سعوديات يرسمن تحررهن على الجدران

الفن مساحة للتعبير عما يخالج الشباب من مشاعر ومشاغل الحياة، وللفتيات في الفن نصيب فهن النواعم اللاتي لهن نظرة ثاقبة للأشياء، ومع أن المجتمع السعودي مجتمع محافظ، إلا أن الفتيات استطعن أن يطورن موهبتهن في الرسم ثم خرجن إلى الجدران ليواجهن بألوانهن نظرة المجتمع.
الرياض - بعد أن ضاقت الأوراق برسوماتهنّ وخيالهنّ الذي قفز على ضوابط المجتمع المحافظ، خرجت بعض الموهوبات السعوديات ومعهن أدواتهن للرسم في شوارع جدة والرياض ومدن أخرى كما فعلت فنانة الغرافيتي نورة بن سعيدان التي لا تخشى صعود آلة الرافعة، وتغمس ريشتها بطلاء الألوان، حتى تُباشر بالرسم، وتُثبت بموهبتها أن النساء أيضاً يتمتعن بالقوة، والشموخ، والثقة، وأن فن الغرافيتي لا يقتصر فقط على الشبان.
وبدأت الرسامة نورة فن الغرافيتي منذ حوالي عامين من خلال مشاركتها في بعض الفعاليات والرسم في حدائق المملكة، وشوارع مدينة الرياض الرئيسية.
ووصل فن الغرافيتي إلى السعودية قبل عدة سنوات منذ 2006، رغم أنه ظهر في العالم خلال ستينات القرن الماضي في نيويورك، بإلهام من موسيقى الهيب هوب، لكنه موجود منذ القدم كخربشات على الجدران، ومن النقاد من يعتقد أن ذلك الفن كان موجوداً منذ القدم، في الحضارات الإغريقية والفرعونية والرومانية.
مريم ليست الفتاة الوحيدة، فكثيرات شغفن بفن الرسم على الجدران رغم صعوبة المغامرة في ظلّ مجتمع محافظ، فلقد التقت نورة بن سعيدان في مناسبة سابقة كلا من فاطمة آل محمود وزينب الماحوزي وهند الغامدي ورباب الحاجي وفاطمة المؤمن، مع مجموعة من الشباب وحوّلوا منازل شعبية قديمة إلى لوحات فنية وتشكيلية باستخدام فن الغرافيتي في حيّ الخبر الجنوبي بالمنطقة الشرقية.
واختارت الرسامة حنان كمال الجدران لتوسّع تجربتها في فن الرسم بعد أن ضاقت بخيالها الأوراق، لكن هؤلاء الفتيات لم تكن مهمتهن سهلة في مجتمع محافظ، فقد تراجعت العديد من الموهوبات بفن الرسم عن خوض مغامرة فن الغرافيتي، في حين اختارت أخريات الرسم على جدران بيوت أهلهن، وفوق سطوح منازلهن كما فعلت الشابة مودة محتسب التي وسمت على سطح منزل عائلتها التي دعمتها على تعلم استخدام البخاخات المتخصصة في الرسم، والأنواع المميزة من الطلاء لتواصل تجربتها.
ورغم أن العديد من فتيات جدة سبقن مريم بن سعيدان إلا أنها تعدّ أول فتاة في الرياض ترسم على الجدران في المرافق العامة.
وتستلهم فنانة الغرافيتي موضوعات رسوماتها من الأحداث واهتمامات المجتمع السعودي، مثل قرار السماح للمرأة بالقيادة، والذي جاء ضمن سلسلة الإصلاحات في السعودية، هذا العام.
في إحدى لوحاتها الجدارية، تظهر نساء سعوديات بمختلف المجالات وكأنهن في سباق يعكس انتصارهن في الحياة وتحقيقهن لأهدافهن وأحلامهن.
ولم يكن الرسم على الجدران مجرد هواية بالنسبة إلى مريم وإنما تعتبره جزءا من الثقافة، علما وأنها تعدّ رسالة ماجستير تناقش فيها دور الفنون في تجميل المدن المختلفة، وما تحمله من أهداف تاريخية وسياحية وتجميلية.
