سكان الأمازون البرازيلية يختنقون بدخان الحرائق

بورتو فاليو عاصمة ولاية روندونيا تسجل أسوأ مؤشر لجودة الهواء بين المدن الكبرى.
الخميس 2024/08/22
ناشطو البيئة يحتجون

بورتو فاليو (البرازيل) - تسبب الجفاف الشديد في تعرض أكبر غابة استوائية في العالم خلال الأسابيع الأخيرة لحرائق ضخمة غطت سحب دخانها الكثيفة مدينة بورتو فاليو في منطقة الأمازون البرازيلية، في ما تؤكد تايان مورايس، وهي من سكانها، أنها تواجه "صعوبة في التنفس". وتقول مورايس، وهي معلمة تبلغ الثلاثين من العمر، إن "الدخان يخدش أنوفنا (..) علينا شرب الكثير من الماء وتشغيل جهاز الترطيب".

وسُجلت في بورتو فاليو عاصمة ولاية روندونيا في شمال غرب البرازيل، أسوأ مؤشر لجودة الهواء بين المدن الكبرى في البلاد الثلاثاء، وفقا لبيانات من وكالة “أي كيو إير” المستقلة. وبلغ مستوى الجسيمات الدقيقة في هذه المدينة التي تعد 460 ألف نسمة، وتقع بالقرب من الحدود مع بوليفيا، 56.5 ميكروغرام لكل متر مكعب، أي أكثر من الحد الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية بـ11 مرة.

وفي 14 أغسطس، وصل هذا المعدل إلى ذروة بلغت 246.4 ميكروغرام لكل متر مكعب، وهو مستوى يعتبر “خطرا”، وهو الحد الأقصى الذي حددته وكالة “أي كيو إير” ومقرها سويسرا. واكتست سماء بورتو فاليو باللون الرمادي الداكن وبدت مغطاة بالضباب الكثيف بسبب دخان حرائق الغابات. وكان من الصعب أحيانا تمييز المباني البعيدة التي عادة ما تكون مرئية بوضوح.

ويقول كارلوس فرنانديز، وهو متقاعد يبلغ 62 عاما، إن “الأمر فظيع، استيقظت بالأمس عند منتصف الليل ومع ألم في العينين بسبب الدخان الذي تسرب إلى المنزل”. ويرى أن بورتو فاليو سجلت “أسوأ موجة دخان” هذا العام، جراء الحرائق “في المناطق الريفية” حيث يلجأ المربون إلى تقنية الحرق لتنظيف المراعي.

وأطلقت حكومة الولاية حملة عبر الإنترنت تدعو فيها السكان إلى الإبلاغ عن عمليات الحرق غير القانونية. وسجلت ولاية روندونيا الشهر الماضي أسوأ شهر يوليو منذ 19 عاما من حيث عدد حرائق الغابات، مع 1618 بؤرة حريق، بحسب بيانات جمعتها مراكز معهد “أي إن بي أي” الحكومي لأبحاث الفضاء.

ويتواصل تدهور الوضع مع تسجيل 2114 بؤرة بين الأول و19 أغسطس. وتظهر صور جوية التقطها مصور وكالة فرانس برس مساحات شاسعة من الغابات المتفحمة بالكامل في منطقة كوجوبيم بشرق بورتو فاليو. ومنذ مطلع العام حتى 19 أغسطس، ارتفع عدد الحرائق بنسبة 87 في المئة مقارنة بعام 2023 في منطقة الأمازون البرازيلية التي تشهد جفافا شديدا منذ أشهر.

