنوبي الحدود وتوجد فيها قنصلية مصرية حيث يتكدس رجال أعمال وأطباء وسودانيون آخرون ميسورو الحال في الفنادق والمدارس والمستشفيات بل ويمتد الأمر إلى الشوارع.

وقالت داليا البالغة من العمر 40 عاما والتي سافرت مع ابنها من حي كافوري الراقي على الجهة المقابلة لوسط الخرطوم عبر النيل الأزرق “كنا  نعيش في منازلنا بأمان أنظروا كيف أصبحنا الآن”.

وأضافت “لو لم يتحصل ابني على تأشيرة لا أستطيع أن نتركه ونسافر..  كيف أترك ولدا عمره 18 عاما ولم يسافر من قبل لوحده”.

وقال عبدالقادر عبدالله قنصل السودان في أسوان، إن 6 آلاف جواز سفر كانت بانتظار التأشيرات في وادي حلفا حتى خمسة أيام مضت وإن وزارة الخارجية المصرية أرسلت تعزيزات لتسريع الإجراءات.

وذكرت الوزارة الأسبوع الماضي ردا على أسئلة بشأن المعابر الحدودية أن السلطات تعمل على تسهيل إجلاء أبناء جميع الجنسيات من السودان منذ اندلاع القتال وكذلك تقديم الرعاية لمن يعبرون الحدود.

ويحتمي الملايين من السكان بمنازلهم منذ ثلاثة أسابيع خوفا من الضربات الجوية ومعارك المدفعية والنهب وانعدام القانون وحُرم الكثيرون من الكهرباء والماء ويتكبدون العناء للحصول على إمدادات الغذاء.

Thumbnail

ومع إغلاق مطار الخرطوم، هرب عشرات الآلاف برا إلى مناطق أكثر أمنا خارج العاصمة وعبر حدود البلاد.

وتشير الأرقام الحكومية إلى أن ما لا يقل عن 64 ألفا عبروا الحدود إلى مصر التي تستضيف بالفعل ما يقدر بأربعة ملايين سوداني ويوجد لعائلات كثيرة معارف فيها.

ولتحقيق ذلك يتكدس السودانيون في حافلات وشاحنات ويدفع كل منهم ما يصل إلى 500 دولار للانتقال إلى موقعين حدوديين هما أرقين إلى الغرب من بحيرة النوبة وقسطل شمالي وادي حلفا ثم إلى مصر.

وأصبحت المدينة المنخفضة الهادئة منطقة انتظار شاسعة لرجال بالغين ينشدون التأشيرة وعائلات لا ترغب في الانفصال عن ذوي القربى. ولم يستوعب الكثيرون بعد صدمة القتال الذي دفعهم لترك ديارهم.

وقالت دانيا النصري (28 عاما) التي تدرس للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة من لندن إنها قضت 20 ساعة تحت السرير في خوف قبل أن تغادر منزلها في كافوري يوم 30 أبريل.

وأضافت “لا نستطيع أن ننام بالمرة.. نمت يوما نصف ساعة لكنني قمت مذعورة على صوت انفجار كبير. انتابني هلع شديد لما وجدت نفسي أزحف وأفكر أنا ميتة؟”.

واخترق الرصاص جدران المبنى الذي تعيش فيه والذي كانت 11 من بين 12 شقة فيه خاوية عندما رحلت عنه. وتوقفت دانيا في نقاط تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع ثلاث مرات وقالت إنها نجت بأعجوبة من تبادل لإطلاق النار.

Thumbnail

وعندما وصلت إلى وادي حلفا أنزلها سائق الحافلة الذي وعد بتوصيلها إلى مصر مع عائلتها وطلب المزيد من المال.

وترك بعض من يستطيعون الهرب منازلهم وممتلكاتهم فريسة للصوص.

وكان خالد إبراهيم، وهو رجل أعمال في الثلاثينات من العمر، في وادي حلفا بالفعل عندما شاهد على شاشة هاتفه المحمول لقطات لكاميرا أمنية في منزله بأم درمان تظهر مقاتلين يعيثون فسادا في الداخل فيطلقون النار على أقفال الأبواب ويحرقون شيكات بالملايين من الجنيهات السودانية.

وعاد إبراهيم لجلب بعض الأمتعة ووجد كلبه مقتولا بالرصاص. ورجع إلى وادي حلفا للتقدم بطلب تأشيرة، لكن قيل له إن عليه الانتظار لذا أرسل والديه كبيري السن إلى مصر بمفردهما، دون أن يعرف كيف سيعيشان ويتدبران أمرهما من دونه.

وتمتلئ شوارع وادي حلفا المتسخة بطوابير طويلة من الحافلات التي توصل مسافرين وتُقلّ المزيد منهم.

كما أن الفنادق الرخيصة في المدينة محجوزة بالكامل. وتزدحم المساجد والمدارس وساحات الانتظار والمستشفيات بعائلات كبيرة تستأجر كل شيء من الأسرّة إلى استخدام دورات المياه. وتعد فرق قليلة من المتطوعين الوجبات وتوزع المياه.

Thumbnail

وفي يوم من أيام أواخر أبريل، قال بعض المتقدمين بطلب الحصول على تأشيرة إن القنصلية المصرية لم تعد تنظر في طلباتهم لنفاد ما لديها من ملصقات التأشيرة.

وظهرت سوق سوداء للتأشيرات حيث قال إبراهيم وآخرون إنه يمكن للمتقدمين بطلب تأشيرة دفع 400 دولار لتسريع الإجراءات.

وأحمد عبدالرحمن (28 عاما) مهندس فرّ من أم درمان مع 14 من أقاربه. وواصل نصف المجموعة طريقهم إلى مصر واستقر الباقون في مدرسة بوادي حلفا وينامون في أحد الفصول مع ثلاث عائلات أخرى. وقال إن المسؤولين المنهكين في القنصلية المصرية لا يبدون تعاطفا يذكر مع محنتهم.

ولم تردّ وزارة الخارجية المصرية على طلب تعقيب على تقارير وجود سوق سوداء للتأشيرات ولا الشكاوى من سلوك موظفي القنصلية ولا نفاد ملصقات التأشيرة.

وفي فصل آخر بالمدرسة قال جورج بشير حنا، وهو رجل أعمال كبير في السن ومن أصل سوري، إنه ينتظر منذ أسبوع حتى يحصل ابنه جيمي على تأشيرة. وأبلغته المدرسة هو وآخرين بأنها تحتاج إلى استخدام الفصول هذا الأسبوع من أجل امتحانات نهاية العام.

وقال جورج “ليس لديّ مكان أذهب إليه هل سأذهب إلى النوم بجانب الحافلات في المحطة؟”.

 

اقرأ أيضاً:

       دمار الحرب يطال متاحف الخرطوم

16