واعتمادا على نوع الرسم، تستخدم فنانة الغرافيتي أدوات مختلفة، مثل البخاخ وألوان الطلاء والفرشاة الهوائية.
وتشعر بن سعيدان بالفخر كونها من الفتيات الرائدات في هذا الفن، إذ يتفاجأ الكثيرون لدى رؤيتها تقف على آلة الرافعة وهي ترسم لوحتها.
وبين تفاصيل هذه اللوحات الجدارية، تجد رسالة بن سعيدان، التي تؤكد على قدرة الفتاة السعودية في تحقيق أهدافها وأحلامها، دون أن يقف أيّ شيء في طريقها. وإذا واجهتها أي صعاب، فهي قادرة على تحمّلها.
وفي شهر فبراير الماضي فوجئ فنانون ورسامو غرافيتي باختفاء الجداريات في شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز في الرياض، ومن بينها غرافيتي شهير رُسم على جدار مكتب “تعليم شمال الرياض”، ووقّع عليه أمير الرياض، قبل أن يطمس بعد طلاء الجدار باللون الأبيض.
وقوبلت عملية إزالة الجداريات باحتجاج وانتقاد من الفنانين المشاركين في رسم الجدارية. وقالت نورة بن سعيدان آنذاك في تغريدة على حسابها في تويتر، معلقة على إزالة الجدارية، “عملنا في جدارية شارع التحلية استمر أكثر من 40 ساعة خلال 8 أيام عمل في عز البرد”، وأضافت أن “الأعمال تعتبر واجهة حضارية تعكس اهتمام أمانة الرياض بالفنانين، ومن دون سابق إنذار يُزال هذا العمل”.
وتواجه فنانات الغرافيتي العديد من التحديات خلال رسمهن على الجدران بسبب كونهن إناثا في مجالٍ يهيمن عليه الذكور، ولذلك، اختارت الرسامة حنان كمال اسما مستعارا “بينك إن” الذي يرمز إلى اللون الوردي والقوة الأنثوية، كلقبها الذي تستخدمه في عالم الغرافيتي، معتقدة أن هذا اللون “يثبت أن الإناث يمكنهنّ ممارسة فن الغرافيتي أيضا، وأن هذا الفن هو للجنسين معا”.
وحول مدى تقبّل الشارع رسم الغرافيتي في السعودية تقول الرسامة مريم أبوشال، “على الأغلب لا يتقبّل الناس فن الغرافيتي، لأنه في اعتقادهم يشوّه المناظر العامة بكتابات عشوائية، ولكن في السنوات الأخيرة تغيّرت بعض المفاهيم السلبية عن هذا الفن، وصارت له أماكن خاصة لممارسته وتقام له المسابقات والمعارض وترصد له الجوائز”. وتضيف، رغم أنه ما زال هناك من يرفض هذا الفن إلا أنه صار هناك من يقدّر هذا الفن، ويطلبه في المعارض والبيوت وعلى جداران العمارات والأماكن العامة.
وتستدلّ الفنانة السعودية على كلامها بوجود محلاّت تجارية تبيع الأدوات الخاصة بالغرافيتي في جدة، تقول، “رغم أنه لا توجد معاهد مختصة في هذا الفن، لكن هناك دورات للغرافيتي تقام في بعض المعاهد، بالإضافة إلى إقامة ورش عمل في المعارض”.
وتقول الشابة مريم التي شاركت في مسابقات ومعارض عديدة، أبرزها مسابقة في باريس، والتي تعدّ أكبر فعالية غرافيتي في العالم، “الغرافيتي فنّ راق ونحن الرسامون لدينا رسالة لمجتمعنا وللإنسانية، ندعو فيها إلى السلام والأخلاق الحسنة، وأيضا تفريغ طاقات وحبّ الشباب للترفيه عن النفس واستغلال أوقات الفراغ”.