سلاح حزب الله على طاولة الحوار بين كبار المسؤولين اللبنانيين والموفدة الأميركية

الولايات المتحدة تضغط على المسؤولين اللبنانيين من أجل المضي في خيار تفكيك سلاح حزب الله، لكن الأمور تراوح مكانها في ظل ارتياب هؤلاء المسؤولين من خطورة اتخاذ هذه الخطوة والصدام مع حزب الله وجمهوره. ولا يعرف إن كانت مهمة تفكيك سلاح حزب الله ستترك لإسرائيل أم لعامل الوقت حتى يتم تناسيها.
بيروت - عقدت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس السبت اجتماعات وُصفت بأنها “بنّاءة” و”إيجابية” مع كبار المسؤولين اللبنانيين يتقدمهم الرئيس جوزيف عون، تم خلالها بحث الوضع في جنوب لبنان إلى جانب قضايا أخرى. يأتي هذا في وقت تقول فيه أوساط سياسية لبنانية إن الموفدة الأميركية ضغطت على المسؤولين اللبنانيين من أجل حسم موضوع سلاح حزب الله والبدء في تفكيكه دون إبطاء.
وتأتي زيارة أورتاغوس الثانية للبنان منذ توليها منصبها على وقع عودة الجدل بشأن نزع سلاح حزب الله إلى الواجهة وفي وقت تواصل فيه إسرائيل شن غارات على جنوب وشرق لبنان رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر الماضي.
وكشفت المصادر أن المسؤولين ورغم أنهم عبّروا عن استعدادهم للمضي في تنفيذ ما تطلبه واشنطن، إلا أن خلافات كبيرة تعيق الأمر، ليس مع الموفدة الأميركية، ولكن بين كبار المسؤولين، فهناك من يريد تأجيل موضوع سلاح حزب الله إلى وقت لاحق والتفرغ لإحداث تغييرات اقتصادية يلمسها اللبنانيون على الأرض ثم التفكير في بسط الجيش لسيطرته على السلاح. وهناك طرف ثان يحذر من أن إسرائيل لن تنتظر حتى تقوم الحكومة والجيش بتفكيك سلاح الحزب، وأنها ستستمر في تنفيذ هجماتها مع ما تحمله من مخاطر على المدنيين والبنى التحتية.
وأفاد بيان الرئاسة اللبنانية بأن "أجواء بنّاءة" سادت اللقاء الذي عقد في القصر الجمهوري في بعبدا بين عون وأورتاغوس، مضيفا أنهما بحثا “ملفات الجنوب اللبناني، وعمل لجنة المراقبة الدولية، والانسحاب الإسرائيلي والوضع في الجنوب."
وأفاد بيان صادر عن رئاسة الحكومة بأن أورتاغوس عقدت أيضا اجتماعا مع رئيس الوزراء نواف سلام سادته أجواء "إيجابية" إذ بحثا تطورات الوضع في الجنوب وعلى الحدود اللبنانية السورية "مع التأكيد على ضبطها بشكل كامل ومنع حصول أي توترات أو فوضى ومنع كل أشكال التهريب."
◙ الموفدة الأميركية ضغطت على المسؤولين اللبنانيين من أجل حسم موضوع سلاح حزب الله والبدء في تفكيكه دون إبطاء
كما بحثت مع سلام تدابير الجيش لتطبيق القرار الأممي 1701 الذي أنهى في صيف 2006 حربا مدمرة بين حزب الله وإسرائيل، وأعيد التشديد عليه في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، و"اتفاق الترتيبات الأمنية لوقف الأعمال العدائية بالتعاون مع لجنة المراقبة العسكرية، بالإضافة إلى استكمال الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية،" بحسب البيان الحكومي.
وينص القرار 1701 على بسط الدولة سيطرتها على كامل أراضيها بما فيها جنوب لبنان وحصر السلاح في يد الجيش اللبناني. وأثارت أورتاغوس غضب حزب الله في فبراير بإعلانها انتهاء "عهد حزب الله في الترهيب في لبنان وحول العالم" مع دعوتها إلى "حل سياسي" للنزاعات الحدودية بين إسرائيل ولبنان.
وخاض حزب الله الذي كان يتحكّم بالقرار اللبناني خلال السنوات الأخيرة حربا مع إسرائيل على مدى أكثر من عام أضعفت قدراته، بينما قتلت إسرائيل العديد من قادته على رأسهم الأمين العام السابق حسن نصرالله. وتترأس الولايات المتحدة مع فرنسا لجنة للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار بين التنظيم المدعوم من إيران وإسرائيل، تضمّ الأمم المتحدة إلى جانب لبنان وإسرائيل.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، كان أمام إسرائيل حتى 26 يناير الماضي لتسحب قواتها من جنوب لبنان، لكنها أكدت أنها ستبقيها لفترة إضافية معتبرة أن لبنان لم ينفذ الاتفاق "بشكل كامل." واتهم لبنان إسرائيل بـ"المماطلة" في تنفيذ الاتفاق. وأعلنت الحكومة في يناير أنها وافقت على تمديد تنفيذ الاتفاق حتى 18 فبراير بعد وساطة أميركية.
