سكة حديد الخليج: مشروع طموح يواجه اختبارات الإرادة السياسية والتكامل الإقليمي

مشروع إستراتيجي يؤسس لاتحاد جمركي خليجي مستقبلي.
الأربعاء 2025/04/30
نحو بنية تحتية عابرة للحدود الوطنية

مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي هو مبادرة إستراتيجية لربط الدول الست عبر شبكة تمتد لأكثر من 2000 كيلومتر، بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي والتنقل المستدام. ورغم وضوح الرؤية وأهمية المشروع، فإن التنفيذ يواجه تأخيرات مزمنة تعكس تحديات سياسية ومالية وتنظيمية.

الكويت - يسعى مشروع سكة حديد الخليج (سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي) بشكل طموح إلى وضع خطة بنية تحتية عابرة للحدود الوطنية من أجل ربط جميع الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي عبر شبكة سكك حديد بطول 2177 كيلومترًا. وصُمم هذا المشروع، الذي وُضع تصوره عام 2009، ليمتد من مدينة الكويت إلى مسقط، مارًا بالمملكة العربية السعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة.

ويُمكّن هذا المشروع، بالإضافة إلى نقله الركاب والبضائع، من تعزيز التكامل الاقتصادي ومرونة سلاسل التوريد والتنقل الأخضر في جميع أنحاء الخليج. ويتمتع المشروع بأهمية إستراتيجية لأسباب متعددة. إذ يُمكن أن تُصبح سكة حديد الخليج العمود الفقري لاتحاد جمركي خليجي مستقبلي، ما يزيد من التجارة البينية بين دول المجلس، والتي تُمثل حوالي 10 في المئة من إجمالي الصادرات.

وهذه النسبة أقل بكثير من التكتلات الاقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي، حيث تتم أكثر من نصف التجارة داخل الكتلة لكل من السلع والخدمات. وبالتالي يُمكن لمشروع سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي أن يُمكّن من نمو التجارة البينية من خلال تجاوز عوائق الربط وتكامل الموانئ لتعزيز القدرة التنافسية الإقليمية.

وخارج المنطقة يُمكن للمشروع أيضًا تعزيز الموقع الجغرافي والاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي من خلال ربطها بسلاسة بالممرات العابرة للحدود الوطنية، مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.

ويقول الباحث سامريدهي فيج في تقرير نشره موقع “أوراسيا ريفيو” إنه يمكن لهذه الروابط أن تُعزز مكانة دول مجلس التعاون الخليجي كنقطة محورية في الربط الأوراسيوي، ما يُقلل اعتماد التجارة بين الشرق والغرب على المعابر البحرية التقليدية، مثل مضيق هرمز وباب المندب، والتي غالبًا ما يُهددها عدم الاستقرار الجيوسياسي، وهو ما يُحسّن استمرارية التجارة والخدمات اللوجستية.

◙ مشروع يتمتع بأهمية إستراتيجية
◙ مشروع يتمتع بأهمية إستراتيجية

كما تُعزز هذه المبادرة تطلع اقتصادات الخليج إلى التنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط، من خلال توفير هيكل لوجستي منخفض الانبعاثات ويتماشى مع طموحاتها في تحقيق صافي انبعاثات صفري. وتُشير شركة الاتحاد للقطارات إلى أن النقل بالسكك الحديد يُمكن أن يُقلل انبعاثات الطرق بنسبة 21 في المئة سنويًا بحلول عام 2050، ما يُؤدي إلى إزالة ما يصل إلى 300 شاحنة من الطرق في كل رحلة قطار، وإزالة 8.2 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.

ورغم تعدد فوائد مشروع سكك حديد دول مجلس التعاون الخليجي، وامتداد آثاره الإيجابية على دول الخليج بأكملها، إلا أن تنفيذه تعثر لأكثر من 14 عامًا. وتهدف هذه الورقة إلى تحديد الأسباب الرئيسية لتعثر تقدم المشروع، وتقديم حلول لتسريع تنفيذه.

كان التقدم في مشروع سكة حديد الخليج متفاوتًا، حيث حققت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تقدمًا أكبر، بينما واجهت الكويت والبحرين وسلطنة عمان أكبر التأخيرات. ووقّعت عُمان والإمارات اتفاقية تاريخية في عام 2023 لإطلاق مشروع مشترك يُسمى “قطار حفيت”، يهدف إلى ربط صحار وأبوظبي في غضون 100 دقيقة.

وقد طورت السعودية بنية تحتية محلية واسعة للسكك الحديد، لكن قطاعاتها التي تُسهم بشكل مباشر في تكامل دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الوصلات من الدمام إلى الجبيل ومن الخفجي إلى الكويت، لا تزال قيد التطوير. وقد أنشأت قطر بالفعل شبكة سكك حديد حديثة تُلبي معايير دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها لا تزال غير متصلة بالشبكة الأوسع.

أما البحرين فقد أحرزت تقدمًا أقل وضوحًا؛ إذ لا توجد لديها سكك حديد وطنية، وتخطط فقط لنظام سكك حديد خفيفة. ولا يزال جسر الصداقة المخطط له بين البحرين وقطر في مراحل ما قبل الإنشاء. ولم تبدأ عُمان بعدُ العمل في شبكة سكك حديدها الوطنية التي يبلغ طولها 2135 كيلومترًا.

ولا تزال معظم القطاعات العابرة للحدود -بما في ذلك السكك الحديد بين السعودية وقطر، والسعودية والكويت، وقطر والبحرين، والبحرين والسعودية- إما في مرحلة التخطيط المبكر أو متوقفة، ما يُقوّض هدف سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي المتمثل في التكامل الإقليمي السلس. وفي حين أن المنطق الإستراتيجي لسكة حديد الخليج قوي، إلا أن المشروع واجه تأخيرات مطولة بسبب مزيج من التحديات المفاهيمية والسياسية والمالية.

◙ المشروع يمكّن، بالإضافة إلى نقله الركاب والبضائع، من تعزيز التكامل الاقتصادي ومرونة سلاسل التوريد والتنقل الأخضر

من الناحية المفاهيمية تتطلب طبيعة سكة حديد الخليج، التي تتجاوز الحدود الوطنية، تنسيقًا مكثفًا للسياسات، بما في ذلك الجمارك واللوائح والمعايير الفنية واتفاقيات مراقبة الحدود، والتي لم يواكب أي منها وتيرة البناء.

وعلى سبيل المثال لا تزال هناك تساؤلات حول من سيُشغّل القطارات عبر الحدود الوطنية، وكيف سيتم تخليص البضائع على الحدود، وما إذا كانت السكك الحديد ستتمتع بتسريع الإجراءات التنظيمية مثل المطارات والموانئ. وأعاقت التحديات المالية أيضًا تقدم المشروع. وحامت التقديرات الأولية لكلفة المشروع بالكامل حول مبلغ 250 مليار دولار، ولكن لم يتم إنشاء صندوق خليجي موحد لضمانه.

ومضت الدول الأكثر ثراءً مثل الإمارات والسعودية قدمًا بشكل مستقل، بينما واجهت الكويت والبحرين وسلطنة عمان قيودًا مالية، لاسيما بعد انهيار أسعار النفط عام 2014 وخلال جائحة كورونا. وعلاوة على ذلك يتنافس مشروع السكك الحديد مع الطموحات الوطنية مثل مشروع نيوم، ما قد يحول التمويل بعيدًا عن السكك الحديد. كما تنظر الدول الأصغر مثل البحرين إلى السكك الحديد على أنها أولوية أقل من المطارات أو المترو أو الطرق التي تخدم الاحتياجات المحلية الفورية.

لتسريع إنجاز سكك حديد دول مجلس التعاون الخليجي، يجب على المنطقة اعتماد نهج متعدد الجوانب وقائم على حوكمة تتجاوز الحدود الوطنية، وتمويل مبتكر، وإستراتيجية تدريجية للبنية التحتية، وأطر قانونية، وشراكات بين القطاعين العام والخاص. وفي حين أن إنشاء هيئة سكك حديد دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2021 كان خطوة إيجابية نحو التنسيق المؤسسي، إلا أن دورها يجب أن يتطور الآن إلى ما هو أبعد من مجرد التنسيق ليشمل التنفيذ.

وينبغي تمكين الهيئة من فرض الامتثال للمعايير الفنية الموحدة، ومعالم البناء، والبروتوكولات العابرة للحدود، على غرار وكالة السكك الحديد الأوروبية، التي تُطبّق شبكة النقل عبر أوروبا بمواعيد نهائية مُلزمة. ودون هذه القدرة على التنفيذ سيظل التقدم مُجزّأً وعرضةً لتغير الأولويات الوطنية. ومن المهم بنفس القدر إنشاء صندوق سكك حديد دول مجلس التعاون الخليجي مُخصص.

