سعوديون يتحدون كثبان الصحراء بهواية "التطعيس"

على امتداد الكثبان تمتزج أصوات المحركات القوية بتصفيق الحشود المتحمسة وسط سُحب من الرمال التي تتطاير مع كل انزلاق قوي للسيارات.
الخميس 2025/04/03
ممتعة لكنها خطيرة

يعتبر "التطعيس" نشاطًا يعكس حب السعوديين للمغامرة والقدرة على التكيف مع الطبيعة الصحراوية، حيث يتسابق المشاركون في تحديات تتطلب منهم قيادة سياراتهم بمهارة عالية لتجاوز الكثبان الرملية والمنحدرات، ما يجعلها تجربة مليئة بالإثارة.

الزلفي (السعودية) - أمام أنظار المئات من الشغوفين بالسرعة، يخرج عبدالإله بسيارة الدفع الرباعي الخاصة به من وسط سحابة رملية في قلب صحراء السعودية. يعتمر خوذة ويشد حزام الأمان، قبل أن يتمكّن من الانزلاق بإحكام بسيارته المزودة بمحرك قوي وسط هتافات حماسية.

في كل موسم شتاء تتوافد حشود من عشاق ما يسمى بـ”الرياضات المتطرفة” إلى محافظة الزلفي، على بعد أكثر من 200 كيلومتر شمال غرب العاصمة الرياض. وهناك، يقود الباحثون عن المتعة سياراتهم فوق الكثبان الرملية شديدة الانحدار وهو ما يُعرف في دول الخليج بهواية “التطعيس”.

يقول عبدالله العمار الذي أتى لمشاهدة عروض “التطعيس” برفقة ابنه إنه من عشاق هذه الرياضة ومستعد لقطع مسافات طويلة من أجلها لأنها “تستحق” هذا العناء.

ويشرح عبدالإله الربيعة، وهو موظف في القطاع الخاص، أن رياضة “الاستعراض الرملي” الشهيرة في السعودية والخليج تتطلب محركا قويا ومهارة التحكم في القيادة.

ويُعدّ انخفاض أسعار النفط وطول موسم الحر الشديد من دوافع الإقبال الكبير على استعمال السيارات في السعودية، وتطوّر الأمر لدى بعض السائقين إلى شغف بالسرعة والمغامرة.

وبينما تنطلق السيارات بسرعة فوق كثيب رملي يبلغ ارتفاعه نحو مئة متر، يوضح الربيعة أن السيارات المستخدمة مجهزة ليس فقط بمحركات قوية، بل بأنظمة أمان مخصصة للتحديات القاسية أيضا.

pp

وعلى مقربة من مئات سيارات الدفع الرباعي والشاحنات الصغيرة المصطفة، يجلس جمهور -غالبيته من الذكور- لمتابعة العروض، مفترشا سجّادات وفي أيديه أكواب شاي أو قهوة.

وعلى امتداد الكثبان تمتزج أصوات المحركات القوية بتصفيق الحشود المتحمسة وسط سُحب من الرمال التي تتطاير مع كل انزلاق قوي للسيارات.

لكن إلى جانب المتعة التي يجلبها “التطعيس” لهواته، لا ينسى السائقون التحضيرات الميكانيكية التي تكتسي أهمية بالغة في هذا النوع من الرياضات الخطرة.

ويقول أحمد الرومي، وهو سائق ذو خبرة، إن “هذه الرياضة ممتعة لكن يجب أن تكون آمنة” من خلال تجهيز السيارة بجميع المستلزمات لتفادي وقوع أي حادث خطير.

وفي أسفل الكثبان الرملية تنتظر مركبات مجهزة بإطارات ضخمة ومحركات فائقة القوة دورها، بينما يجري السائقون التعديلات الأخيرة قبل تحدي الجاذبية وصعود الكثيب شديد الانحدار.

ويُزرع الشغف بالصحراء والقيادة فوق الكثبان في نفوس الكثير من السعوديين منذ الطفولة.

يقول بدر الغماس الذي يبلغ من العمر 33 عاما وأتى من منطقة القصيم إنه بدأ ممارسة هذه الهواية وهو في سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، مضيفا أنه يجد فيها “متنفسا” مثلما يجد آخرون متعة في كرة القدم أو السباحة مثلا.

لكنّ هذه الرياضة تبقى محفوفة بالمخاطر، ويروي الرومي أنه تعرض لحادث سابق، موضحا أن السيارة لم تكن مجهزة بالكامل بأجهزة الحماية آنذاك، وأن “الأمر انتهى بخير” لحسن الحظ.

كما تتجاوز هذه الهواية مجرد الترفيه، ويُعتبر “التطعيس” جزءا من ثقافة أوسع لقيادة السيارات في المملكة العربية السعودية.

ويرى الكاتب باسكال مينوري، صاحب كتاب “التفحيط في الرياض: النفط، التخطيط العمراني وتمرد الطرق” الذي نُشر عام 2014، في هذا السعي إلى السلطة والسرعة رغبة من الشخص في أن يكون “رجلا حقيقيا”.

oo

من هذه التحديات التي تثير الأدرينالين يحتفظ الرمل بآثار الغازات والزيوت الداكنة التي يتركها السائقون وراءهم. ويقول العمار إنه يحب الصحراء ومشاهدة عروض “التطعيس” بما أنه نشأ في مزرعة وسط الطبيعة، مضيفا أنه يستمتع بمنظر السيارات وهي تصعد الكثبان الرملية.

وفي كل شتاء تشكل الأمطار بحيرة موسمية في وسط الصحراء السعودية، محوّلة مدينة الزلفي إلى مقصد سياحي لزوار من المملكة ومن دول خليجية أخرى، يأتون للاستمتاع بالأنشطة المائية.

ويلاحظ عصام حمد، الذي حضر لتمضية فترة من الراحة مع عائلته، أن “الكثبان الرملية هنا تمتزج ببحيرة من المياه العذبة.”

وتستقبل منطقة الزلفي، الواقعة على بعد أكثر من 200  كيلومتر شمال غرب الرياض، عددا كبيرا من الزوار الذين يحضرون من الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، منجذبين بندرة الظاهرة وإمكانية ممارسة الرياضات المائية.

وعلى دراجة مائية “جت سكي” يثير حمزة، وهو مواطن من المنطقة يبلغ من العمر أربعين عاما، حماسة الحاضرين من خلال أداء حركات مذهلة أمامهم. ويعلو صراخ بعض الأطفال المتحمسين فيما يرش حمزة الماء على الحاضرين وهو يؤدي بعض الحركات على مركبته.

ويقول “في أحد الأيام تحدّاني أصدقائي لركوب ‘جت سكي’. لذا زرت موقع حراج السعودي للتسوّق عبر الإنترنت، وقررت شراء مركبة.” لكن نظرا لعدم امتلاكه الخبرة استعار في البداية “جت سكي” من أصدقاء له قبل أن يخوض غمار هذا المجال.

po

18