صور الأقمار الصناعية تُظهر ما يشبه مسارا من الدخان يعبر البرازيل من الشمال إلى الجنوب، ويمر ببوليفيا وباراغواي
◙ صور الأقمار الصناعية تُظهر ما يشبه مسارا من الدخان يعبر البرازيل من الشمال إلى الجنوب، ويمر ببوليفيا وباراغواي

وتُظهر صور الأقمار الصناعية الصادرة عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية ما يشبه مساراً من الدخان يعبر البرازيل من الشمال إلى الجنوب، ويمر كذلك ببوليفيا وباراغواي. كذلك، عانت مدن أخرى في المنطقة كثيرا من الدخان في الأسابيع الأخيرة، مثل ماناوس، أكبر مدينة في منطقة الأمازون، حيث أوصت هيئة الصحة العامة “فيوكروز” بوضع الكمامات الواقية عند الخروج إلى الشارع.

وأشارت السلطات في ولاية روندونيا إلى أن الدخان الذي يغطي عاصمتها يأتي أيضا من الحرائق في بوليفيا غربا، ومن ولاية أمازوناس المجاورة شمالا. وفي مقطع فيديو نُشر على حساب حاكم روندونيا، ماركوس روشا، على إنستغرام، أوضح كاي آيريس، رئيس مركز الإدارة التشغيلية لحماية الأمازون في بورتو فاليو “نظراً إلى موقعنا في وسط القارة، فإن الدخان يبقى هنا لفترة أطول”.

وفي الفيديو نفسه، أبلغت أخصائية الأمراض المعدية أنطونييتا فيريرا، في مستشفى “كوزمي ودامياو” للأطفال في بورتو فاليو، عن “ارتفاع في نوبات الربو والإصابات بالالتهاب الرئوي أو التهاب الجيوب الأنفية كذلك”. وتقول بياتريس غراسا، وهي ربة منزل تبلغ 35 عاماً، إن “الأمر صعب مع كل هذا الدخان، خصوصا بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي”.

وتضيف “حبذا لو يرسل الله لنا المطر ويكف الناس عن إشعال الحرائق”. وأظهرت دراسة نُشرت نتائجها  مؤخرا أن الاحترار المناخي فاقم من حدة واحتمالية الظروف الجوية التي أشعلت الحرائق المدمرة في منطقة بانتانال بالبرازيل في يونيو الماضي، والتي جمعت بين الحرارة والجفاف والرياح.

فقد أصبحت هذه الظروف “أشدّ بنحو 40 في المئة وأكثر احتمالاً بنسبة 4 إلى 5 مرات” بسبب “تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري”، مقارنة بالمعدل المرتبط بشهر يونيو، وفق استنتاجات خبراء من شبكة “وورلد ويذر أتريبيوشن” المرجعية. وتُعد منطقة بانتانال التي تمتد أيضاً إلى باراغواي وبوليفيا، أكبر الأراضي الرطبة في العالم. وأدرجت منظمة اليونسكو هذه المحمية الغنية بالتنوع البيولوجي في قائمتها للتراث الطبيعي للإنسانية.

وأتت الحرائق القياسية على 440 ألف هكتار في منطقة بانتانال البرازيلية في يونيو، حتى قبل أن تكون فترة الحرائق وصلت إلى ذروتها، وفق ما أكدت منظمة  “وورلد ويذر أتريبيوشن ” التي تقوّم العلاقة بين الظواهر الجوية المتطرفة وتغير المناخ.

وحذّر الباحث في جامعة إيفورا البرتغالية فيليبي إل إم سانتوس، المشارك في إعداد الدراسة، من أن “هذه الصورة مقلقة للغاية لأننا لم نصل بعد إلى ذروة الموسم التي تُسجَّل عادة في  سبتمبر، ومن المحتمل أن تكون حرائق الغابات في العام 2024 أكثر خطورة مما كانت عليه عام 2020″. وقال سانتوس إن الحرائق في المنطقة ترتبط بشكل عام بـ”الممارسات الزراعية” التقليدية التي تهدف إلى تجديد المراعي، لكن “الحرائق المسيطر عليها تخرج عن نطاق السيطرة في نهاية المطاف”.

حرائق كبيرة

16