سلطان عمان يبني جسورا استراتيجية بين مسقط وموسكو في زمن التحولات

زيارة السلطان هيثم تعكس عمق العلاقات العمانية الروسية الممتدة لأربعة عقود من التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، وتتجاوز الأهداف الآنية.
السبت 2025/04/19
أجندة واسعة النطاق لتعزيز التعاون الثنائي والإقليمي

مسقط/موسكو - يستعد السلطان هيثم بن طارق آل سعيد لزيارة موسكو يومي الاثنين والثلاثاء، في زيارة رسمية تحمل أبعادا استراتيجية عميقة، في وقت يشهد فيه العالم تحولات جيوسياسية متسارعة، وتبرز فيه سلطنة عمان كلاعب دبلوماسي مؤثر قادر على تحقيق التوازن في علاقاته الخارجية.

وتأتي هذه الزيارة، في ظل مساعي مسقط للتقريب بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي، تكتسب أهمية مضاعفة في تعزيز دور عمان كوسيط دولي موثوق.

وبدأت اليوم السبت في روما الجولة الثانية من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة لحل خلافهما القائم منذ عقود بشأن أهداف طهران النووية، وذلك في ظل تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن عمل عسكري إذا باءت الجهود الدبلوماسية بالفشل.

واستضافت عُمان الجولة الأولى من المحادثات السبت الماضي.

وقبل يوم، اجتمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في موسكو.

وعقب الاجتماع، قال لافروف إن روسيا "مستعدة للمساعدة والوساطة والاضطلاع بأي دور يعود بالنفع على إيران والولايات المتحدة".

ولعبت موسكو دورا في المفاوضات النووية الإيرانية في الماضي باعتبارها عضوا في مجلس الأمن الدولي تتمتع بحق النقض وأحد الدول الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه ترامب خلال ولايته الأولى في عام 2018.

وأكدت وكالة الأنباء العمانية الرسمية والكرملين أن القمة بين السلطان هيثم والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ستتناول قضايا التعاون الثنائي في مختلف المجالات، بالإضافة إلى التشاور حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة.

وأشار بيان ديوان البلاط السلطاني إلى أن هذه الزيارة، التي تأتي تلبية لدعوة من الرئيس بوتين، تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين بما يخدم تطلعاتهما المشتركة.

ومن المقرر أن يناقش الزعيمان العلاقات التجارية والاقتصادية، بالإضافة إلى القضايا الدولية والإقليمية الملحة. ويرافق السلطان هيثم وفد رسمي رفيع المستوى يضم كبار المسؤولين العمانيين في مجالات الدفاع والخارجية والاقتصاد والاستثمار، مما يؤكد على الأهمية التي توليها مسقط لهذه الزيارة.

وتتمتع سلطنة عمان وروسيا بعلاقات تاريخية تعود إلى الحقبة السوفيتية، وتتميز بالتوازن والبراغماتية. وقد حافظت مسقط على علاقات جيدة مع موسكو حتى في ظل التوترات الإقليمية والدولية، معتبرة روسيا شريكا مهما في تحقيق الاستقرار الإقليمي، بينما تنظر روسيا إلى عمان كلاعب مؤثر في منطقة الخليج العربي.

وتكتسب زيارة السلطان هيثم إلى موسكو أهمية خاصة في ظل الدور المحوري الذي تلعبه عمان في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي.

وقد استضافت مسقط جولات من المحادثات غير المباشرة بين الطرفين، وسعت إلى تقريب وجهات النظر بينهما، وهو ما يحظى بتقدير روسي كبير باعتباره مساهمة قيمة في تحقيق الاستقرار الإقليمي.

وتسعى عمان إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط، وتنظر إلى روسيا كشريك محتمل في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والبنية التحتية.

وتشترك عمان وروسيا في رؤية مشتركة حول ضرورة حل النزاعات الإقليمية بالطرق السلمية، وتسعيان إلى تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف.

