"سقوط من النعمة".. امرأة توقعها حياتها العاطفية في الجريمة

المخرج تايلر بيري يبث في فيلم "سقوط من النعمة" حبكات ثانوية تدفع في كل مرة بتلك الدراما إلى نقاط شديدة التوتر مع إضفاء الغموض على الأحداث.
الأحد 2021/07/04
الهشاشة قد تقود إلى الجريمة

تثبت السينما مرارا أن الحبكات الثانوية المتفرعة عن القصة الأصلية هي سر إنجاز فيلم ناجح، وهو ما برع فيه العديد من المخرجين وكتاب السيناريو في التلاعب بالمشاهدين وخلق أحداث تتناسل من بعضها في تشويق يخلق المتعة ويحقق للعمل جمالياته وقيمته الفنية.

ترسم السينما مسارات تتعلق بالذات في أكثر أزمنتها ضعفا كما هي في أوقاتها العظيمة، وما بين ذلك يتحقق ذلك الوفاق الفريد بين الجمهور وبين تلك الشخصيات الإشكالية التي تجد نفسها وهي في وسط دوامة تقع ما بين ذروة العاطفة والنجاح وبين أشد الأوقات حرجا وصولا إلى الفشل الكامل.

تنطبق هذه الفكرة كاملة على شخصية غريس (الممثلة كريستال فوكس) في فيلم “سقوط من النعمة” للمخرج تايلر بيري، وهو مخرج غزير الإنتاج إذ سبق وأن أخرج العشرات من الأعمال ما بين سينمائية وتلفزيونية، ولهذا جاء فيلمه هذا ناضجا تأليفا وإخراجا ومزج فيه ما بين العاطفة والجريمة والدراما النفسية – العاطفية، وفي جانب آخر كان هنالك تعمّد واضح أن تكون جلّ الشخصيات من ذوي الأصول الأفريقية.

امرأتان في دوامة

ها نحن أمام امرأتين تعانيان هشاشة ما بسبب وطأة المجتمع وكيف وجدتا نفسيهما وسط قوى لا قبل لهما بها، غريس وقد اتهمت بقتل شخص وهي في مرحلة أخيرة من التحقيق وصولا إلى الإقرار بالجريمة، وهو ما يريده الادعاء، في مقابل المحامية الشابة جاسمين (الممثلة بيرشا ويب) التي هي في بدايات عملها في المحاماة، ويوكل لها مدير الشركة أن تقوم بعمل هامشي لا يحتاج إلى أي مهارة منها، وهو الحصول على توقيع غريس بإقرارها بالجريمة.

من أفلام الجريمة والتحري

تبدو المرأتان في بنائهما الدراما أحوج ما تكونا إلى إثبات الذات، فكلتاهما وجدتا نفسيهما في أزمة نفسية واجتماعية لاسيما وأن غريس لا تتلقى سوى السخرية من زميلاتها وزملائها بأنها لن توفق في المهمة سوى أن تحصل على إقرار خطي، لكن خطوطا درامية أخرى سوف تدفع الأحداث إلى نقطة غير متوقعة بالنسبة إلى الإدعاء، وهي قرار جامسين أن تخوض معركة الدفاع عن غريس، بينما الجميع يشكك في كفاءتها لأداء تلك المهمة العسيرة.

يوظف المخرج أحداث الماضي للمزيد من العمق في بناء الشخصية مستعرضا ما كانت قد مرت به غريس وكيف تطورت بها الأمور إلى أن ترتكب جريمة قتل، والحاصل أن العاطفة هي التي جرفتها لعشق شاب ما يلبث أن يخونها علانية في منزلها، ومن ثم يسطو على ممتلكاتها، بل ويتدخل في عملها البنكي متسببا في سرقة مئات الآلاف من الدولارات.

يقود المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو هذه الدراما ببراعة ملفتة وما ينفك يبث حبكات ثانوية تدفع في كل مرة بتلك الدراما إلى نقاط شديدة التوتر مع إضفاء الغموض على الأحداث المرتبطة بالجريمة في حد ذاتها، وهو ما يسعنا التوقف عنده بوصفه ميزة من ميزات أفلام الجريمة والتحري، حيث يتعزز الغموض الكامن في الأحداث بأسباب ارتكاب الجريمة ولكن ما هو أفدح من ذلك هو اختفاء جثة القتيل.

لا تلقى جاسمين سوى الغلظة والتوبيخ من القاضي الذي تترافع أمامه إلى درجة أن يتم حجزها في السجن بحجة ازدراء القضاء، وذلك بسبب مطالبتها باستدعاء سارة (فيليدا رشاد) التي تلعب دورا أساسيا في هذه الدراما من خلال وجهين متناقضين ومتعارضين، وقد أحسن المخرج الاختيار لعموم الشخصيات وخاصة سارة مزدوجة الشخصية ذات التعابير التي تبعث على الحيرة.

مسارات درامية

لنتوقف هنا عند تلك المسارات الدرامية التكاملية التي تجد أن كل مسار فيها يكمل المسار الآخر ويعززه، فالحياة العاطفية لغريس تحتل مساحة مهمة في هذه الدراما ويوميات تلك العلاقة الغرامية، ولا تدع مجالا للشك في براعة تقديمها على أنها كاملة المصداقية بينما تكون هي بمثابة الفخ الذي وقعت فيه مغمضة العينين بعد حرمان عاطفي.

وخلال ذلك يهيئ المخرج للارتقاء بالأحداث وصولا إلى الجريمة الكاملة من خلال تحويل غريس أموالا طائلة في البنك بحكم عملها، مما يوقعها تحت طائلة الاحتيال الذي يوجب العقاب، وهو ما سوف يعزز هذه الدراما وخاصة عندما تصطدم غريس بشكل غير متوقع وصادم، حتى بالنسبة إلى المشاهد، مع خيانة ذلك الزوج الشاب لها، وهي إضافة أخرى لذلك السرد الفيلمي المتكامل الذي لم يكتف بالتقديم للجريمة بل أضفى عليها غموضا شبه كامل وخاصة مع اختفاء جثة الزوج الشاب.

ترسم السينما مسارات تتعلق بالذات في أكثر أزمنتها ضعفا كما هي في أوقاتها العظيمة، وما بين ذلك يتحقق ذلك الوفاق الفريد بين الجمهور وبين تلك الشخصيات

على أننا نتوقف هنا عند حل إخراجي ملفت للنظر تمثل في الوصول إلى نقطة اللاعودة والفشل الكامل لجاسمين وثبوت الجريمة بشهادة سارة، ولربما تسرب إلى المشاهد نفسه ذلك الإحساس بالنهاية التي لا جديد فيها، هذه الأقطاب الرئيسية في الدراما تجعل التأزيم والذروة في أقصى درجاتها، وهو ما برع في صياغته كاتب السيناريو وهي واحدة من نقاط الجذب والمعالجات الأكثر جمالية في مسار الفيلم.

وأما إذا انتقلنا إلى نقطة تحول أخرى إضافية، فسوف نكتشف الجريمة بل قل سلسلة الجرائم التي ارتكبتها الصديقة الحميمية سارة والتي تكون قد أخفت كل أولئك النسوة الضحايا، وهو ما يحقق ذروة أخرى من خلال اكتشاف زوج جاسمين مكان الاحتجاز، وهو انتقال مكاني ومتغير درامي شكل نقطة تحول جذرية بالنسبة إلى جاسمين وعنصر نجاح لها، وهو الذي في نفس الوقت حقق نوعا من النهاية السعيدة التي جاءت منسجمة مع مسارات الأحداث.

15