سد الموصل بعد سد درنة.. التحذيرات متكررة والخطر قائم

لم تنقطع المخاوف والتحذيرات من احتمال انهيار سد مدينة الموصل العراقية منذ سنوات. ورغم ذلك تواصل السلطات العراقية القيام بإصلاحات لا تجنب المدينة الكارثة المحتملة. ويرى مراقبون أن التقني يختلط بالسياسي في معالجة المشكلة.
بغداد - رغم التحذيرات الروتينية من خطورة انهيار سد الموصل وحجم الكارثة المهول الذي يمكن أن يتسبب فيه، لا تتعامل السلطات في العراق مع التحذيرات بالجدية المطلوبة التي ترقى إلى تجنب كارثة محتملة.
وأحيت الكارثة التي وقعت في ليبيا بعد انهيار سد مدينة درنة المخاوف من انهيار سد الموصل، المهدد بالانهيار من الأساس بسبب حاجته الدائمة إلى الإصلاح.
ويقول خبراء إن ما حدث في درنة، حيث سقط نحو 11 ألف ضحية وفُقد نحو 10 آلاف آخرين، سوف يكون مجرد مأساة صغيرة أمام انهيار سد الموصل؛ إذ يقدر عدد الضحايا المحتملين بنحو مليون ونصف المليون شخص ممن يعيشون على ضفاف نهر دجلة “في حال لم يتم إخلاء مسار الفيضان في الوقت المناسب في غضون ثلاث أو أربع ساعات”.
وكانت مجلة “ناشيونال جيوغرافي” نشرت تقريرا ذكّر بالمخاوف الأميركية التي أطلقت لأول مرة في العام 2006 من انهيار “أخطر سد في العالم”. وذلك لأنه مبني على أساسات من الجص ويتطلب حقنا منتظما للإسمنت لملء التشققات في هيكله.
وكانت السفارة الأميركية في بغداد حذرت مواطنيها في العام 2016 وطلبت منهم الاستعداد لمغادرة البلاد في حال وقوع كارثة إذا انهار السد.
خبراء يقولون إن المياه ستغمر مدينة الموصل، أكبر مدن شمال العراق، بارتفاع 21 مترا خلال ساعات من انهيار السد
ويقول الخبراء إن المياه ستغمر مدينة الموصل، أكبر مدن شمال العراق، بارتفاع 21 مترا خلال ساعات من انهيار السد، وستندفع موجة مد داخلية إلى مسافة 280 كيلومترا باتجاه الجنوب على طول نهر دجلة.
وإضافة إلى الكارثة الإنسانية الضخمة فإن الانهيار يمكن أن يمحو أيضا آلاف المواقع الأثرية والثقافية على طول نهر دجلة. وهي تشمل نمرود ونينوى، العاصمة الآشورية القديمة التي كانت ذات يوم أكبر مدينة في العالم وأولى الإمبراطوريات الحقيقية التي ظهرت في الألفية الأولى قبل الميلاد، فضلا عن متحف الموصل وعدد لا يحصى من المواقع الدينية، التي سبق وأن تعرضت للتخريب على يد تنظيم داعش في 2014.
ويرى أستاذ علم الآثار في جامعة بوسطن مايكل دانتي أن “من الصعب التوصل إلى تقديرات أخرى غير أن آلاف المواقع الأثرية والمواقع التراثية سوف تُمحى، ما سيكون خسارة غير مسبوقة”.
وسد الموصل هو أكبر سد في العراق، ورابع أكبر سد في منطقة الشرق الأوسط، يقع على نهر دجلة على بعد حوالي 40 كيلومترًا شمال مدينة الموصل. تم افتتاحه في عام 1986، ويتكون من سد صخري بطول 3.2 كيلومتر وارتفاع 131 مترًا، وبحيرة تخزين تبلغ مساحتها 370 كيلومترًا مربعًا.