وتحافظ عمان على علاقات متوازنة مع القوى الدولية والإقليمية، وتسعى إلى تعزيز دورها كوسيط نزيه في المنطقة.

يرى مراقبون أن زيارة السلطان هيثم إلى موسكو من شأنها أن تسهم في تعزيز التنسيق بين عمان وروسيا بشأن الملف النووي الإيراني، ودفع الجهود الرامية إلى إحراز تقدم في المفاوضات.

وتعود العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين سلطنة عمان والاتحاد السوفيتي إلى عام 1985. وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة. وتعتبر روسيا من بين أكبر موردي الأسلحة إلى سلطنة عمان، وقد وقع البلدان العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية. كما تتعاون عمان وروسيا في مجالات الطاقة، حيث تستورد عمان كميات من النفط الروسي.

وتأتي هذه الزيارة في توقيت احتفالي، حيث يحتفل البلدان بمرور 40 عامًا على العلاقات الدبلوماسية التي تأسست في 26 سبتمبر 1985. وتعكس هذه الزيارة الرسمية، التي تُعدّ أسمى أشكال التعاون الدبلوماسي، عمق العلاقات المتنامي والثقة المتبادلة بين البلدين.

وقد شهدت العلاقات العمانية الروسية تحولًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، حيث انتقلت من التشاور السياسي إلى تعاون وثيق في القطاعات الاقتصادية والثقافية والتعليمية. وبحلول نهاية عام 2024، تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 346 مليون دولار أميركي (أكثر من 133 مليون ريال عماني)، حيث تُصدّر عُمان المنتجات المعدنية والأسمدة والألمنيوم، بينما تستورد الحديد والقمح والآلات ومنتجات الفحم الروسية.

وتعمل في عُمان حاليا 277 شركة بمشاركة روسية، تستثمر في قطاعات متنوعة، بما في ذلك البناء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتجارة التجزئة والخدمات اللوجستية. ومن المتوقع أن يُعزز التوقيع المتوقع على 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم خلال زيارة السلطان هيثم هذا الزخم.

تُعدّ السياحة مجالاً واعداً آخر، حيث زار عُمان في عام 2024 أكثر من 44 ألف سائح روسي، بينما ارتفع عدد الزوار العُمانيين إلى روسيا بنسبة 70 بالمئة عن العام السابق. ومن المتوقع أن يُسرّع الإعفاء المتبادل من التأشيرة السفر في الاتجاهين.

كما يشهد التعاون الثقافي ازدهاراً ملحوظاً، حيث تُعمّق عُمان وروسيا حوارهما الحضاري من خلال المعارض في متاحف الإرميتاج وتريتياكوف، وجهود الترميم المشتركة، وتبادل القطع الأثرية المتحفية.

وتدعم المبادرات التعليمية، مثل أركان النشر العُماني في الجامعات الروسية، وبرامج التبادل الطلابي، هذا الجسر الثقافي.

ويذكر أن النسخة الروسية من موقع المتحف الوطني الإلكتروني، ومهرجان "المواسم الروسية" الثقافي في عُمان، خير دليل على هذه الشراكة المزدهرة.

ووصف البروفيسور ميخائيل بيوتروفسكي، مدير متحف الإرميتاج الحكومي، التعاون الثقافي بأنه نموذج للتعاون الدولي في عالم متعدد الأقطاب، حيث تُعدّ العلاقات المتحفية بين عُمان وروسيا نموذجًا للدبلوماسية الثقافية الناجحة.

وتمثل زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى موسكو خطوة مهمة في تعزيز العلاقات العمانية الروسية، وتأتي في وقت يشهد فيه العالم تحولات جيوسياسية كبيرة.

وتعكس هذه الزيارة الدور المتنامي الذي تلعبه عمان كلاعب دبلوماسي مؤثر في المنطقة، وقدرتها على تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية. وستسهم القمة بين الزعيمين في تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ودفع الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي.