سطو علني مسلح على بنك بالعاصمة يكشف التحول النوعي للجرائم في تونس

تونس – لم تهدأ النفوس بعد في تونس من صدمة وقوع حادثة إرهابية جديدة بعين سلطان بجندوبة (شمال) حتى تعلن السلطات عن حادثة سطو علنية لبنك بالعاصمة، لتعيش البلاد في فترة زمنية متقاربة جريمة إرهابية ثم جريمة سرقة يطرح توقيتها وطريقة الفعل الإجرامي العلني تساؤلات عدة.
وأعلنت الداخلية التونسية عن قيام مسلح، الأربعاء، باقتحام فرع بنكي بالعاصمة تونس والاستيلاء على مبلغ من الأموال.
وقال العميد وليد حكيمة، الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني بوزارة الداخلية، إن “مسلحا اقتحم فرعا بنكيا بضاحية المنار بالعاصمة وإن قوات من الشرطة وصلت إلى المكان في أسرع وقت إلا أن المسلح سارع بالخروج من مبنى البنك، وأطلق النار في الهواء من مسدس يحمله، وفرّ على متن سيارة سوداء يجري البحث عنها”.
وتكشف حادثة السطو عن ارتفاع معدل الجريمة في تونس بعد اندلاع ثورة يناير 2011، ويشير خبراء اجتماع إلى أن الحادثة ليست بمنأى عن الواقع السياسي والاقتصادي والأمني التي تمر به البلاد في فترة انتقال ديمقراطي صعبة، أمام تذمر اجتماعي من غلاء المعيشة وإصلاحات حكومية قاسية خاضعة لضغوط صندوق النقد الدولي.
ويلفت الخبراء إلى أن ما يثير الانتباه أن معدل الجريمة في تونس ضئيل مقارنة بدول أخرى وأن معدل ارتفاعه طفيف منذ انتفاضة يناير، وقدر هؤلاء ارتفاع نسبة الجريمة بالبلاد إلى حدود 1.8 بالمئة منذ 2011، لكن ما يستدعي القلق هو نوعية العمل الإجرامي الذي يشهد بدوره تحولات في السنوات الأخيرة.
وأوضح سامي نصر خبير علم الاجتماع لـ“العرب” أن “الخطير هو نوعية من الجرائم التي ارتفعت بنسبة 70 بالمئة في تونس وهي الجرائم العنفية (المرتبطة بالعنف)”. ويشرح ذلك قائلا “ارتفاع جرائم العنف يكشف أن كل مواطن باتت له شحنة عنفية مكبوتة قادرة على الانفجار لأبسط الأسباب وقادرة على ارتكاب جريمة من أخطر أنواع الجرائم هذا الذي نطلق عليه اسم الجرائم التلقائية”.
الجانب الأخر الذي انتشر في تونس حسب نصر هو ما يسمى بالجرائم المنظمة التي تكون على شكل شبكات محكمة التنظيم وتحتاج إلى معدات وإمكانيات وهذا النوع تطور بشكل كبير بتونس في الآونة الأخيرة.
وأعتبر أن “ارتفاع مثل هذا النوع من الجرائم مرده خضوع البلاد لمافيا المال نتيجة ضعف هيبة الدولة. لافتا أنه حين تفقد الدولة جزءا من نفوذها وتتخلّى عن جلّ مسؤولياتها تسدّ هذا الفراغ مافيا المال، ويلحظ أن الجرائم المنظمة باتت بذلك أكثر تنظيما وأكثر خطورة وأكثر استقرارا كأنها في مأمن بفضل سطوة هذه المافيا.
وقدّم سامي نصر قراءته لحادثة السطو بالمنار التي وقعت الأربعاء، متسائلا إن كانت جريمة تلقائية أم هي رسالة مشفرة، ولا يستبعد وجود علاقة بينها وبين الحادثة الإرهابية بجندوبة.
وحادثة جندوبة تعتبر الأعنف والأكثر دموية بالبلاد منذ أكثر من عامين، وحصدت الأحد الماضي، أرواح 6 من عناصر الحرس الوطني التونسي، في هجوم إرهابي استهدف دورية للحرس بمنطقة تابعة للمحافظة.
ويشير نصر إلى أن حادثة المنار فيها مصادفات غريبة حيث وقعت بعد فترة قصيرة من حادثة جندوبة. ورغم أن كل الفرضيات واردة في العمل الإجرامي لكن نصر يرجح أنها مكملة لعملية جندوبة وتهدف إلى مزيد التشكيك في دور رجال الأمن ردا على حالة التعاطف الاجتماعي والتضامن والمساندة الكلية التي لقيتها المؤسسة الأمنية عقب العملية.
وأشار إلى أن “ردود الفعل لم تهتم بالسرقة التي وقعت بل لقربها من مركز الأمن على بعد أمتار وفي النهار وفي منطقة آمنة.. وكأنها رسالة رد على تصريح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حين قال عقب هجوم جندوبة إن تونس في أياد أمينة والخطر موجود فقط في الجبال”. لذلك يعتقد نصر أنها رسالة مشفرة يفصح مضمونها أنها ليست جريمة سطو عادية لكنها خطوة أخرى من خطوات العمل الإرهابي.
فيما يذهب خبراء آخرون إلى أن ارتفاع معدل الجريمة في تونس مرده صعوبات مرحلة بناء الجمهورية الثانية أمام ما عاشته البلاد من حالة انفلات وضعف أمني.
ويبين خبير الاجتماع ممدوح عزالدين في تصريح لـ“العرب” أن “الجريمة في تونس قبل 2011 كانت تحت إشراف السلطة والكثير منها لا يخضع لتغطية إعلامية حفاظا على صورة النظام لكن بعد الثورة تغير الوضع بسبب حالة الانفلات الأمني ونتيجة لهذا الانفلات تحولت الموازين في تونس: من هيمنة الدولة على المجتمع إلى هيمنة المجتمع على الدولة”.
ويشير إلى أن ضعف الدولة وسوء إدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، من العوامل التي أسهمت في ظهور الجريمة. وأن التحولات التي وقعت على مستوى الجرائم في تونس لم تشمل المستوى الكمي بل المستوى النوعي.
وتابع “الجريمة في تونس لم تعد في الخفاء كالسابق.. نعلم أن السرقات كانت تتم في الليل لكن التحول الجديد أنها أصبحت علنية وهي ظاهرة غريبة وهذا ما نطلق عليه في علم الاجتماع النزوع نحو المشهدية أي مسرحة الجريمة حتى جرائم القتل والانتحار صارت في الأماكن العامة منذ انتحار البوعزيزي الذي كان سببا في إحداث تحول اجتماعي”.
ويختم بقوله “أينما تكون أزمة اقتصادية ترتفع معدلات الجريمة في المجتمعات التي تمر بمراحل انتقالية وتشهد تحولات هيكلية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي مثل تونس”.