سقارة تواصل البوح بأسرارها الأثرية للمصريين

اكتشفت البعثة الأثرية المصرية، التي تعمل في منطقة سقارة منذ عام 2018 إلى اليوم، أكبر ورشة تحنيط آدمية وحيوانية بجبانة البوباسطيين في المنطقة الأثرية التي تضم مقابر للملوك والحكام والنبلاء والوزراء والكهنة وشخصيات من الطبقتين الوسطى والفقيرة أيضا. وقد شهدت سقارة، التي تنقسم إلى قسمين، قديما نهضة معمارية وصفها الأثريون بالقفزة المعمارية.
الأقصر (مصر) - “سقارة لم تَبُحْ بكل أسرارها بعد”، يبدو أن هذه المقولة التي أكدها الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، في تصريحات سابقة لوكالة الأنباء الألمانية لا تزال تتحقق على أرض الواقع، حيث تواصل منطقة سقارة الأثرية البوح ببعض أسرارها لأعضاء البعثة الأثرية المصرية التي تعمل في المنطقة منذ عام 2018 حتى اليوم.
وبحسب وزارة السياحة والآثار المصرية ستشهد المنطقة اليوم إعلان تفاصيل الكشف عن أكبر ورشة تحنيط آدمية وحيوانية بجبانة البوباسطيين في سقارة، وهو الكشف الذي توصلت إليه البعثة الأثرية المصرية خلال موسم الحفائر الجاري.
وقال وزيري لوكالة الأنباء الألمانية إن البعثة التي تعمل برئاسته تواصل حفائرها في المنطقة للموسم السادس على التوالي، لافتاً إلى العديد من الاكتشافات السابقة التي حققتها البعثة على مدار المواسم الماضية من الحفائر الأثرية.
سقارة منطقة غنية بمعالمها الأثرية التي تم الكشف عنها وتلك التي لم يُكشف عنها بعد ولا تزال تغطيها الرمال
ونوّه وزيري بأن المنطقة التي تضم مقابر للملوك والحكام والنبلاء والوزراء والكهنة وشخصيات من الطبقتين الوسطى والفقيرة أيضا، كانت قد شهدت في عام 2020 كشفاً أثرياً أدرجته مجلة الآثار الأميركية في قائمة أفضل عشرة اكتشافات أثرية شهدها العالم في تلك السنة.
وأشار وزيري إلى أن ذلك الاكتشاف، الذي وصف بأنه الأكثر جذبا، تضمن العثور على أكثر من 100 تابوت خشبي مغلق بحالته الأولى من العصر المتأخر داخل آبار للدفن، و40 تمثالا لإله جبانة سقارة بتاح سوكر بأجزاء مذهّبة، و20 صندوقا خشبيا للإله حورس.
ووفق وزارة السياحة والآثار المصرية، كان أعضاء البعثة الأثرية العاملة في المنطقة برئاسة وزيري على موعد مع مجموعة من الاكتشافات الأثرية المهمة التي تمت خلال الموسم الأول من عمل البعثة، وذلك في عام 2018، حيث تمكنت البعثة من الكشف عن المقبرة الفريدة لكاهن الأسرة الخامسة “واحتى”، بالإضافة إلى سبع مقابر صخرية منها ثلاث من الدولة الحديثة وأربع من الدولة القديمة، وواجهة مقبرة من الدولة القديمة.
المنطقة تضم مقابر للملوك والحكام والنبلاء والوزراء والكهنة وشخصيات من الطبقتين المتوسطة والفقيرة أيضا
وعام 2019 نجحت البعثة في الكشف عن خبيئة الحيوانات المقدسة التي تحتوي على أكثر من ألف تميمة من الفيانس وعشرات من تماثيل القطط الخشبية ومومياوات قطط وحيوانات أخرى وتماثيل خشبية.
وفي موسم آخر من الحفائر عام 2022، وتحديدا في شهر مايو، تمكنت البعثة من الكشف عن أول وأكبر خبيئة تماثيل برونزية بجبانة البوباسطيين في سقارة، تحتوي على 150 تمثالا برونزيا لآلهة مصرية قديمة، بالإضافة إلى 250 تابوتا خشبيا ملونا ومغلقا، وتضم هذه التوابيت مومياوات.
وأعلنت البعثة في سبتمبر 2020 عثورها على مجموعة من الأواني الفخارية عليها كتابات باللغة المصرية القديمة في صورة خطوط ديموطيقية، وقد عُثر بداخل هذه الأواني على مجموعة من قوالب الجبن الأبيض، والتي من المرجح أن ترجع إلى العصر المتأخر في الفترة الزمنية للأسرتين الفرعونيتيْن 26 و27.
وبحسب وزيري، فإن سقارة منطقة غنية بمعالمها الأثرية التي تم الكشف عنها، وتلك التي لم يكشف عنها بعد ولا تزال تغطيها الرمال.
وتدل المؤلفات الأثرية وكتب علماء المصريات على أن منطقة سقارة تحوي جبانة منف القديمة، وقد عثر فيها على مقابر لملوك الأسرتين الأولى والثانية في مصر القديمة، بجانب أهرامات كل من الأسرة الثالثة والخامسة والسادسة، كما عثر فيها أيضا على الكثير من مقابر النبلاء.
ومما يروى من التفاصيل الكثيرة عن تاريخ سقارة، أنها احتفظت باسمها القديم (سكر)، وهو اسم لأحد آلهة مصر القديمة وكان يُعرف بإله الجبانة، وهناك قرية مجاورة لمنطقة سقارة الأثرية تحمل نفس الاسم.

وبحسب كتب المصريات، فإن سقارة تنقسم إلى منطقتين، هما سقارة الجنوبية، وسقارة الشمالية، وقد شهدت سقارة قديما نهضة معمارية وصفها الأثريون بـ”القفزة (المعمارية)”، وتتمثل تلك النهضة أو القفزة المعمارية في مجموعة الملك زوسر التي تم تشييدها باستخدام الأحجار، وذلك للمرة الأولى في تاريخ مصر، كما شهدت سقارة تطويرا كبيرا ولافتا في تصميم المقابر الملكية المصرية القديمة.
ووصف علماء المصريات منطقة سقارة بأنها بمثابة كتاب مفتوح، تروي صفحاته قصة الحضارة المصرية عبر عصورها المختلفة، وأنها المنطقة الأثرية الوحيدة التي تحتوي على مقابر ومعالم ترجع إلى مختلف العصور القديمة، وذلك منذ بداية التاريخ المصري القديم حتى نهايته، بجانب العثور فيها على آثار يونانية ورومانية.
وتعد سقارة جزءًا هامًا جدًا من جبانة منف، وهي تبعد عن القاهرة حوالي 40 كيلومترا. ومن المرجح أن سقارة سميت باسم “سُكر” المعبود الخاص بالجبانة.
وتعتبر سقارة متحفًا مفتوحًا، حيث تضم بين جنباتها معظم آثار التاريخ المصري القديم، فبها مقابر ملوك وكبار موظفي الأسرتين الأولى والثانية. كما تحوي الهرم المدرج، أقدم بناء حجري ضخم في التاريخ للملك زسر، وبها أهرامات لأهم الملوك في الأسرتين الخامسة والسادسة، حيث هرم الملك ونيس أول من نقش غرفة دفنه بنصوص الأهرام والتي كان الهدف منها حماية الملك خلال رحلته في العالم الآخر.

وبالإضافة إلى مقابر الدولة القديمة الملكية، احتوت سقارة على مجموعة هائلة من مقابر كبار الأفراد من تلك الفترة والتي زينت بمناظر ونقوش غاية في الروعة. كما ضمت مقابر ترجع إلى عصر الانتقال الأول ومقابر أفراد تعود إلى الدولة الوسطى، وكذلك مقابر الدولة الحديثة. وتمثل مقابر الدولة الحديثة أسلوبًا معماريًا مختلفًا تمامًا عما كانت عليه مقابر طيبة. ومن بين تلك المقابر نرى مقبرة الملك حورمحب حين كان قائدًا للجيش، ولم يدفن بها لأنه بعد اعتلائه العرش قام بنحت مقبرة له في وادي الملوك.
ومن أهم ما تتميز به سقارة مدفن العجل المقدس أبيس والمسمى بالسرابيوم، وقد استمر استخدامه منذ الأسرة الثامنة عشرة حتى العصر البطلمي، حيث كان العجل أبيس يعتبر بمثابة تمثيل للمعبود بتاح نفسه وهو أحد أهم معبودات منطقة منف. وحين يموت العجل كان يتم دفنه في احتفالية مهيبة حتى يتم العثور على خليفته.
بالإضافة إلى ذلك تضم سقارة آثارًا قبطية؛ حيث نجد دير الأنبا إرميا جنوب شرق المجموعة الهرمية للملك زوسر، والذي ظل مستخدمًا حتى القرن الثامن الميلادي تقريبًا، ولا يمكن إغفال الحديث عن متحف إيمحتب الذي يحوي آثارًا رائعة من مختلف العصور، وقد تم اكتشافها في سقارة.