سكان الموصل يكافحون للتعافي من جرائم داعش

بعد سنوات من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وتحرير الموصل من قبضته، لا تزال المدينة تئن بذاكرتها تحت وطأة مخلفات جرائمه.
الخميس 2024/06/06
داعش عاث فسادا في الموصل

بغداد - بعد تحريرها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي اتخذها عاصمة "الخلافة"، وبعد سنوات حوّل فيها الجهاديون حياة الناس إلى جحيم ونفّذوا إعدامات بقطع الرؤوس وفرضوا عقوبات بقطع أصابع المدخنين أو أيدي السارقين وجعلوا من النساء "سبايا" ودمّروا كنائس وجوامع ومتاحف وأحرقوا الكتب والمخطوطات، لازال سكان مدينة الموصل إلى اليوم يكافحون للتعافي من جرائم داعش وبناء مستقبل أفضل.

واستعاد الجيش العراقي بعد معارك عنيفة، المدينة في عام 2017 بدعم من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، معلنًا هزيمة التنظيم المتطرف في العراق.

وتعود الذاكرة بطالب الماجستير باللغة العربية في جامعة الحمدانية آزاد حسن (29 عاما) إلى أحد أيام مايو 2015، حين تجمّع عشرات الأشخاص في حي الكرامة في شرق الموصل وعيونهم مسمّرة عليه وشقيقه ورجلين آخرين.

ويقول حسن لوكالة فرانس برس "نظرت إلى الناس من حولي بهلع، بينما دقّات قلبي تقرع بقوة... كأنما كانوا مستأنسين بالمشهد، كأنها مباراة كرة قدم بين ريال مدريد وبرشلونة... لكن الحقيقة كانت مختلفة تماما ومأسوية.، مضيفا "قطعوا أيدينا"، موضحا أن عقابه جاء نتيجة خلاف مع صاحب فرن كان ينتمي إلى التنظيم.

ولم تتوقف معاناة العائلة هنا، إذ اعتقل مسلحو داعش أحد أشقاء حسن وثلاثة من أقاربه ولا يزال هؤلاء مفقودين حتى الآن، بحسب قوله. ويضيف طالب الماجستير "أرادوا كسري، لكنهم خسئوا وخابوا".

وتابع أب لطفل يبلغ سبعة أعوام "أرتاد اليوم الجامعة وأمارس كرة القدم وأقود سيارة إلى حدّ كبير"، معتبرا أن سلاحَه لمحاربة التطرف الإسلامي هما العلم والمعرفة.

ورغم أنه لا يزال يشعر "بأثر الجرح"، يقول حسن الذي بات اليوم ناشطًا في مجال الدفاع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة والمفقودين "هناك إرادة لمكافحة هذه الأشياء السلبية الموجودة بداخلي".

وفي شارع الدوّاسة التجاري، يروي صاحب متجر "تسجيلات الربيع" للأسطوانات الموسيقية عمار طه خضر (50 عامًا) كيف أنقذ أرشيفه الموسيقي من أسطوانات وأشرطة مسجّلة وأجهزة يعود عمرها إلى الثلاثينات والأربعينات، من أيدي الجهاديين فور دخولهم المدينة.

فبعد إخراجها من المتجر إلى المنزل، اتفق مع سائق شاحنة مواد غذائية لنقل الأرشيف إلى بغداد وخبّأه خلف الصناديق. ويقول إنه لم يشعر بالارتياح إلّا حين تمكّن من إبعاده عن الخطر، مضيفا "زار الجهاديون المتجر مرة واحدة فقط وكنت قد حوّلته إلى محل لبيع الألبسة المستعملة للتمويه."

وظنّ خضر أن "المسألة لن تطول سوى شهرين أو ثلاثة"، فقرّر البقاء مع والديه في المدينة، لكن هزيمة الجهاديين لم تأت سوى بعد ثلاث سنوات، بعدها سارع لترميم متجره الذي أسّسته العائلة في العام 1968، معيدا إليه هويته الأساسية.

ويجد زبائن المتجر اليوم أشرطة تسجيل أقدمها يعود للعام 1917، ليس فقط لفنانين عراقيين وعرب وإنما كذلك لموسيقيين عالميين مثل باخ وبيتهوفن.

وتزيّن الجدران صور مطربين وملحنين مشهورين عراقيين وعرب من أم كلثوم إلى عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب.

ويختم خضر قائلا "عانت المدينة كثيرا، لكنها "ستزهو بأبنائها وهي معروفة بعمقها التاريخي، مدينة المؤرخين والمثقفين والعلماء".

ويسترجع القاضي أحمد الحريثي (60 عامًا) معاناة عائلته فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية الذي اعتقل والده وشقيقيه وأعدموا الأصغر سنا (17 عاما) في "ساحة عامّة بالسيف".

ويقول القاضي في مكتبه في الموصل "بثّوا صورا له على مواقعهم. كانوا يفتخرون بمثل هذه الأعمال".

وبعد هزيمة التنظيم، عاد الحريثي إلى الموصل في 2020، وبات نائبا لرئيس محكمة استئناف نينوى. ويقول "كان الوضع مأساويا... لم أعرفها وكأنني أدخل إليها لأوّل مرة".

وحاكم "المئات من الإرهابيين"، حيث أصدر في العام 2019، حكما بالإعدام بحق 11 جهاديا فرنسيا "تمّ ترحيلهم من سوريا إلى العراق، بعدما اعترف غالبيتهم بانتمائهم إلى تنظيم داعش الإرهابي وبقيامهم بأعمال إرهابية"، مضيفا "لم أشعر أنني تأثرت سلباً تجاه المتهمين. كنت أتعامل مع الموضوع بحيادية كبيرة".

وأضاف "الأدلة كانت كافية ومباشرة وواضحة". وقد وجّهت إليهم اتهامات بتنفيذ هجمات في البلدين والتخطيط لهجمات أخرى في باريس وبروكسل، وما زالوا مسجونين في العراق.

وأصدرت المحاكم العراقية مئات أحكام السجن بالمؤبد والإعدام في السنوات الأخيرة بحقّ أشخاص أدينوا بـ"الإرهاب" في محاكمات اعتبرت منظمات حقوقية أنها حصلت على عجل.