سعوديون يوثقون انطلاق أول رحلة إلى الفضاء

الرياض – في خيمة في شمال الرياض، تجمّع عدد كبير من السعوديين ليلة الأحد لمتابعة اللحظة التاريخية لانطلاق أول سعوديين، بينهما امرأة، إلى محطة الفضاء الدولية.
وبين الحاضرين السعوديّة جواهر السبهان مع أبنائها الخمسة الذين كانوا يلوّحون بأعلام بلادهم مع بدء العدّ التنازلي لانطلاق صاروخ “فالكون 9” من إنتاج “سبيس إكس” الذي يقلّ رائدي الفضاء السعوديين علي القرني وريانة برناوي وهي أول امرأة سعوديّة تنطلق إلى الفضاء.
وقالت السبهان (34 عاما) التي ارتدت النقاب الأسود التقليدي لوكالة فرانس برس “أحبّ الفضاء والاستكشاف بشكل عام، وأحبّ أن يعرف أبنائي الفضاء وتفاصيل رحلاته ومميّزات استكشافه”.
وفي الخيمة الكبيرة المستحدثة خصيصا للمناسبة والمكيّفة صدحت أغان. وتابعت السبهان “أحببت أن يشاهد أبنائي هذه اللحظة التاريخية لتنمو فيهم المشاعر الوطنية”، بينما التحف أبناؤها معاذ (11 عاما) وأفنان (9 سنوات) علم بلادهما. وأضافت بحماس “أشعر بفخر واعتزاز. لدي مشاعر لا يمكن وصفها”.
وتسمّر الحضور أمام شاشة كبيرة عرضت بثا حيا لمراسم انطلاق المهّمة الخاصة التي تُنظّمها شركة “أكسيوم سبيس” الأميركيّة، وكان بين الحضور العديد من الأطفال.
ومع نهاية العدّ التنازلي للانطلاق، قال معلّق الحفل “تنطلق المملكة العربية السعودية نحو الفضاء”، فعلت صيحات وتصفيق، بينما كان كثيرون يسجلون صعود الصاروخ نحو الفضاء بهواتفهم المحمولة.
وبين هؤلاء المسوّق مساعد محمد (32) الذي وصف الأمر بـ”حلم كبير تحقق”. وقال الشاب الذي ارتدى الثوب الأبيض التقليدي بتأثر “هذه لحظة تعكس مستقبل أمة تريد تحقيق المستحيل”. والرحلة الفضائية جزء من إستراتيجية المملكة المحافظة لتحسين صورة البلاد.
وأنشأت المملكة هيئة الفضاء السعودية في العام 2018 وأطلقت العام الماضي برنامجاً لإرسال روّاد إلى الفضاء. وكانت السعودية أرسلت أحد مواطنيها إلى الفضاء في الماضي، إذ شارك الأمير سلطان بن سلمان في مهمة أميركية سنة 1985.
وليل الأحد، كان الأمير سلطان، أول عربي ومسلم يشارك في رحلة فضائية، أبرز الحاضرين في التجمع الذي نظمته هيئة الفضاء السعودية.
وقال لفرانس برس “نحن نشهد لحظة تاريخية”. وتابع “أتأمل تجربتي في الفضاء قبل سنوات طويلة وسعيد أنّ السعودية عادت مرة أخرى إلى الفضاء”، وتابع “بإذن الله هذه مجرد بداية”.
وتصدّرت صور برناوي والقرني وهما يرتديان ملابس روّاد الفضاء اللوحات الإعلانية في الرياض.
انطلاق برناوي إلى الفضاء يعكس حجم الانفتاح الكبير الذي يشهده المجتمع السعودي، حيث لم يكن مسموحا للمرأة مجرد قيادة السيارات قبل أقل من خمس سنوات
ويضم طاقم المهمة الفضائية أيضا بيغي ويتسن رائدة الفضاء السابقة في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) التي توجهت إلى المحطة الدولية ثلاث مرات من قبل وستتولى قيادة المهمة، ورجل الأعمال الأميركي جون شوفنر الذي سيقود المركبة.