ويجب على دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من دبلوماسية السكك الحديد لإعادة بناء الثقة ومأسسة التعاون
◙ يجب على دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من دبلوماسية السكك الحديد لإعادة بناء الثقة ومأسسة التعاون

وحاليا من المتوقع أن تُموّل كل دولة حصتها من السكك الحديد. ومع ذلك، من خلال تجميع الموارد المالية من الدول الأعضاء الأكثر ثراءً، مثل الإمارات والسعودية، ودعمها بتمويل ميسر من مؤسسات مثل البنك الإسلامي للتنمية أو البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، يمكن للصندوق دعم الدول الأعضاء ذات الموارد المالية المحدودة، مثل البحرين والكويت وعُمان.

وسيكون من المهم تذكير المساهمين الأكثر ثراءً بأن إكمال مشروع السكك الحديد يعزز القدرة التنافسية التجارية للمنطقة بأكملها ونفوذها الجيواقتصادي، ما يبرر آلية تمويل إعادة التوزيع. وينبغي أيضًا اعتماد نهج تدريجي للبناء.

وبالاستناد إلى الخطة الرئيسية لسكك حديد شرق أفريقيا، يمكن لمجلس التعاون الخليجي إعطاء الأولوية للقطاعات ذات التأثير العالي، مثل خط الإمارات العربية المتحدة – عُمان من أبوظبي إلى صحار، وخط السعودية – الإمارات العربية المتحدة – قطر عبر سلوى، وخط الكويت – السعودية من النويصيب إلى الخفجي، كممرات رئيسية تُظهر نجاحًا مبكرًا، وتجذب المستخدمين، وتبني زخمًا للمزيد من التكامل.

◙ من المهم تذكير المساهمين الأكثر ثراءً بأن إكمال مشروع السكك الحديد يعزز القدرة التنافسية التجارية للمنطقة بأكملها ونفوذها الجيواقتصادي

وتخدم هذه القطاعات مراكز صناعية وموانئ مهمة، ما يتوافق بشكل وثيق مع نموذج دول مجلس التعاون الخليجي اللوجستي المعتمد على الشحن. وسيكون التركيز على خدمات الشحن أولاً، بدلاً من مسارات نقل الركاب الطويلة الأقل جدوى، أمراً بالغ الأهمية أيضاً.

ويُعدّ تسريع التناغم القانوني والتنظيمي أمراً حيوياً. ويُقدّم مشروع خط سكة حديد سنغافورة – كونمينغ التابع لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) نموذجاً جيداً لكيفية توحيد البروتوكولات القانونية، مثل التخليص الجمركي، وترخيص المشغلين، وتفتيش البضائع، حتى بين الدول المختلفة.

ويجب على دول مجلس التعاون الخليجي تسريع مجموعة لوائحها الموحدة، بما في ذلك منصة جمركية رقمية ومعايير سلامة مشتركة، ويفضل أن يكون ذلك بقيادة هيئة تنظيم السكك الحديد الخليجية، مع الاعتراف المتبادل بالمعايير. وتُعد هذه البنية التحتية غير المادية بنفس أهمية خطوط السكك الحديد المادية في تعزيز الكفاءة التشغيلية.

وينبغي السعي بنشاط إلى إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص، لاسيما في ممرات الشحن. ويتطلب ذلك عمليات مناقصات شفافة وعقوداً قائمة على الأداء، بالاستفادة من نماذج في الصين وأميركا الشمالية، حيث تعمل عمليات الشحن التجاري بشكل جيد تحت إشراف عام.

ويجب على دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من دبلوماسية السكك الحديد لإعادة بناء الثقة ومأسسة التعاون. وكشفت أزمة قطر عام 2017 كيف يُمكن للتشرذم السياسي أن يُعرقل البنية التحتية الإقليمية. وينبغي عقد قمم وزارية منتظمة حول النقل، على غرار اجتماع مجلس التعاون الخليجي للسكك الحديد في الدوحة عام 2024، لرصد التقدم المحرز وحل النزاعات وتعزيز الالتزام المشترك. وينبغي اعتبار تكامل السكك الحديد أداةً إستراتيجيةً للوحدة الإقليمية والأمن الاقتصادي والتنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط.

وبالاستفادة من النماذج العالمية يمكن لمجلس التعاون الخليجي تحويل مشروع السكك الحديد الخليجية من طموحٍ مؤجل إلى ركيزة أساسية للتواصل. فالرؤية موجودة بالفعل، لكن ما نحتاجه الآن هو إرادة مؤسسية أقوى.

6