"سليم" فيلم رسوم متحركة أردني يسعى لعلاج أطفال الحروب نفسيا

عمان - "الألم" و"الأمل" كلمتان تتشابهان بالأحرف وتختلفان في المعنى، هناك من يكون سببا في الأولى، وآخرون يصنعون الثانية، وبينهم المخرجة الأردنية سنثيا مدانات، التي اختارت الرسوم المتحركة لتكون علاجا نفسيا للأطفال المتضررين من الحروب.
الواقع والبيئة المحيطة بها وما تضمه من ويلات ومآسي متجددة، كانت دوافع كفيلة للمخرجة سنثيا مدانات (48 عاما) لإبداع فكرتها وبلورتها قبل 5 أعوام، فالأمر لم ينطلق من المشاهد المرعبة القادمة منذ أكثر من 3 أشهر من قطاع غزة، بل كان القطاع الفلسطيني وما يحدث فيه منذ سنوات، تأكيدا أن أطفال المنطقة يحتاجون خروجا عن المألوف في دعمهم النفسي.
"سليم" هو العلاج الذي أخرجته الأربعينية الأردنية، إلا أنه ليس عقارا طبيا، بل فيلم رسوم كرتونية متحركة لا يتجاوز مدته الساعة ونصف الساعة، يحكي قصة طفل يحمل الاسم ذاته، فقد والده في أحد الحروب، اضطر بعدها إلى ترك بلاده والانتقال للعيش في مكان آخر. هذا الفيلم أنتجه شادي الشرايحة، وشارك في 11 مهرجانا دوليا، في مقدمتها مهرجان "آنسي" في فرنسا، وهو أحد أهم مهرجانات الرسوم المتحركة في العالم.
وقالت المخرجة "جاءت فكرة الفيلم منذ 5 أعوام، قبل الحرب على قطاع غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر الماضي، وهي تتناول موضوع صحة الأطفال الذين تعرضوا لصدمات نفسية". وأضافت "اعتمدنا خلال العمل على رأي متخصصين في هذا المجال، ومن بينهم المعالج النفسي الأردني عصام سمير، المقيم في الولايات المتحدة".
وأشارت مدانات إلى أن قصة الفيلم "تحكي حكاية طفل يُدعى سليم، عمره 9 أعوام، فقد والده خلال إحدى الحروب، يعيش كوابيس أرّقت نومه على إثر هذه المأساة". وتابعت "حاولنا التركيز قبل إنتاج الفيلم على الفهم النفسي لما يدور في أفكار الأطفال ممن هم بعمر سليم، وواجهتنا الكثير من التحديات لإخراجه بصورته النهائية".
وفي توضيحها لتلك التحديات، قالت "أبرز هذه التحديات طريقة العرض التي كنا نريد من خلالها توضيح المشكلة والحلول في الوقت نفسه، وهذا التوازن خلق لنا بعض الصعوبات، ولكن الحمد لله تمكنا من تجاوزها". ولفتت إلى أن "الفيلم عائلي ومناسب لجميع الأعمار، ولكن الأكثر مناسبة هي الفئة ما بين 6 و14 عاما". وبينت المخرجة أن "شخصيات الفيلم 14، بينها 9 أساسية، منهم سليم ووالدته وأشقائه نور وسعيد، وجدته، وأصدقائه فارس وزينة وعبود، والمرشدة النفسية، والعم أبودريد".
وأردفت "البيئة التي يحاكيها الفيلم هي بلاد الشام، ويعكس خليط ثقافاتها، ولكن اللهجة المستخدمة هي أكثر قربا للأردنية". وأكدت أنها أرادت لمن يشاهد الفيلم ومرّ بظروف صعبة، أن يعيش ويشعر نفسه سليم "أردنا أن نحيي الأمل في نفوس الأطفال، ولا نريد أن نعيدهم لوقت مؤلم عاشوه". واعتبرت مدانات أن "هذا الفيلم نقطة في بحر الألم والحزن والمعاناة التي يعيشها أطفال غزة، ولكن أتمنى أن يعطِ بصيص أمل للناجين في مستقبل مشرق".
وبدوره، قال منتج الفيلم شادي الشرايحة، إن "منطقتنا مليئة بالأزمات والصراعات، وهناك حاجة حقيقية للدعم النفسي لهذه الفئة العمرية". وأشار إلى أن الإعلان عن الفيلم “جاء بالتزامن مع أزمة إنسانية في غزة، لتؤكد الفكرة التي قامت لأجلها ومن أجلها عملية إنتاجه، فقد كان الهدف من خلال الفيلم هو تمرير رسائل نفسية". وأوضح الشرايحة (51 عاما) أن “الفيلم عُرض منذ يونيو عام 2023 بمهرجانات دولية، وتم ترشيحه للعديد من الجوائز".
وأردف "حصل الفيلم في الشهر ذاته، على جائزة بمهرجان 'كرتون أون ذا باي' في إيطاليا، كأفضل موسيقى تصويرية، بالإضافة إلى جائزة الجمهور في شهر نوفمبر من مهرجان الطفل الأردني". وعن إمكانية إسقاط تفاصيل الفيلم على ما يجري في غزة، أكد الشرايحة أن "حجم الدمار في غزة يحتاج إلى ألفين سليم ليعالج ما تعرض له أطفال القطاع الفلسطيني"، في إشارة إلى حجم المصاب وأثره النفسي على أطفاله.
تخرجت سنثيا مدانات من الجامعة وعملت مع منظمات غير حكومية دولية حتى عام 1998 عندما بدأت العمل بشكل مستقل في مواقع تصوير الأفلام. وهنا وجدت شغفها بسرد القصص المقنعة من وجهة نظر امرأة أردنية وعربية. في عام 2016، أخرجت مدانات فيلمها القصير الأول في الرسوم المتحركة والذي يحمل عنوان “حياتنا العائلية” ويستكشف الأمومة والخسارة.