سحب رخص 16 شركة سياحة مصرية بتهمة التحايل لتسفير الحجاج

القاهرة - كلّف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي السبت بسحب رخص 16 شركة سياحة وإحالة مسؤوليها على النيابة العامة بتهمة “التحايل” لتسفير الحجاج بصورة غير نظامية، على ما أفاد مجلس الوزراء.
وتأتي هذه الخطوة في مسعى لامتصاص الغضب الشعبي الكبير الذي رافق الأنباء المتضاربة بشأن مصير الحجاج وعدم قدرة الحكومة على تقديم رواية واضحة لما كان يجري. وهي أولى نتائج خلية الأزمة التي أعلن عن تشكيلها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وأفاد مجلس الوزراء في بيان أنه "تم رصد عدد 16 شركة سياحة ـ بصورة مبدئية ـ قامت بالتحايل وتسفير الحجاج بصورة غير نظامية، ولم تقدم أيّ خدمات للحجاج، ومن هنا كلّف رئيس الوزراء بسرعة سحب رخص هذه الشركات، وإحالة المسؤولين إلى النيابة العامة، مع تغريم هذه الشركات لصالح أسر الحجاج الذين تسببوا في وفاتهم".
وأشار بيان مجلس الوزراء إلى أن إجمالي عدد البعثة الرسمية المصرية يزيد على 50 ألف حاج، رصد بينهم “31 حالة وفاة نتيجة أمراض مُزمنة". وكل عام يؤدي مئات الآلاف من المسلمين شعائر الحج في مكة بعد حصولهم على التصاريح اللازمة لذلك، وخصوصا أن كل دولة لديها حصة محددة لعدد حجاجها.
ولكن بسبب احتمال عدم قبول العديد منهم مع ارتفاع تكاليف السفر والحجوزات، يؤدي عشرات الآلاف من الحجاج فريضتهم كل عام من دون تصاريح، ما يحرمهم من الوصول إلى الأماكن المكيّفة التي وفّرتها السلطات السعودية لـ1.8 مليون حاج يحملون تصاريح هذا العام.
وقال مسؤول سعودي لفرانس برس الجمعة "نقدّر عدد الحجاج غير النظاميين بحوالي 400 ألف شخص غالبيتهم العظمى من جنسية واحدة" في إشارة إلى مصر. وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمر الخميس بتشكيل خلية أزمة برئاسة مدبولي "لمتابعة وإدارة الوضع الخاص بحالات وفاة الحجاج المصريين".
وفي هذا الصدد، أفاد بيان مجلس الوزراء السبت بأنه تم عرض التقرير الصادر عن لجنة إدارة الأزمة المشكلة والذي أشار إلى أن "أسباب ارتفاع حالات وفاة الحجاج المصريين غير المسجلين يرجع إلى قيام بعض شركات السياحة بتنظيم برامج حج بتأشيرة زيارة شخصية، ما يمنع حامليها من دخول مكة".
وتابع البيان "يتم التحايل على ذلك عبر التهرب داخل دروب صحراوية سيرا على الأقدام، مع عدم توفير أماكن إقامة لائقة، ما تسبب في تعرض الحجاج غير المسجلين للإجهاد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة".
وانتقد معارضون الحكومة معتبرين أنها تسببت بشكل غير مباشر في زيادة حالات الوفاة، فهذا العام شهد ارتفاعا ملحوظا في تكاليف أداء مناسك الحج لدى الجهات الحكومية التي تشرف عليها، وعدم التعامل الفوري مع شركات السياحة الخاصة التي نشطت في تسيير رحلات زيارة بأعداد كبيرة قبل حلول موسم الحج بأيام، وكان يمكن التعامل الأمني مع "سماسرة التأشيرات" بما يخفف أزمة تحولت إلى ظاهرة.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد المخالفين لضوابط السفر يقدر بنحو 200 ألف شخص، استعدوا لأداء الحج بالسفر منذ شهري رمضان وشوال الماضيين، وأن الزائرين سعوا لمخالفة القوانين السعودية الخاصة بالحج بعد أن أضحت كلفته لا تقل عن أربعة آلاف دولار، ووجدوا في الحصول على تأشيرة زيارة زهيدة الثمن والإقامة في أحد فنادق مدينة جدة قبل الانتقال إلى مكة حلا مناسبا لهم.
