سنغافورة مائدة الطعام العجيب

المذاقات الحارة والحلوة والمرة تمتزج في طبق واحد في المطبخ السنغافوري.
الثلاثاء 2020/03/17
روائح لذيذة تفوح في شارع العرب

إذا كان الأكل ثقافة، فإن المطبخ السنغافوري كتاب مفتوح للطعام، كتاب لا يخلو من غرائبية في المذاق وتنوع في النكهات والألوان أتت من الدول الآسيوية والعربية وحتى الغربية، لتتكون أطباقا سنغافورية يسافر إليها عشاق بطونهم من مختلف دول العالم.

سنغافورة - تعتبر سنغافورة صندوق مفاجآت في ما يتعلق بفنون الطهي والمطبخ الغنيّ بنكهات من مختلف الحضارات الآسيوية والعربية والتركية وحتى الغربية، هذا التنوّع والتداخل لمدارس الطبخ المختلفة أدى إلى ظهور المطبخ السنغافوري الذي عرف بتعدد المذاقات الحارة والحلوة والمرة في الطبق الواحد.

ويتطلب طهي المأكولات السنغافورية الصبر، كون أغلبية النكهات يتم طحنها يدوياً حتى تكون طازجة، كما أن معظم مكوناتها يتم إنتاجها محلياً، مثل التوفو والنودلز والروبيان المجفف، كما أن طهي الطعام السنغافوري يحتاج إلى وقت طويل وبمكوّنات غير متوقعة، وأن النتيجة تأتي غنية تماما.

وفي ما يتعلق بأسعار الأغذية والمشروبات في سنغافورة، يمكن تناول وجبة فاخرة مقابل بعض المئات من الدولارات للشخص الواحد، لكن يمكن في نفس الوقت تناول وجبة غداء بسعر أقل من 5 دولارات سنغافورية (3.57 دولار أميركي).

شارع العرب

في شارع العرب، الشارع الرئيسي في منطقة كامبونج جلام، لا يبدو من ملامحه على الإطلاق أنه يقع في قلب العاصمة، ومع ذلك، يعد بامتياز مكان تجمّع كل فنون الطهي تمتزج رائحته لتملأ الشارع وتسيل لعاب المارة.

وأهم ما يميزه، تجاور المنازل الصغيرة المنخفضة، والمقاهي والمحلات مع جامع ضخم بمئذنته الشامخة المتألقة، وفي أول مقهى تبدأ أول صدمة ثقافية، تقدّم القهوة محلاة بشكل مبالغ فيه ومع وفرة من الحليب المكثّف.

ولا تقتصر هذه الوفرة والكرم على القهوة فحسب، بل تلاحظ بشكل معتاد في طعام الغداء أيضا، الكثير من الفلفل الحار والكثير من السكر وهذا يعكس تأثيرات كثيرة في مختلف الأطباق والأطعمة التي تحتوي على صلصة الصويا المخمّرة والسمك المشوي.

يحظى الساتاي بشعبية في ماليزيا، ويمكن العثور على شبيه وثيق له في اليابان، إضافة إلى أنه يشبه الشيش كباب العربي

ويعتبر الأرز القاسم المشترك في أغلب هذه الأطباق حيث ما من سبيل للعثور على بديل له.

يفتح مقهى كامبونج جلام أبوابه كل أيام الأسبوع من الثامنة صباحا وحتى الثانية فجرا من اليوم التالي، يقدم خلال هذه الفترة وجبات متنوعة عربية وآسيوية وأوروبية بأسعار تتراوح بين ثلاثة إلى ستة دولارات.

وعلى الرغم من أن المرشد السياحي يسهب في شرح مكوّنات كل وجبة والتأثيرات المتداخلة بها، لكن ليس من اليسير دائما تحديد المنشأ الحقيقي لكل طبق منها على وجه الدقة. يشار إلى أن تعداد سكان سنغافورة يقدر بنحو 5.7 مليون نسمة، أكثر من مليونين منهم لديهم جنسيات أخرى. ويعتبر الصينيون الجماعة العرقية الأكثر كثافة سكانية بجانب عرقيات الملايو والهنود، ونتاجا لهذا التنوع الديموغرافي جاء المطبخ السنغافوري تعبيرا عن انصهار هذه الأعراق المتنوعة.

عربات الساتاي

Thumbnail

يعتبر الساتاي من أشهر الأطباق في الصين التي تعرف بمائدة الطعام العالمي، وموطنه الأصلي جزيرة سومطرة أو جاوة، في إندونيسيا، لكنه يحظى بشعبية كبيرة في بلدان جنوب شرق آسيا الأخرى مثل الصين وماليزيا وسنغافورة والفلبين وتايلاند، وكذلك في هولندا التي تأثرت من خلال عهد المستعمرات.

