ربما تؤمن روسيا على عكس النظام بمسار سياسي، لكنها وكما تبدو اليوم، لا تؤمن بهذا المسار بمعزل عن المسار العسكري، وإنما بالتوازي معه.

باتت الدولة الصهيونية "تناضل" من أجل "كل فلسطين"، فيما لا خيارات أمام القيادة الفلسطينية، أو أنها بالأحرى لم تدع لنفسها أي خيار، سوى الإذعان، والتمسك بالوهم وقد انبعث من جديد.

تاريخ المواطن العربي ما قبل الثورات هو تاريخ الفرد المنهك التائه في دوامة العمل المضني من أجل تأمين قوته اليومي، تاريخ الخضوع لسطوة السلطة والتسليم بجبروتها المطلق.

تستمر المماطلة عندما يرفض النظام مناقشة تشكيل هيئة الحكم الانتقالية قبل "إعادة الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب" أي قبل استسلام موصوف للمعارضة.

سوف تعود الدماء لتجري في الاقتصاد الإيراني، وفي عروق الطغمة الحاكمة التي لم تعد تحتمل هدر الأموال الناتج عن راديكالية سياسية يمكن تجنبها.

عزز الانحسار الأميركي والانفجار الإقليمي من الدور الروسي الطموح إلى استعادة الزمن الغابر للقوة السوفيتية. وهو طموح لا يخفيه «القيصر» الجديد فلاديمير بوتين.

تتميز جبهة النصرة وداعش بتبني الجهاد العالمي، واعتناق الخطاب الطائفي، واستسهال التكفير والحرب على النشطاء، وإخضاع المدنيين في المناطق المحررة إلى نمط حياتي ودعوي أصولي.

حافظ النظام السوري على وجوده، بعد أن زرع بذور الأصولية في المعسكرين، وأشرف على رعايتها حتى شبت وتطاولت تحت ناظريه.

فلتركن للظلام، تلك الحقبة المكللة بالعار التي تغاضى فيها النظام السوري عن دخول القوات الإسرائيلية إلى لبنان لإخراج قوات الثورة الفلسطينية، مقابل التغاضي الغربي والسماح له بتدمير مدينة حماة.

لا يبدو من المناسب توجيه الاتهام للمعارضة السورية، رغم هزالها وفسادها، بالمسؤولية عن المسار الحالي للثورة، فيما هي نتاج هذا المسار أكثر من كونها فاعلا فيه.

الهدف الأول بالنسبة لأميركا من حوار مباشر مع "الجبهة الإسلامية"، هو جذبها نحو العملية السياسية، بما يكسب تلك العملية مصداقية أكبر، ويرفع من احتمالات تنفيذ بنودها على الأرض.

العسكرة التامة للثورة أحالت الحشود الشعبية الحاشدة التي كانت قوة الدفع الرئيسية للثورة ووجهها المشرق، إلى لاجئين في دول الجوار، وبدرجة أقل إلى مسلحين في صفوف الجيش الحر.

يسود اليوم اعتقاد يقر بحسرة قاسية، بانتصار «الخيار الروسي»، بما هو صلف وعناد في دعم نظام الأسد رغم كل المجازر التي ارتكبها، وجلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار «دون شروط»، وكأن شيئا لم يكن.

تهرب المعارضة من مشاكلها الداخلية، ومن المؤامرة الدولية والإقليمية على الثورة السورية، إلى تشكيل جسم تنظيمي جديد يحمل ذات الأمراض والعيوب.

العمل من خارج الثورة في حال استمراره، سوف يحيل «الحسم السياسي» الحتمي لصالح الشعب، إلى «تسوية سياسية» حتمية هي الأخرى، لكنها لصالح النظام.

تبدو النسبة الأكبر من الجمهور ممن طحنته الحرب، مع انعقاد المؤتمر اليوم قبل الغد، ومع أي حل سياسي ينهي مأساتهم المرعبة ولا يتجاهل أصل الثورة.

هل هو عناد الأسد وعجز روسيا، أم هي رغبة كل من روسيا وإيران في تحويل الأسد إلى زعامة طائفية، ليجري نقاش مصيره كما لو أنه مصير الطائفة برمتها؟

الرسالة بمضمونها، تعزز الخطاب الروسي الذي يواصل تعريف الثورة الشعبية في سوريا على أنها «حرب طائفية» تستهدف الأقليات جميعها دون استثناء.