لكن الدولة العبرية أبقت على تواجدها في "خمسة مرتفعات إستراتيجية" على امتداد الحدود، قائلة إن ذلك هدفه التأكد "من عدم وجود تهديد فوري" لأراضيها. في المقابل، اعتبر لبنان ذلك بمثابة "احتلال" وطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لإتمام انسحابها. وأعلنت أورتاغوس في وقت سابق أنه سيتم تشكيل ثلاث مجموعات عمل دبلوماسية بشأن القضايا العالقة بين لبنان وإسرائيل، إحداها مخصصة لتسوية النزاع الحدودي البري بين البلدين.
وتتولى مجموعة عمل ثانية مسألة إطلاق سراح بقية المعتقلين اللبنانيين لدى إسرائيل، وثالثة مسألة النقاط الخمس التي أبقت إسرائيل فيها قواتها في جنوب لبنان. وناقشت أورتاغوس مع عون أيضا الإصلاحات المالية والاقتصادية ومكافحة الفساد غداة تسلّم الحاكم الجديد لمصرف لبنان كريم سعيد منصبه الجمعة متعهّدا بمكافحة "غسل الأموال" و"تمويل الإرهاب."
وخلال اجتماعها مع سلام، بحثت الموفدة الأميركية ملفات الإصلاح المالي والاقتصادي بينما تم التشديد على ضرورة الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بحسب بيان رئاسة الحكومة، في وقت يعاني فيه لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ العام 2019. ويشترط المجتمع الدولي على السلطات تنفيذ إصلاحات ملحة في قطاعات عدة بينها إعادة هيكلة القطاع المصرفي، للحصول على دعم مالي.
◙ خلاف بين المسؤولين بين من يريد تأجيل تفكيك سلاح حزب الله ومن يطالب بتحرك سريع حتى لا تترك المهمة لإسرائيل
والتقت أورتاغوس أيضا رئيس البرلمان نبيه بري، حليف حزب الله، وبحثت معه “التطورات الميدانية المتصلة بالخروقات والاعتداءات الإسرائيلية على لبنان والتي تتسبب بسقوط ضحايا يوميا،” بحسب ما أفاد مكتب بري في بيان. واجتمعت لاحقا مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل ووزير الخارجية يوسف رجي، بحسب بيانات رسمية.
وترافق أورتاغوس نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وسوريا نتاشا فرانشيسكا، علما بأن الموفدة الأميركية لم تدل بعد بأيّ تصريحات مرتبطة بالزيارة، مكتفية بإعادة نشر ما ورد في بيان الرئاسة على صفحتها على منصة إكس. ولا يعرف مدى التزام كبار المسؤولين اللبنانيين بما سبق أن عبروا عنه في الأيام الأولى لاستلام مهامهم بشأن احتكار الدولة للسلاح.
وأظهر الرئيس اللبناني في أول كلمة له بعد انتخابه في يناير الماضي موقفا حاسما في أهم نقطة تشغل اللبنانيين والدول المعنية بالملف اللبناني، وهي سلاح حزب الله؛ في رسالة واضحة تفيد بأن لبنان سيتفاعل مع المطالب الدولية ويسعى إلى تثبيت الهدنة مع إسرائيل. وقال جوزيف عون أمام مجلس النواب إنه سيعمل على أن يكون حق حمل السلاح مقتصرا على الدولة.
واعتبر حديثه بشأن حق حمل السلاح إشارة إلى ترسانة حزب الله، التي لم يعلق عليها علنا عندما كان قائدا للجيش، ورسالة طمأنة إلى الدول المعنية بالملف اللبناني، يفيد مضمونها بأن المرحلة القادمة ستقطع مع نفوذ حزب الله وإيران.
وفي خطاب القسم الذي تلا أداءه اليمين الدستورية في مقرّ البرلمان قال عون "عهدي إلى اللبنانيين أينما كانوا، وليسمع العالم كله، اليوم تبدأ مرحلة جديدة من تاريخ لبنان." وأضاف "عهدي أن أمارس دوري كقائد أعلى للقوات المسلحة ورئيس للمجلس الأعلى للدفاع، بحيث أعمل من خلالهما على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح."