سكان البوادي في المغرب.. شحّ الماء فاستحالت الحياة

توالت سنوات الجفاف في المغرب، وهو ليس استثناء في ذلك، فجفّت السدود وعدل المزارعون عن حرث أرضهم، وصار سكان بعض القرى والبوادي يعانون في رحلة البحث عن الماء الصالح للشرب ما ينذر بموجة نزوح جماعية تهدد اقتصاد البلاد.
أولاد السي مسعود (المغرب) - يسارع سكان قرية أولاد السي مسعود المغربية كل صباح “للتزود بالماء من السواقي العمومية أو لدى أحد الجيران في مشهد مبك”، كما يصفه محمد السباعي الذي تخلى عن حرث حقله هذا العام بسبب جفاف استثنائي.
ووجه جيسكو هنتشل المدير الإقليمي لدائرة المغرب الكبير ومالطا في مجموعة البنك الدولي التي رصدت توالي مواسم الجفاف على مدى ثلاث سنوات خلال الأعوام الأربعة الماضية “تنبيها صارخا إلى ضعف الاقتصاد المغربي في مواجهة عدم الانتظام المتزايد في معدلات تساقط الأمطار وتوالي سنين الجفاف”.
وتقع هذه القرية في منطقة الشاوية الخصبة على بعد 140 كيلومترا من الدار البيضاء، لكن آبارها بدأت تنضب بسبب حدة الجفاف الذي يضرب المملكة هذا العام. أما السواقي التي تزوّد السكان بالمياه “فلا تفتح سوى يومين في الأسبوع”، وفق ما يقول المزارع الستيني، مضيفا “ندرة المياه تعذبنا”.
الحكومة منعت سقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف بمياه الشرب، ومنعت الاستغلال غير القانوني للآبار
وبينما كان شح الأمطار يؤثر عادة على المناطق الجافة في جنوب وشرق المملكة على الخصوص، طالت الكارثة هذا العام حتى ضفاف نهر أم الربيع غير البعيد عن القرية.
ولم يعد مخزون سدّ المسيرة المجاور يتجاوز 5 في المئة من طاقته الاستيعابية من المياه، علما أنه ثاني أكبر سد في المغرب، ويزوّد مدنا عدة بماء الشرب بينها العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء حيث يعيش قرابة ثلاثة ملايين شخص.
وبات قعر السد أشبه ببركة تحيط بها تربة تخترقها شقوق على كيلومترات عدة، وبعض القواقع المائية الصغيرة.
وإجمالا، لا يتعدى مخزون السدود المغربية 27 في المئة من طاقتها، ما يثير القلق. لكن الجفاف الحالي يعدّ الأسوأ منذ قرابة أربعين عاما.
والمغرب أصلا تحت خط ندرة المياه الذي تحدده المنظمة العالمية للصحة بـ1700 متر مكعب للفرد سنويا، بينما لا تتجاوز هذه الحصة 600 متر مكعب في المملكة.
وكان هذا المعدل أكبر أربع مرات في الستينات، عندما قُدّرت حصة كل فرد من المياه بـ2600 متر مكعب.
ودفع ذلك المغرب إلى حالة “الإجهاد المائي البنيوي”، وفق تقرير حديث للبنك الدولي.
وحذر الخبراء منذ بداية السنة من زحف العطش إلى حوالي 50 مدينة.
ولمواجهة الكارثة التي تضرب المملكة، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات للسلطات المحلية بتحديد توزيع المياه عندما يكون ذلك ضروريا، ومنع سقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف بمياه الشرب، كما مُنع الاستغلال غير القانوني للآبار والمنابع أو المجاري المائية.
وكانت وزارة التجهيز والماء في المغرب قد أعلنت في الأول من يوليو أنّ البلاد في “حالة طوارئ مائية” جراء تناقص الموارد المائية وارتفاع الاستهلاك. وشددت على ضرورة “التوقف عن ممارسة أي شكل من أشكال تبذير الماء حفاظاً على الموارد الحالية، ومن أجل ضمان التوزيع العادل للمياه لفائدة الجميع”.
وعلى المدى الطويل، تعوّل السلطات على الخصوص على بناء 20 محطة لتحلية مياه البحر في أفق العام 2030، يفترض أن توفر جزءا هاما من ماء الشرب، وفق وزارة التجهيز والماء.
لكن الخبير في الشؤون المائية محمد جليل يرى أنه “يصعب القيام بتتبّع فعّال لمدى الالتزام بالإجراءات التي اتخذتها السلطات”، معتبرا أن هذه الأخيرة “تقوم بتدبير الأزمة بدل اتخاذ تدبير استباقي للمخاطر”.
وسبّب الجفاف أيضا مشكلة كبيرة للقطاع الزراعي المهم في المغرب، وتسبّب في تراجع محصول الحبوب إلى 34 مليون قنطار فقط، ما يمثل انخفاضا بـ67 في المئة مقارنة مع العام الماضي، وفق ما أعلنت وزارة الزراعة الاثنين.
وأعلنت وزارة الزراعة عن انخفاض محصول الحبوب في المملكة خلال العام الجاري بنسبة 67 في المئة ليصل إلى قرابة 3.4 مليون طن، بينها 1.89 مليون طن من القمح اللين.
يُذكر أنه تمّت زراعة مساحة تبلغ 3.5 مليون هكتار من الأراضي خلال العام الحالي في المغرب، وخُصِّصت نسبة 44 في المئة منها لزراعة القمح اللين، و32 في المئة منها لزراعة الشعير، بينما خُصِّصت 24 في المئة منها لزراعة الحنطة.
وقالت إن الموسم الزراعي الجاري شهد تساقطات مطرية “بلغت 199 ملم حتى نهاية مايو الماضي، بانخفاض 44 في المئة مقارنة بمعدل التساقطات المطرية خلال الأعوام الثلاثين الماضية (355 ملم)”.
وتستهلك الزراعة أكثر من 80 في المئة من الموارد المائية للمغرب ما يطرح أيضا تساؤلات حول السياسة الزراعية “التي تعطي الأفضلية للمزروعات المستهلكة للمياه والمزارع الكبرى”، وفق الخبير الزراعي محمد سرايري.
ويقول سرايري إن تقنيات الري بالتنقيط المعتمدة في هذه الزراعة المتطورة تؤدي إلى استهلاك مفرط للمياه، بهدف تحويل مناطق جافة إلى خصبة.
وسجل البنك الدولي في تقريره أن المغرب ضاعف ثلاث مرات المساحة المسقية بهذه التقنية، وهو ما من شانه “أن يرفع الحجم الإجمالي للمياه التي يستهلكها القطاع الزراعي بدل خفضه”.
وعلى مقربة من سدّ المسيرة، يقول رجل تسعيني يدعى محمد كان واقفا قبالة تربة جافة “لم نعد نحرث الأرض، لم يعد هناك ماء”، لكنه يضيف “نقبل بالأمر الواقع، ليس لنا خيار”.
في المقابل، يبدو الشباب أقل استعدادا للصمود، كما يقول راعي غنم يافع (14 عاما) “نعيش وضعا هشا بسبب الجفاف، وأشعر أن الوضع سيزداد سوءا في المستقبل”.
وينتظر أن يواجه المغرب في الأعوام المقبلة مشكلة الإجهاد المائي في ظل عدم استقرار تساقط الأمطار، إذ ينتظر أن تصل حصة الفرد من المياه التي كانت 3 آلاف متر مكعب في ستينات القرن الماضي إلى 700 متر مكعب في 2025.