سعودة السياحة من خدمة الغرف إلى إدارة الفنادق

مع انفتاح السعودية على القطاع السياحي كرافد اقتصادي جديد، اعتمدت على سعودة خدمات الضيافة، فأقدم السعوديون والسعوديات على المشاركة في برامج تدريبية داخل المملكة وخارجها لإتقان خدمات الغرف والاستقبال والإرشاد السياحي وإدارة الفنادق والمطاعم ليكونوا جاهزين لاستقبال السياح باختلاف لغاتهم وثقافتهم.
الرياض – تستبدل السعودية منيرة الربيعان شراشف سرير وأغطية الوسائد خلال تدريب عملي على مهام موظّفي خدمة الغرف في الفنادق، آملة في أن يؤهلها ذلك للحصول على وظيفة دائمة في قطاع السياحة الناشئ الذي تسعى المملكة إلى إلحاق آلاف السعوديين به.
والتحقت الربيعان (25 عاما) أخيرا ببرنامج “رواد السياحة” الحكومي الذي يسعى إلى تدريب 100 ألف سعودي داخل المملكة وفي معاهد أوروبية بارزة في مجالات القطاع كافة.
وتقول الفتاة المنقبة التي بحثت لأشهر دون جدوى عن وظيفة في قطاع السياحة، “جاءتني هذه الفرصة للتعلّم وتطوير قدراتي للحصول على وظيفة”.

وتتابع وهي تنصت مع زميلاتها بعناية وشغف لتعليمات مدربتهن في غرفة تحاكي تماما غرفة فندق “ستكون لديّ خبرة وثقافة وثقة في نفسي للتعامل مع الناس”، قبل أن تزيل الغبار عن إطار السرير ومجموعة من الأدراج.
وتحضر الربيعان يوميا دورات في مركز تدريب في شرق الرياض يعجّ بالشباب الذين يتدربون في أماكن مماثلة لمناطق الاستقبال والمطابخ والغرف في الفنادق، وكذلك صالات المطاعم ومطاعم الوجبات السريعة.
ويعمل 850 ألف شخص في قطاع السياحة في المملكة، ويشكّل السعوديون 26 في المئة فقط منهم، بحسب الأرقام الرسمية.
ولعقود كانت السياحة في السعودية مقتصرة على السياحة الدينية المرتبطة بالحج والعمرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويفتقد العاملون في القطاع خبرة في التعامل مع السياح الباحثين عن الراحة والترفيه.
وفتحت السعودية في 2019، بعد عقود من الانغلاق، أبوابها أمام السياح، فاستحدثت تأشيرات إلكترونية عند الوصول لمواطني 49 بلدا. وتسعى إلى استقبال 30 مليون سائح أجنبي بحلول 2030 مقابل 4 ملايين في العام الماضي، ضمن خطة انفتاح اجتماعي واقتصادي لتنويع اقتصادها المرتهن بالنفط.
وتنكب البلاد على إعداد كوادرها البشرية من أجل هذا التحدي.
ويقول وكيل وزارة السياحة لتنمية القدرات البشرية محمد بشناق، إنّ “برنامج التدريب الضخم يهدف إلى بناء قدرات احترافية وفعّالة للغاية للسعوديين في قطاع السياحة عموما والضيافة خصوصا”.
ويتابع “نحن بحاجة إلى بناء المعرفة والمهارات والكفاءات للسعوديين على أعلى المستويات”.
ويضم البرنامج الذي تم إطلاقه في يونيو الفائت وتبلغ ميزانيته 100 مليون دولار، ثلاثة مستويات تلائم المتدربين المبتدئين وأصحاب الخبرات المتوسطة والمديرين وتغطي 52 وظيفة.
ويتضمن التدريب داخل المملكة 20 برنامجا في ستة مسارات تتدرج من خدمات الدعم الفندقي المختلفة والتسويق والإرشاد السياحي لإدارة السياحة والفنادق، على ما يوضح المدير العام للتوطين والتدريب في وزارة السياحة بندر السفيّر.
ويهدف البرنامج إلى تدريب 25 في المئة من ملتحقيه في معاهد سياحية في إسبانيا وفرنسا وهولندا وسويسرا.
وأتاح التدريب لأسبوع في سويسرا للشاب الوليد الزيدي، مدير المبيعات في فرع فندق أجنبي في الرياض، “التعامل مع أنواع سياح مختلفين”، مشيرا إلى أن معظم الزبائن الذين اعتاد خدمتهم بالمملكة هم من الموظفين ورواد الأعمال.
ويقول الشاب الذي ارتدى بزة داكنة أنيقة إنّ “التجربة فتحت مداركي لاحتياجات السياح المختلفة من الأنشطة والأطعمة والأماكن التي يودون زيارتها”، عوضا عن طلبات زبائنه الحاليين التي تنحصر في السؤال عن خدمات تنظيف الملابس وتكلفة المكالمات الدولية.
والتحق عبدالرحمن الغنيم (26 عاما) بدورات في المحاسبة وتنظيم الفعاليات ستساعده على تطوير مسيرته المهنية.
ويوضح الشاب الذي يعمل مديرا لمكتب الاستقبال في فندق بالرياض منذ سنوات إنّه “بات الآن قادرا على تنظيم جولة إرشاد سياحي بجدول زمني وحجوزات متكاملة”.
ونهاية أغسطس، اعتمدت السعودية قانونا جديدا للسياحة يهدف “إلى أن تصبح المملكة وجهة سياحية عالمية”.
كما أعلنت السلطات الأسبوع الماضي عن توسيع نطاق التأشيرات الإلكترونية لتشمل المقيمين في دول الخليج، في ما اعتبره خبراء محاولة لمنافسة جارتها الإمارات التي تستحوذ على نصيب الأسد من السياحة في المنطقة.
100
ألف سعودي يسعى برنامج "رواد السياحة" الحكومي إلى تدريبهم
وتستهدف السعودية توفير مليون وظيفة جديدة في قطاع السياحة بحلول عام 2030، وفق رؤية 2030 الطموحة التي طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في العام 2016.
وإلى جانب المهرجانات الموسيقية والأحداث الرياضية التي بدأت تنظم عبر المملكة في السنوات الأخيرة، تقوم السعودية أيضا بالترويج لمناطق جذب جديدة مثل العلا، وهي مركز فنون ناشئ في شمال البلاد.
كما تقوم أيضا ببناء مدينة ترفيهية على طراز “والت ديزني” تسمى القدية، ومنتجعات فاخرة على طراز جزر المالديف على طول البحر الأحمر، بتكلفة بلغت مئات المليارات من الدولارات.
وهي مشاريع تأمل في أن يديرها ويشغلها الشباب الذين يشكلون أكثر من نحو ثلثي السكان البالغ عددهم حوالي 34 مليون نسمة.
وتسعى السعودية إلى أنّ يشكل السعوديون 70 في المئة من العاملين في هذا القطاع بحلول 2030.
لكنّ السعي نحو “سد الفجوة” عبر المزيد من “السعودة”، أي إحلال السعوديين محل الأجانب، في قطاع السياحة، يجب أنّ يترافق مع “الحرص على الجودة”، بحسب وكيل الوزارة بشناق.
ويقول المسؤول، فيما كان طهاة سعوديون يستعدون لتلقي دروس في مطبخ فسيح مجاور، “ليست سعودة لمجرد وجود سعوديين في أماكن العمل… نسعى إلى سعودة بجودة وكمية على حد السواء”.