ويولد سد الموصل طاقة كهرومائية تبلغ 750 ميغاواط، كما يوفر المياه للري لما يقرب من ربع مليون هكتار من الأراضي الزراعية، ويساعد في السيطرة على الفيضانات التي كانت تحدث بانتظام في نهر دجلة، قبل أن تتراجع إمدادات المياه من تركيا.
ويبلغ حجم المياه المحتجزة في السد حوالي 2.2 مليار متر مكعب، أي حوالي 20 في المئة من سعته التخزينية القصوى البالغة 11.1 مليار متر مكعب. وهو ما يمثل انخفاضًا كبيرًا عن مستوى المياه في عام 2022، والذي بلغ حوالي 7 مليارات متر مكعب.
وعلى العكس من الانطباع السائد، فإن انخفاض مستوى المياه في سد الموصل يزيد المخاوف بشأن سلامة السد بالنظر إلى ما يحدث فيه من تشققات، وذلك إلى جانب الأضرار المتعلقة بتوفير المياه للسكان ولأغراض الري.
وكان العراق بدأ في العام 2019 بتنفيذ مشروع لإصلاح وصيانة سد الموصل، بتمويل من البنك الدولي. ويهدف المشروع إلى تحسين سلامة السد وزيادة قدرته على تحمل الفيضانات.
ومع ذلك لا يزال هناك الكثير الذي يجب القيام به لضمان سلامة السد. ويشكل نقص التمويل واحدا من أكبر التحديات التي تواجه السد.
وبرزت على مر السنوات الماضية سلسلة اتهامات بأعمال فساد تتعلق بعقود صيانة سد الموصل. ففي عام 2016 اتهمت النائبة العراقية فيان دخيل وزير الموارد المائية حينها محسن الشمري بالفساد في عقود صيانة السد. وقالت دخيل إن الشمري حاول استغلال المبالغ المخصصة لصيانة السد في تحقيق منافع شخصية.
وفي عام 2022 اتهمت وزارة الموارد المائية شركة تريفي الإيطالية، التي فازت بعقد صيانة سد الموصل في عام 2016، بتنفيذ أعمال صيانة غير مطابقة للمواصفات. وقالت الوزارة إن الشركة استخدمت مواد وتقنيات رديئة في أعمال الصيانة، مما قد يعرض السد للخطر. وذلك إلى جانب أن الشركة اختلست حوالي 100 مليون دولار من أموال الصيانة.
وفي العام الجاري فتحت هيئة النزاهة العراقية تحقيقًا في عقود صيانة سد الموصل. وقالت الهيئة إنها تحقق في مزاعم الفساد والانتهاكات المالية في عقود الصيانة. ولكن لم يتم توجيه اتهامات جنائية ضد أي شخص في قضايا الفساد المتعلقة بعقود صيانة السد.
وفي الشهر الماضي أكد وزير الموارد المائية العراقية عون ذياب في لقاء تلفزيوني أن “هناك قلقا سابقا حول سد الموصل، لكن هذا القلق زال والسد في أفضل حالاته وسيتم تطويره أكثر”.
كذلك أفادت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) في وقت سابق من الشهر الماضي بأن سد الموصل “آمن”.
وقال معاون مدير مشاريع المنظمة هاري بيتشكروفت لوكالة الأنباء العراقية الرسمية إنه “تم استدعاء مجلس خبراء عالمي إلى سد الموصل بغرض التقييم، وكانت النتائج مطمئنة جدا”.
وأضاف بيتشكروفت أن المجلس “أوصى في آخر زيارة له برفع المنسوب إلى 325 مترا فوق مستوى سطح البحر، وهذا يعني أن السد آمن وبالإمكان رفع منسوب المياه فيه من دون أي مشاكل”.
ويقول خبراء، استند إليهم تقرير “ناشيونال جيوغرافي”، “إن التهديد بانهيار السد لا يزال قائما، وإن التشققات في بنيته تستوجب مراقبة دائمة”.