وقال نقيب السياحيين المصريين باسم حلقة إن "شركات السياحة تقدم الخدمات التي يطلبها المسافرون إلى السعودية سواء تعلق الأمر بتأشيرات الحج التي تتوفر لديها أو برحلات الزيارة غير المخصصة للحج، وأغلب الحجاج قرروا من تلقاء أنفسهم الذهاب إلى مكة قبل موعد الوقوف على جبل عرفات بأيام، وبعض موظفي شركات السياحة تحايلوا على القوانين السعودية، وهو ما لم يتم بصورة رسمية عبر الشركات العاملة في مجال السياحة بمصر".
◙ التقصير الحكومي ظهر بشكل غير مباشر في وقائع وفاة الحجاج لأن ترك تأشيرات الحج لقواعد العرض والطلب خلق مبررات لمن خالفوا قواعد الحج
وأضاف في تصريح سابق لـ"العرب" أن "الحكومة يصعب تحميلها مسؤولية ما حدث وليس باستطاعتها منع سفر أيّ شخص إلى الخارج إلا بوجود عوائق أمنية أو صدرت بحقه أحكام واجبة، وتنفيذ القانون في هذه الحالة حق أصيل للسعودية، والمشكلة تكمن في أن إحداث نهضة سياحية وتشجيع السائحين للحصول على تأشيرات إلكترونية من أجل زيارتها يتعارضان مع نية البعض مخالفةَ قوانين أداء فريضة الحج".
ويحاول عشرات الآلاف من الأشخاص كل عام أداء فريضة الحج دون الحصول على تأشيرات رسمية لتوفير المال، وشهد هذا العام زيادة في هذه الظاهرة بالتزامن مع سعي المملكة للتحول إلى قبلة لسياحة متنوعة لا تقتصر على المناسك الدينية فقط.
ويقول متابعون إن حدوث حالات وفاة بين المصريين بأعداد كبيرة أمر طبيعي، لأن من لم يحصلوا على تأشيرة الحج ليست لديهم مناطق للإقامة عند أداء المناسك ولم تتوفر لهم وسائل مواصلات للتنقل بين مناطق الشعائر، لذلك تعرضوا لحرارة الشمس على مدى ساعات طويلة في غياب الاستعدادات اللوجستية للتعامل معهم، ولم يكن من المخطط تواجدهم أصلا في أماكن أداء المناسك.
وذكرت أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها (شمال القاهرة) هالة منصور أن "التقصير الحكومي المصري ظهر بشكل غير مباشر في وقائع وفاة الحجاج، لأن ترك تأشيرات الحج لقواعد العرض والطلب – التي أدت إلى ارتفاع أسعارها نتيجة تهافت المواطنين في غياب العدالة التنظيمية – خلق مبررات لمن خالفوا قواعد الحج، ودفع حُجاج مصريون مبالغ مالية أكبر مقارنة بأسعار الحج في دول أخرى".
ويتجاهل الخطاب الديني بمصر الأضرار التي يتسبب فيها المخالفون للقوانين وإلحاق الأذى بآخرين سلكوا الطرق الرسمية، كذلك عدم الاعتداد بقوانين الدولة المستضيفة. وأفتت دار الإفتاء المصرية بأن المخالفين تقبل حجتهم مع تأكيدها أنهم "آثمون شرعا"، ما جعل الكثيرين يقتنعون بأن أداء فريضة الحج يبيح مخالفة القوانين.