وفي ماليزيا يحظى الساتاي بشعبية كبيرة خلال الاحتفالات، ويمكن العثور على شبيه وثيق له في اليابان، إضافة إلى أنه يشبه الشيش الكباب العربي.

وتختلف وصفات ومكونات الساتاي على نطاق واسع حسب البلد، لذلك يمكن القول إنها تتكون عادة من قطع من اللحم موضوعة على سيخ من الخيزران  أو شوك جوز الهند، وهي مشوية على جمر الفحم. وعادة ما يستخدم الكركم لتتبل قطع لحم الساتاي وفي نفس الوقت يعطيه لونًا أصفر غريبًا.

ومن أشهر أنواع الساتاي في سنغافورة تلك التي تعد من قطع الدجاج متبلة بالكركم، وتنتشر في أكشاك وعلى عربات الطعام في منطقة هوكر سنتر، وهو سوق ضخم مسقوف.

يقول بوه كوان الذي يدير عربة ساتاي، “بوسع أولئك الذين يحبون بطونهم أن يأكلوا كل ما يستطيعون مقابل حفنة من الدولارات، وبإمكانهم أن يختاروا بين الشعيرية المقلية وحساء قطع السمك ودجاج التنور. أما الذين يحبون المغامرة، فبوسعهم أن يتذوقوا قوائم الدجاج ورؤوس السمك الكاري أو أن يجرّبوا حساء مصنوعا من الحيوان الهلامي المعروف باسم خيار البحر”.

حرفة الصبر والدقة
حرفة الصبر والدقة

وتعتبر الحلوى المتنوعة من أكثر الأطعمة غرائبية في السوق بألوانها التي تشبه قوس قزح في صورة كومات متعددة الطبقات أغلبها آيس كريم يقدّم بشكل عام مع قرون الفاصوليا الحمراء وحليب جوز

الهند. ويتحوّل شارع لاو با سات المواجه للسوق، بمساراته المتعددة ليلا إلى مهرجان أطعمة ونكهات متنوعة، أما في النهار فيعتبر الشريان الحيوي لحي المال والأعمال الشهير بسنغافورة.

يتناول الطعام هنا رجال أعمال وموظفون بحلاتهم المتميزة، وأبناء بلد بضجيجهم وصخبهم وسياح غرباء، حيث يستمتعون بطبق سيخ لحم دجاج مشوي من الساتاي أو غيرها من الأطباق المحلية في تجربة طعام مثيرة. ويقول بوبي ليم مدير إحدى شركات المشروبات، “في سنغافورة بإمكانك أن تذهب إلى أي بائع مأكولات بثقة تامة، وتأكل في محيط نظيف وجبة سريعة بأسعار معقولة جدا.

ويضيف ليم الذي يواظب على تناول طعامه من الأكشاك والعربات مرتين على الأقل في الأسبوع، “إن تحسّنا كبيرا حدث على نظافة ونوعية أطعمة العربات في سنغافورة خلال السنوات الماضية”.

ويستطرد ليم قائلا، “إن هذا النوع من المأكولات في سنغافورة يعتبر غالي الثمن بالمقارنة مع الأسعار في البلدان المجاورة، وأنا كسنغافوري لم أعد اعتبر أطعمة العربات رخيصة، خاصة بالمقارنة مع ماليزيا”.

شراب السلينج

المشروب الشعبي في سنغافور
المشروب الشعبي في سنغافورة

يقال إن مبتكر شراب السلينج في سنغافورة هو البارمان الصيني نجيام تونج بوم، مطلع القرن الماضي رغم أن كلمة السلينج، مشتقة من كلمة شلينجن الألمانية، وتعني “ابتلاع”، وهو المشروب الشعبي في سنغافورة يقدّم في شكله الكلاسيكي، وهو مصنوع من السكر والماء الساخن أو البارد وجوزة الطيب ومشروبات روحية مثل الجن أو الويسكي أو الروم أو البراندي.

في شكله الحديث، يتم تصنيعه من الجن، والفيرموث الحلو، وعصير الليمون، والشراب المسكر، ومرطبات أنجوستورا، ومياه الصودا.

يقال إن مبتكره في سنغافورة هو البارمان الصيني نجيام تونج بوم، مطلع القرن الماضي ويرتبط بقوة بفندق الرافلز الفاخر في سنغافورة.

