سكان البصرة ينتظرون معالجة الدخان المصاحب لحرق الغاز

البصرة (العراق) – يطوّق أحد أكبر حقول النفط في العالم مدينة البصرة في جنوب العراق بسحب من اللهب والدخان الناجمة عن حرق الغاز المصاحب، وتسعى السلطات لإطفاء هذه النيران بحلول العام 2030 عبر معالجته، لكن الطريق إلى ذلك لا يزال طويلاً.
والعراق أحد أكبر منتجي النفط في العالم، وهو ثاني أكثر دولة بعد روسيا تحرق الغاز المصاحب.
ومنذ بدء إنتاج النفط في العالم بدأت معه ممارسة حرق الغاز الصادر أثناء استخراج النفط الخام. وتحرق الشركات النفطية الغاز لأن ذلك أقل تكلفة من معالجته وبيعه، إلا أن هذا الغاز المحترق مصدر كبير لتلوث الهواء وانبعاثات الغازات الدفيئة.
وفي بلد يستورد كميات كبيرة من الغاز من إيران قد تسهم معالجة الغاز في “مساعدة العراق على وضع حدّ لمشكلة الطاقة المزمنة”، وفق الخبير في مجال النفط يسار المالكي، ويمكن للكميات المهدورة -في حال معالجتها- أن توفّر الكهرباء “لأكثر من ثلاثة ملايين منزل في العراق”.
أكبر خمسة حقول للنفط في محافظة البصرة تطلق نسبة 65 في المئة من الغاز المحروق حاليا وفق البنك الدولي
وعلى الطريق السريع المؤدي إلى مداخل البصرة تلوح سحب الدخان الأسود في الأفق، رغم أن حقول النفط تبعد على الأقل نحو نصف ساعة عن مركز المدينة التي يقطنها ما يقارب مليونين ونصف مليون شخص.
ويعالج العراق حالياً 1.5 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم من الغاز المصاحب، أي نصف الكميات التي تنبعث يومياً من هذه المادة.
وأعلنت وزارات النفط المتعاقبة على البلاد في السنين الماضية عن أهداف زمنية لوقف حرق الغاز. وانضم العراق في عام 2017 إلى مبادرة عالمية أطلقها البنك الدولي تقضي بوقف حرق الغاز بحلول العام 2030.
وفي ديسمبر تعهّد وزير النفط إحسان إسماعيل بأنه “في نهاية عام 2024 سينخفض حرق الغاز بالحقول الجنوبية بنسبة 90 في المئة”. لكن خلال العامين الماضيين زاد العراق بنسبة 5 في المئة فقط الكميات المعالجة من الغاز المصاحب، وفق وزارة النفط.
وتواجه المشاريع المشتركة بين العراق والشركات الأجنبية لاستثمار الغاز المصاحب مشكلة البيروقراطية والعراقيل السياسية والإدارية ونقص الخبرات والتمويل.
ويشرح المالكي -محلل ملف الخليج في إصدار الشرق الأوسط للمسح الاقتصادي- قائلا “لا يهدر العراق الثروات فقط بحرقها في السماء، بل يخسر المزيد أيضاً باستيراده الغاز من الدول المجاورة” لسد حاجاته من الطاقة.
ويستورد العراق من إيران “750 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز” في اليوم وفق وزارة النفط، أي أن إيران توفّر ثلث احتياجات العراق من الغاز.
ويطرح الاعتماد على الجارة إيران في هذا الشأن إشكاليات عديدة؛ فخلال صيف 2021 اللاهب غرق العراق في الظلمة على مدى أسابيع بعدما قطعت إيران الإمدادات.
وتعدّ محافظة البصرة نقطة ثقل إنتاج النفط في العراق، وتطلق “أكبر خمسة حقول للنفط” فيها نسبة “65 في المئة من الغاز المحروق حالياً”، وفق البنك الدولي.
وتعالج “شركة غاز البصرة” معظم الغاز المصاحب الصادر عن ثلاثة حقول نفط في البصرة.
و”شركة غاز البصرة” هي شركة خاصة تتوزع أسهمها على ثلاثة أطراف: شركة “شل” البريطانية بنسبة 44 في المئة، و”شركة غاز الجنوب” الحكومية بنسبة 51 في المئة، و”ميتسوبيتشي” بنسبة 5 في المئة.
ويقول مدير الشركة الإداري مالكوم مايس إن شركته تطوّر مشروع “البصرة للغاز الطبيعي” في حقل أرطاوي من أجل “رفع قدرتنا على المعالجة إلى 1.4 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم”.
وتصل كلفة المشروع إلى مليار ونصف المليار دولار، ويتضمن بناء محطتين للمعالجة “ستفعّل الأولى في مايو 2023، أما الثانية فمن المقرر تفعيلها في نوفمبر 2023″، وفق مايس.
وأبرم العراق في سبتمبر عقدا مع شركة “توتال إينرجيز” يتضمن أربعة مشاريع “متكاملة، بين الغاز والطاقة الشمسية والكهرباء والنفط”، وفق ما أوضحته الشركة الفرنسية.
وتبلغ قيمة العقد عشرة مليارات دولار، وأبرز بنوده معالجة الغاز المصاحب. ويفترض أن يتم تطويره على مرحلتين: الأولى تستثمر 300 مليون قدم مكعب قياسي والثانية تستثمر كمية مضاعفة، وفق وزارة النفط العراقية.
وأوضحت “توتال إينرجيز” أن المشروع “يغطي بناء شبكة تجميع ووحدة معالجة للغاز الذي يحرق حالياً في ثلاثة حقول نفط”. ويفترض “البدء بتشغيل هذا المصنع بحلول العام 2026”.
وبدأت توتال بالفعل إرسال خبرائها إلى عين المكان خلال فترات متفاوتة لإجراء دراسات أولية.
وفي بيان عن عقد توتال منتصف فبراير الماضي قالت وزارة النفط العراقية إنه يتضمن “فقرات والتزامات جزئية ومتشعبة تتطلب بعض الوقت لإنجازها، ولا يمكن تنفيذها أو حسمها بتوقيتات ضيقة”.
ويفتقر العراق كذلك إلى الخبرات. ويقول موظف في القطاع -فضل عدم الكشف عن هويته- إن “وجود الشركات الأجنبية يطوّر خبراتنا التي استنزفت جراء سنوات من الحروب والإهمال وهجرة العديد من المختصين العراقيين بحثاً عن فرص أفضل في الخارج”.
كما يعمل العراق على مشروعين آخرين على الأقل لاستثمار الغاز المصاحب، أحدهما في الناصرية وآخر في ميسان بطاقة 300 مليون قدم مكعب قياسي، وقد أُنجز منه ما نسبته 51 في المئة، حسب ما أعلنته وزارة النفط.
وقال وزير النفط إن كل تلك المشاريع تموّل “مباشرة من الموازنة العامة”، باستثناء مشروع توتال الذي “يموّل بنسبة 60 في المئة من توتال و40 في المئة من الدولة”.
وإلى حين تحقيق تلك الأهداف الطموحة تتواصل معاناة السكان.
ويقول سالم -وهو راعي أغنام في الثامنة عشرة من عمره، من قرية نهر بن عمر في البصرة- بينما يشير إلى الغاز المشتعل من حوله “كلّ شيء ملوّث بسبب هذه النيران. مات كل شيء، المياه والحيوانات. استحال كل شيء خراباً”.