وسيمضي هذا الطاقم عشرة أيام على متن محطة الفضاء الدولية. ويفترض أن يجري أفراد الطاقم الأربعة حوالي عشرين اختبارا أثناء إقامتهم، أحدها يتعلّق بدراسة سلوك الخلايا الجذعية في انعدام الوزن.
وسينضم هؤلاء إلى رواد الفضاء السبعة الموجودين على متن محطة الفضاء الدولية، وهم ثلاثة روس وثلاثة أميركيين ورائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي الذي أصبح الشهر الفائت أول مواطن عربي يسير في الفضاء.
ويعكس انطلاق برناوي إلى الفضاء حجم الانفتاح الكبير الذي يشهده المجتمع السعودي، حيث لم يكن مسموحا للمرأة مجرد قيادة السيارات قبل أقل من خمس سنوات.
وقالت برناوي، التي درست العلوم، في مؤتمر صحفي خلال الأسبوع الماضي “من دواعي سروري وشرف كبير لي أن أكون أول رائدة فضاء سعودية”. وتابعت “إنها فرصة عظيمة أن أمثل بلادي، أن أمثل أحلامها”.
وأكدت أنها متحمسة للتحدث مع أطفال من محطة الفضاء الدولية. وقالت إن “رؤية وجوههم عندما يشاهدون رواد فضاء من منطقتهم للمرة الأولى أمر مثير للاهتمام”.
وفي حياته العادية، يعمل القرني طيارا حربيا. وقال “كان لدي دائما شغف لاستكشاف المجهول وتأمل السماء والنجوم”، معتبرا أن “هذه فرصة رائعة بالنسبة إليه لمتابعة هذا الشغف والتحليق بين النجوم هذه المرة”. وبعد دقائق قليلة من انطلاق المهمة، كان سعوديون يوسّعون بالفعل دائرة أحلامهم.
وقال الشاب السعودي عبدالله العتيبي وهو يتابع بتركيز شديد تفاصيل الانطلاق “الخطوة القادمة هي الصعود إلى القمر بإذن الله”. وتعد المهمة المسماة “أي إكس – 2″، هي الثانية المنبثقة من شراكة بين وكالة الفضاء الأميركية و”أكسيوم سبيس” التي توفر رحلات فضائية مماثلة لقاء الملايين من الدولارات.
وتتولى الشركة تدريب رواد الفضاء المبتدئين، واستئجار وسائل نقل، وتسهيل فترة إقامتهم في الفضاء. وكانت مهمة أولى أطلق عليها “أي إكس – 1” نقلت في أبريل 2022 ثلاثة رجال أعمال ورائد فضاء سابقا هو مايكل لوبيز أليغريا، لقضاء أسبوعين في محطة الفضاء الدولية.
وأشار بعض رواد الفضاء الموجودين في محطة الفضاء الدولية إلى أنهم اضطروا لتخصيص قسم من وقتهم الثمين للاهتمام بهؤلاء السياح. وتشكل هذه المهمات بالنسبة إلى “أكسيوم سبيس” خطوة أولى نحو هدفها الطموح، المتمثل في بناء محطة فضائية خاصة بها يفترض أن تطلق النموذج الأولي منها في نهاية 2025.
وسيكون هيكلها متصلا بداية بمحطة الفضاء الدولية، قبل أن يفصل عنها ويصبح مستقلا. وتعتزم ناسا وقف العمل بمحطة الفضاء الدولية بحلول عام 2030، وإرسال روادها إلى محطات خاصة.
وتعهدت روسيا أخيرا بتمديد مدة العمل في محطة الفضاء الدولية حتى العام 2028، بعدما هددت بالانسحاب منها عقب بدء الحرب في أوكرانيا، ما أثار تساؤلات بشأن استمرار المحطة.
وعلى غرار الولايات المتحدة، يلتزم الشركاء الدوليون الآخرون في المحطة، وهم اليابان وكندا ووكالة الفضاء الأوروبية، بمواصلة عملياتهم في محطة الفضاء الدولية حتى العام 2030.