ويقال إن شراب السلينج السنغافوري ابتكر في حانة فندق الرافلز عام 1915، وعندما بدأت الطبقة الراقية تعتاد على إقامة تجمعاتها ولقاءاتها في المكان، مطلع القرن العشرين، كان الرجال يحتسون مشروبات روحية مثل “الخنيبرا” أو الويسكي، في حين تحتسي السيدات الشاي وعصائر الفاكهة وكان ذلك لزوم الإتيكيت وقواعد الذوق الرفيع.

أدرك البارمان الصيني نجيام تونج بوم هذه الملحوظة فتراءى له تضييق الفجوة بين الجنسين من خلال مزج المشروبات الروحية بالشاي والعصائر، مضيفا إلى المزيج أعشابا محلية وثمار جوز الهند مع الكرز الأحمر، الذي يعطي المشروب لونه الوردي.

ومنذ ذلك الحين أصبح السلينج السنغافوري المشروب الأكثر مبيعا في الفندق، وبدأ بار الرافلز يستقبل أعدادا ضخمة من السائحين الذين يقصدون المكان لمجرد تناول المشروب الأصلي، ومازال الوضع على هذا الحال إلى الآن، وبالرغم من ارتفاع سعر الكأس منه ليصل حاليا إلى 26 يورو ما يعادل 28 دولارا، إلا أن هذا لا يردع الزبائن على تذوقه ومازال الإقبال مستمرا.

النادلات الطائرات

Thumbnail

من يريد احتساء الشراب في جو أكثر غرائبية، فيتعين عليه زيارة حانة أطلس الشهيرة. المبنى مشيد على طراز “الأرت دي كو” المعماري الأوروبي العريق، على هيئة كاتدرائية، تشبه إلى حد بعيد أجواء “الجوثيك” الظلامية في مدينة جوثام الشهيرة في روايات الكوميكس لشخصية باتمان، ويقع المكان في ميدان باركفيو، بحي بوجيس التاريخي.

في الداخل، يغرق الزبون في صالون ضخم مفروش بسجاد شرقي أحمر، ومقاعد وثيرة من القطيفة الخضراء مع أرائك من الجلد.

يوجد بالمكان أكثر من 1300 نوع من المشروبات الروحية الثقيلة، بخلاف العديد من المشروبات الخفيفة معروضة في واجهات زجاجية، ولا تنتهي الإثارة عند هذا الحد، فالنادلات الطائرات مشهد خرافي آخر. يرتدين ثياب جنيات الحواديت الخرافية، ويتدلين من السقف بالحبال، ويتحركن في الأرجاء وكأنهن يحلقن في الفضاء ويقدمن المشروبات للزبائن على هذا النحو.

 سنغافورة لا توفر لعشاق المذاقات طعاما مختلفا بل توفر لمن يريد أن يتعلم فنون طبخها في مدارس متخصصة، مثل مدرسة روكسانا للطهي التي أسستها مهندسة عمرها 56 عاما، بدأت هذا النشاط في سن مبكرة لكي تنهي احتكار الرجال لفن الطهي وتسعى إلى تعليم السيدات أصول الطهي والاعتزاز بما يقدمن، وتبلغ قيمة الدورة 280 دولارا.

تعطي زيارة واحدة لمدرسة روكسانا فازانوالا للطهي، انطباعا جيدا عن كيفية إعداد الأطباق التقليدية في سنغافورة.

وأقامت روكسانا مدرستها في منزلها الصغير بحي لا يشبه على الإطلاق ما يأمل الزائر رؤيته حين يأتي إلى سنغافورة، فلا يوجد في الأرجاء أي بنايات مرتفعة على مرمى البصر، كما يوجد أمام باب المدرسة سيارة فولكس فاغن موديل البيتلز الشهير الذي يطلق عليه “الخنفسة”.

وتعلّم روكسانا الطالبات كيفية إعداد طبق اللاسكا، وهو من الوجبات التقليدية الشهيرة في سنغافورة ومنشأه جزر الملايو، وهو عبارة عن حساء الكاري يضاف إليه حليب جوز الهند مع الفلفل الحار، تضاف إليه شعيرية من دقيق الأرز، والخضروات والسمك والروبيان.

تجمع سنغافورة بين العديد من الثقافات وتعكس هذا التنوع في الأطباق التي تقدم على الطاولة، قد يبدو بعضها غريبا بالنسبة إلى أذواق بعض المعتادين على عادات غذائية مختلفة، إلا أنها لن تبدو لهم مملة أو خالية من الغرائبية.

20